فتية المقاومة في مواجهة فتية التلال

أسامة سعد

مستشار قانوني

قد تتشابه المسميات وتتشابه الدوافع وتتشابه الأعمار، ولكن بلا شك تختلف المبادئ والأفكار والقيم، وبالضرورة تختلف المنطلقات، فالمنطلقات نابعة من أصل الحق لفريق فتية المقاومة يقابلها منطلقات الباطل في الفريق الآخر.

ما يحدث على أرض فلسطين ليس إلا استمراراً للمعركة التي بدأت منذ أن وضع الصهيوني الأول قدمه على أرض فلسطين حين دخلها خائفاً يترقب، فآوته الأرض الطيبة وأكرمه أصحابها بمقتضى من شيم الكرم والجود والشهامة العربية الأصيلة التي تتزين بها رجولتهم التي قابلها الدخيل بخسة الطابع، ولؤم النفس، وخبث الروح، التي ميزت أولئك القوم فتمسكنوا حتى تمكنوا، ثم تجبروا، ولما كان الفلسطيني لا يقبل على نفسه الضيم فقاتل بشرف، ودافع عن أرضه التي بدأ أولئك الغرباء مشروع الاستيلاء عليها بدعم من القوى الاستعمارية إلى أن مكنوهم من الأرض بعد أن دعموهم بكل أسباب القوة.

الفلسطيني ما زال يقاوم ولم يستسلم ولم يخضع، وظل ينقل قصة الغريب الخائن من الآباء إلى الأجداد، وتنتقل مع أصل الحكاية حكايات من الشرف والبطولة والتضحية والفداء، وفي المقابل انتقلت الخسة والنذالة من الغرباء إلى أحفادهم، وما زالت المعركة مستمرة.

اليوم تستعِر المعركة ويشتد أوارها بين فتية الـمقاومة الذين صورت شاشات الإعلام بطولتهم وجسارتهم ومدى إقبالهم على التضحية بالروح رغم حداثة سنهم، تلك الروح الوثابة التواقة التي انتقلت إليهم بسلسال الدم من آبائهم؛ فشكلت التزاماً وجدانياً في أعناقهم بأن تبقى المعركة مستمرة، رغم كل ما يحيط بهم من تخاذل وتواطؤ وخيانة قد عايشها آباؤهم من قبل أيضاً، وعلى خطى الآباء مر الأبناء، وبقي سر ثباتهم الأسطوري يتمثل في حقيقة أن الحق قديم لا يزول بالباطل، وأن الباطل زائل بطبعه مهما بدا قوياً متحكماً ومتجبراً، فتية الـمقاومة يواجهون فتية التلال؛ تلك المجموعات من سوائب المستوطنين الذين نقل لهم آباؤهم ممن خانوا كرم الضيافة وقيم الشهامة والجود، نقلوا لهم لؤم الطباع وخسة النفس وخبث الروح بعد أن لقنوهم قصصًا مزورة وخرافات مصطنعة عن أرض كانت قبل آلاف السنين، إلا أن عدم القناعة بالخرافات التي يحملونها تتبدى جلياً في مدى الجبن والخوف والهلع الذي يعتريهم لدى مواجهتهم لفتيان الـمقاومة، ورغم أسلحتهم الكثيرة التي لا تفارق أيديهم المرتجفة التي يتسلحون بها والتي ضاعفها ابن غفير إلى خمسة أضعاف، ورغم حماية الجيش الصهيوني المدجج بأعتى أنواع الأسلحة لهم، تراهم يخوضون معاركهم مع شجر الزيتون، فيحرقونه ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، ظانين أن النار قد تجتث ثبات الزيتون في أعماق الأرض، أو يتجرؤون على هدم منزل أو احتلاله أو تدنيس مسجد أو مقبرة.

تلك هي المعارك التي يتقنون القيام بها، فهي معارك تخاض بلا شرف ولا مروءة ضد كائنات أو جمادات لا حول لها، من قبل جبناء مرتعدين يفشلون في حرق شجيرة زيتون أحياناً، أو تخريب حقل أو بستان، والمقارنة بين المشهدين تدلل على أصالة الحق الذي يُفدى بالدم والروح، والباطل الجبان المرتجف الذي يحميه السلاح.

القوة الجبارة التي تحرك فتية الـمقاومة تستمد من الروح العظيمة الشريفة السامية التي يحملها الفلسطيني الذي يُقبل على الموت بجسارة أبطال الأساطير ليصنع ملحمة بطولةٍ لا يكاد يدرك القلم ذيل مجدها ليسطر بعضاً من حروف هي بالتأكيد لا تفيها حقها، فمن ذا الذي سيكتب عن خيري، وعن التميمي، والنابلسي، وعن محمود علوات، ذي الثلاثة عشر عاماً من سلوان، وفتى شعفاط الذي -إلى وقت كتابة هذا المقال- لم يُعلن عن اسمه بعد، والقائمة الطويلة من أسماء جليلة عظيمة قد تنسى بمرور الأيام، ولكن تبقى قصص البطولة حاضرة لا تغيب.

لكل فتى من هؤلاء الفتية حكايته التي صاغها على طريقته، فألهمت من بعده فتياناً آمنوا بربهم وزادهم هدى ينتظرون اللحظة المناسبة ليزينوا لوحة الشرف والبطولة بنجم جديد يظل يشع في سماء الوطن على مدى الزمن، هم فتية أووا إلى كهف الحرية الذي لا يدخله إلا من كان نقي السريرة شديد العزم طاهر النفس ليخلد ذكره في كهف الأبطال كما خلد القرآن ذكر أصحاب الكهف.

فتية الـمقاومة وفتية التلال يجسدون منطق الحق ومنطق الباطل، وستمضي سنة الله في خلقه، وسيقذف بالحق على الباطل فيدفعه فإذا هو زاهق.

غزة في 15/2/2023م

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023