تبين أن بن غفير متصيد وبلا قدرة قيادية

هآرتس

عاموس هرائيل

ترجمة حضارات




ما يوصف في الجانب الفلسطيني بـ "انتفاضة الإستنزاف" أو "إراقة الدماء"، يتواصل باستمرار، وتعرضت القدس ظهر اليوم -الجمعة- لهجوم مميت ثاني خلال أسبوعين بالضبط، عندما اقتحم منفذ من سكان حي العيسوية، يحمل بطاقة هوية إسرائيلية، بسيارته محطة بالقرب من حي راموت، ودهس وقتل طفل وشاب وإصابة خمسة مستوطنين آخرين.

إن المؤسسة الأمنية ​​ليست عاجزة في مواجهة العمليات المستمرة، يبذل الجيش الإسرائيلي والشاباك والشرطة جهداً هائلاً في محاولة إحباط العمليات وينجح بعض الوقت.

لكن العدد الكبير من المحاولات وحقيقة أن معظم المنفذين يعملون بدون خلفية تنظيمية منظمة تجعل من الصعب إحباطها، وليس هناك ما يمكن الحديث عنه بأي حال من الأحوال حول الحماية المحكمة ضد المقاومة، واستمرت محاولات الهجمات وحوادث إطلاق النار في الضفة الغربية خلال الأسبوعين الماضيين.

لكن طالما أن القتلى فلسطينيون وليسوا إسرائيليين كما حدث في الهجمات في "رمات" وحي "نيفي يعقوب"، ظل الاهتمام العام بهذا الأمر من الجانب الإسرائيلي ضئيلاً.

بهذا المعنى لا يوجد فرق كبير بين حكومة نتنياهو وسابقتها حكومة بينيت لابيد، لكن الشركاء في الحكومة الحالية، عندما كانوا في المعارضة، وهاجموا الحكومة السابقة باتهامات عدوانية بعد كل هجوم، وبعثروا وعوداً فارغة بهزيمة المقاومة عند عودتهم إلى السلطة.

الآن، عندما تعود المسؤولية عليهم، وكما كان متوقعاً هم غير قادرين على تسليم البضائع، يتم استبدال الاتهامات القديمة بممارسات جديدة وهي: المزيد من التهديدات الخاملة، والصراع على السلطة بين أعضاء الحكومة، والمحاولات الخرقاء لنقل المسؤولية إلى نظام العدالة.

حدث الشيء نفسه اليوم، عندما عاد إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي (الضخم الفارغ من الداخل؟).

تنافس مع رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" في إصدار تعليمات خاطفة للجيش الإسرائيلي لإغلاق منزل المنفذ، ودعا إلى تطبيق عقوبة الإعدام على المنفذين (وكأن هذا من شأنه أن يردع أولئك الذين قرروا الموت بالفعل، مثل منفذ اليوم) وتصاعد عندما أمر الشرطة بالاستعداد لعملية "السور الواقي 2" في شرقي القدس، وكأن هذا هو الحل الضروري، وكأن بن غفير مؤهل حتى لتنفيذ مثل هذه الخطة.

بعد حوالي ستة أسابيع من توليه منصبه، تبين أن الوزير بن غفير هو استمرار مباشر للسياسي والمحامي والمجرم الأيديولوجي بن غفير قزم بلا أثر للقيادة، ويأتي من فمه سيلاً مستمراً من التحذيرات التي لا قيمة لها والتي لا تقدم أي  حل جديد للمقاومة.

لكن يبدو أن بن غفير بدأ يستوعب الظروف الجديدة، لقد وعده نتنياهو وشريكه الوزير بتسلئيل سموتريتش بالسماء والأرض لينضموا إلى حكومته ويساعده على القيام بثورة قانونية ستخرج رئيس الوزراء من لوائح الاتهام ضده.

لكن نتنياهو أيضاً محدود في قوة التحركات التي يمكن أن يتخذها في الساحة الفلسطينية، نقل الإدارة المدنية إلى مسؤولية سموتريتش كوزير إضافي في وزارة الدفاع، وشرعنة البؤر الاستيطانية غير القانونية، والاقتحامات المتكررة للوزراء للحرم القدسي، وحل السلطة الفلسطينية كل هذه تحركات يجد رئيس الوزراء صعوبة في القيام بها رغم مطالب شركائه في التحالف؛ لأنها ستعرضه لخطر الاصطدام بالولايات المتحدة.

كان القطار الجوي لكبار مسؤولي إدارة بايدن، الذين يصلون إلى هنا كل أسبوع، يكررون على هذه الرسالة في أذنيه.

السبيل الوحيد للخروج من هذا التشابك الذي تبحث عنه الحكومة يكمن في تفريق المزيد من التهديدات للفلسطينيين، وفي تصعيد معين بإجراءات العقاب الجماعي في شرقي القدس والضفة الغربية، خطوة كان نتنياهو حذراً منها بحق بناء على توصية من المؤسسة الأمنية خلال الموجة العمليات السابقة في عام 2015.

 إذا تحققت المحادثات حول فرض الإغلاقات حول أحياء شرقي القدس، وبدء عمليات الاعتقال الممنهجة، فمن المحتمل أن تجد الحكومة نفسها في فخ أكبر.

قبل بضعة أشهر، عندما فرضت "إسرائيل" حصاراً على شعفاط للعثور على منفذ هجوم قتل مجندة إسرائيلية عند الحاجز، اضطرت إلى رفعه بعد أن كان التوتر في المخيم على وشك أن يؤدي إلى اشتباكات واسعة النطاق.




سابقة مألوفة 

ليس من المستغرب أن يحاول أنصار نتنياهو على الفور إلقاء اللوم في الهجوم على حركة الاحتجاج ضد خطة إضعاف نظام العدالة.

الادعاء، الذي سينزلق بالتأكيد بسرعة من أحلك أركان شبكات التواصل الاجتماعي إلى اللوحات في استوديوهات التلفزيون، يرى أن أمن المواكب والتظاهرات حول القدس يحرم الشرطة من القوى التي من شأنها أن تتعامل مع منع العمليات.

بل وزُعم، دون ذرة من الحقيقة، أن الوقفات الاحتجاجية الاحتجاجية على الطرق أعاقت وصول سيارات الطوارئ إلى مكان الكارثة.

هناك دافعان وراء هذه الاتهامات، وليس أي منهما جديداً، الهدف الأول -كالعادة- هو جعل اليسار كبش فداء مسؤول عن قتل اليهود.

والثاني مصمم للتعامل مع ما يقلق نتنياهو أكثر وهو الاحتجاج الذي قد يقيده، إلى جانب الأزمة الاقتصادية الناشئة، والضغوط الأمريكية من تحقيق خططه القانونية.

وهذه رواية جديدة من الاتهامات الباطلة التي وجهت في احتجاج بلفور خلال فترة كورونا، وكأن التظاهرات تتدخل بالسلطات في معركتها ضد الوباء.

هنا، العيون على يوم الاثنين القادم، يعتزم الائتلاف تنفيذ خطوته التشريعية الأولى، في القراءة الأولى، وتقوم المنظمات الاحتجاجية بمظاهرة حاشدة حول الكنيست وتدعو الجمهور للمشاركة في إغلاق عام لأماكن العمل.

على هذه الخلفية يجب فهم المناورة السابقة لبن غفير، حول مظاهرة شارك فيها عدد قليل من المشاركين في القدس الليلة الماضية بالقرب من منزل رئيس الوزراء.

بطريقة ما، حرص شخص ما على إرسال حفنة من المتظاهرين اليمينيين إلى المظاهرة بعلامة "اليساريون خونة"، وتمكن المحرضون من إحداث شغب صغير في المكان، بينما قام المتظاهرون بإغلاق سكة القطار الخفيف لفترة وجيزة، وأحرقوا إطاراً وأشعلوا مشاعل.

كان هذا كافياً لبن غفير، الذي لا بد أنه شارك في مظاهرات أكثر وحشية في حياته، ليعلن أن قائد منطقة القدس "فقد السيطرة على المدينة لمجموعة من الفوضويين" ويعلن استدعائه لإجراء مقابلة استجواب.

مفوض الشرطة كوبي شبتاي، الذي بذل في الأسابيع الماضية جهوداً يائسة للتوافق بطريقة ما مع الوزير الذي تم جلبه ليحكمه، طرح في الزاوية وتلقى الضربات.

وعبر في إعلان عام عن أسفه لتدخل الوزير في أنشطة المديرية بينما لا تزال قوات الشرطة في الميدان.

هنا أيضاً، تُعرف السابقة والخلفية واضحة -حتى في ذروة احتجاج بلفور- قبل عامين، حاول وزير الأمن الداخلي في ذلك الوقت، أمير أوحانا، إنشاء محور التفافي لنفسه أمام منطقة القدس وإملاء خط أكثر عدوانية تجاه المتظاهرين.

هذه مناورة لا يسمح الوزراء لأنفسهم بتجربتها في تل أبيب، حيث يتأكد قادة المناطق من اتخاذ موقف أكثر صبراً واحتواءاً تجاه الاحتجاجات المختلفة.

لكن إذا نجح بن غفير في وضع منطقة القدس تحت التوتر يوم الإثنين، فإنه سيمهد الطريق لاحتواء أكثر عدوانية للاحتجاج.

إذا كان لدى أحد شك في أن هذا كان نية الوزير، فقد اختفى هذا الصباح، قبل ساعات قليلة من الهجوم، وأعلن الوزير عن إنشاء منتدى استشاري لثلاثة مدراء متقاعدين من شأنه أن يساعده في الرقابة المهنية على قرارات المفوض.

المنطق: "شبتاي يواجه صعوبة في إدارة التحديات"، ويبدو أن بن غفير ليس لديه أدنى فكرة عن كيفية قيادة عمل الشرطة في زمن أزمة الأمن الداخلي الهائلة، حيث يتم الجمع بين العمليات والخلاف السياسي، لكن كيف يتصيد ويتدخل في عمل الضباط تحت قيادته لم ينس للحظة.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023