أزمة القيادة: تحديات الفلسطينيين في اليوم التالي لأبي مازن

منتدى التفكير الإقليمي

غازي أبو جياب

ترجمة حضارات



في ظل عدم وجود مؤشرات على رغبة أبو مازن في تسليم صولجان السلطة بطريقة سلسة ومنظّمة لخليفة متفق عليه، الأمر الذي قد يؤدي إلى تفاقم الخصومات وصراعات على السلطة، وبالتالي تدهور مكانة السلطة الفلسطينية إلى درجة خطر التفكك، وضرورة الواقع تتطلب أن نحاول أن نتخيل صيغة لاستبدال حكومة عادية يمكن أن تمنع التفكك والفوضى ممكنة.

لا توجد شخصية تحظى بتأييد أغلبية واضحة لتحل محل أبو مازن، الظروف التي سمحت لعرفات وأبو مازن من بعده بتولي زمام السلطة في الماضي لم تعد موجودة.

لذلك، يبدو أن الصيغة التعويضية تكمن في إنشاء قيادة جماعية على ثلاث جهات: فتح، والسلطة الفلسطينية، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وسيترأس كل من هذه الهيئات شخصية من بين المرشحين المحتملين، وسيتولى الثلاثة القيادة ويعملون معا.

هناك في هذه الصيغة للتغلب على العديد من العقبات والصعوبات، وتخفيف حبال الولادة لقيادة جديدة.

ستكون هناك حاجة إلى قيادة جديدة تشمر عن سواعدها وتركز جهودها على التعامل مع عدد من المعضلات، أولها، إعادة تنظيم مؤسسات السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية بحيث تصبح موطنًا لكل التيارات السياسية وتضع حدًا للانقسام الداخلي، ومن الواضح أن منظمة فتح لن تتخلى عن السيادة لمواصلة قيادة منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية.

المنظمات الأخرى داخل منظمة التحرير الفلسطينية التي تنتمي إلى التيار الوطني لن تعارض ذلك، والتيار الإسلامي، أي حماس والجهاد الإسلامي، سيكون على استعداد لقبول هذا الوضع على أساس الشراكة السياسية، على عكس الوضع الحالي الذي تسيطر فيه حركة فتح حصريًا على جميع مؤسسات السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية.

إن الموضوعين الرئيسيين اللذين سيطرحان على جدول الأعمال بعد عهد أبو مازن، وتسوية الوضع التنظيمي - القيادي في السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية متشابكان، ويتعلقان بطبيعة النضال الفلسطيني والعلاقة مع "إسرائيل" وسلطات الاحتلال.

حيث أن على كاهل القادة الجدد مهمة صياغة خطة سياسية واقعية وجديدة تستخلص النتائج من فشل المسار السياسي لأبو مازن من جهة، وأنم يكونوا قادرين على فهم حدود الكفاح المسلح باعتباره الحل الوحيد ووسيلة لتحقيق أهداف النضال الفلسطيني من جهة أخرى.

كل دعوات أبو مازن لاستئناف المفاوضات مع "إسرائيل"، بعد انهيار اتفاقات أوسلو بشكل أو بآخر قوبلت برفض إسرائيلي.

إن انتصار القوى اليمينية المتطرفة في "إسرائيل" في الانتخابات الأخيرة، وتشكيل حكومة يمينية واضحة، لا يترك مجالاً للشك في فرص نجاح خيار إعادة التفاوض.

ستستمر "إسرائيل" في التركيز على إرساء الحقائق على الأرض، عندما يتم تحديد موقفها من السلطة الفلسطينية على أساس اعتبارات أمنية بحتة، بمعنى أنها ستسعى للحفاظ على السلطة الفلسطينية بحيث تلعب دور المقاول من الباطن لأمن "إسرائيل".

يعلم كل من لديه عقل سليم أن الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، سيتم حسمه إلى حد كبير في معركة بين الجانبين. سيتم تحديده بالنقاط وليس بالضربة القاضية.

لذلك يجب ألا يعلق المرء آمالا كاذبة وكأن الخلاص سيأتي من الأمم المتحدة أو المجتمع الدولي أو الدول العربية، ومعظمها تحت تأثير الولايات المتحدة، الحليف الرئيسي والاستراتيجي لـ"إسرائيل" التي تحميها كما لو كانت هي بحد ذاتها.

في حالة عدم وجود أمل في التوصل إلى اتفاق مع "إسرائيل" من خلال المفاوضات، يجب دراسة الخيار العسكري، أي الكفاح المسلح، بهدوء وجدية.

إن إيذاء الإسرائيليين -جنودًا ومستوطنين- يوفر رغبة في الانتقام، ويثير مشاعر الفخر في مواجهة الأعمال الإجرامية لسلطات الاحتلال والمستوطنين.

ومع ذلك، لا ينبغي أن نتجاهل النتائج السلبية لهذا النشاط في أنماطه المألوفة، وفي ظل توازن قوى عسكري يميل بشكل مطلق لصالح "إسرائيل"، الكفاح المسلح وحده لن يهزم "إسرائيل"، ولن يجبرها على الانسحاب من الأراضي المحتلة.

إن النشاط العسكري للتنظيمات الفلسطينية في ظل الظروف الحالية هو على الأكثر مصدر إزعاج لـ"إسرائيل"، لكنه لا يجبرها على الانهيار.

خلقت المستوطنات والجيش والاستخبارات والتنسيق الأمني ​​ظروفاً مواتية لـ"إسرائيل" للدفاع عن نفسها بشكل أكثر فعالية، وفاقمت الصعوبات أمام المنظمات التي تدعم الكفاح المسلح.

عيب آخر ملحوظ للنشاط العسكري للتنظيمات، يكمن في حقيقة أنه أضر بقدرة الحركات الاحتجاجية الإسرائيلية ضد الاحتلال، على التأثير في الجمهور الإسرائيلي.

هناك عدد غير قليل من الإجراءات التي تسبب التطرف تجاه اليمين المتطرف، يجب ألا نقلل من أهمية هذه الجبهة وأن نتعامل مع المجتمع الإسرائيلي كقطعة واحدة.

من حيث المبدأ، لا ينبغي الطعن في حق أي أمة محتلة في الانخراط في صراع مسلح ضد المحتل (في نظر "إسرائيل"، إنها ليست قوة محتلة)، لا يدور السؤال حول شرعية الكفاح المسلح، ولكنه مسألة تكلفة مقابل منفعة، وبصيرة مقابل غموض.

لا ينبغي الاستخفاف بالإنجازات الفكرية للمقاومة المسلحة من غزة، ومع ذلك، يجب الاعتراف بأنها لم تتمكن حتى الآن من رفع الحصار الجائر المفروض عليها، والأكثر من ذلك، أنها لم تُترجم إلى إنجازات سياسية للشعب الفلسطيني بأسره، إذا كان المقصود منها تمجيد اسم هذه المنظمة أو تلك.

حتى أفعال الجماعات المسلحة أو الأفراد الذين في جنين ونابلس وأماكن أخرى في الضفة الغربية، لا يوجد شيء لإحداث تغيير كبير فيهم.

يجب اختراع أشكال النضال وتصميمها بحيث تسمح لغالبية الجمهور بالمشاركة بنشاط فيها، كانت الانتفاضة الأولى معلما هاما غير مسبوق في التاريخ الفلسطيني، يجب تعلم دروسها وتطبيقها في الظروف الجديدة الناتجة هذا اليوم.

إن ضمان وجود الظروف المناسبة التي ستساعد السكان على تحمل صراع قد يستمر لعقود، هو أكثر أهمية بلا حدود من آلاف الصواريخ والعمليات العسكرية الفردية.

وهذا يتطلب قيادة قادرة على رؤية المستقبل وسلطة تكون قدوة للناس، لذلك، فإن التغيير في هيكلية السلطة أثناء محاربة انكشاف الفساد هو شرط ضروري للنجاح.

فيما يتعلق بالعلاقة مع "إسرائيل" وسلطات الاحتلال، فإن الحقيقة التي يجب إخبارها للجمهور الفلسطيني هي أن الاتفاق السياسي مع "إسرائيل"، ليس على جدول الأعمال في الإطار الزمني المنظور، إن وجد.

قد يستمر الجمود السياسي لفترة طويلة، وسيتخذ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أشكالاً مختلفة ومتغيرة تبعاً للظروف القائمة.

يجب عدم تضليل الجمهور، اتفاقيات أوسلو من الماضي، وطريق المفاوضات الذي سلكه أبو مازن لم يسفر عن شيء.

اليمين الإسرائيلي المتطرف يقلب العجلة إلى الوراء، وبدلاً من التسوية على أساس إقليمي، يكتسح الصراع إلى صراع وجودي، وهذا هو سبب طرح السؤال المهم الذي يتم اشتقاق العديد من الأسئلة الجانبية منه، كيف يمكن خوض النضال ضد "إسرائيل" التي تمتلك معظم الأوراق، ولديها القدرة على خنق السلطة الفلسطينية وإلحاق أضرار جسيمة بنسيج حياة الجمهور الفلسطيني بالكامل، وليس بالضرورة من خلال الوسائل العسكرية العنيفة.

العلاقة بين الاحتلال والمحتل لم تتغير مع توقيع اتفاقيات أوسلو وإقامة السلطة الفلسطينية، تسيطر "إسرائيل" على حياة الفلسطينيين في جميع المجالات، بدءًا من تسجيل كل طفل فلسطيني مولود في سجل السكان، وانتهاءً بمعيشتهم اليومية، لا تستطيع السلطة الفلسطينية توفير الاحتياجات الأساسية للسكان، دون موافقة وإذن من "إسرائيل".

ومن المفارقات، أن الكثيرين داخل الجمهور الفلسطيني يتساءلون ويقارنون، بين الوضع الذي كان قائما قبل إنشاء السلطة الفلسطينية، عندما كان من الممكن الاقتراب مباشرة من مكاتب الحكومة العسكرية الإسرائيلية لتلقي خدمات معينة، والوضع الذي فيه يجب استخدام خدمات "الوسيط" الفلسطيني، في هذه الحالة مكاتب السلطة الفلسطينية.



فكيف إذن أن يتم إدارة النضال ضد "إسرائيل" وهي تسيطر على كل مجالات حياة الفلسطينيين؟

الجواب البسيط على هذا السؤال هو أنه طالما أن "إسرائيل" تمارس احتلالًا، ولا تدفع ثمن محاولة فرض إرادتها على شعب آخر، فإن الوضع سيستمر في التدهور، رغم معاناة الشعب الفلسطيني ستكون "إسرائيل" الخاسر الحقيقي، لأن استبدال الدولة الفلسطينية في حدود 1967 هو دولة واحدة.

إن دور السلطة الفلسطينية دور مركزي وحاسم في رسم استراتيجية تهدف إلى إفشال سياسات الاحتلال، يجب أن تعتمد مثل هذه الاستراتيجية على قوى كل طبقات الشعب وتجذبهم للمشاركة في هذه الحملة المصيرية.

إذا كانت السلطة ترغب في الحفاظ على صورتها كسلطة وطنية وقيادة مثل هذا النضال بنجاح، فيجب عليها كما ذكرنا إجراء فحص للمنزل وتصحيح طرقها.

لن تكون بنادق قوات الأمن هي التي ستحسم المعركة لصالح الفلسطينيين، بل إن المشاركة الجماهيرية على أوسع نطاق ممكن في أنشطة متنوعة، تجعل حياة المستوطنين في الضفة الغربية لا تطاق، وتضع جيش الاحتلال أمام مهام مستحيلة.

يجب أن يكون مسار الصراع تقدميًا وتدريجيًا، إن خطوة مثل إعادة الأسلحة التي في حوزة الأجهزة الأمنية لـ"إسرائيل" ووقف التنسيق الأمني، ​​ستكون خطوة فتح ذكية لهذا النشاط.

يجب على السلطة الفلسطينية وجميع السكان الفلسطينيين أن يفهموا، أنه سيُطلب منهم دفع ثمن باهظ في هذا الصراع الذي قد يستمر لسنوات عديدة.

ستستخدم سلطات الاحتلال كل الوسائل وستمارس ضغوطا شديدة لإفشال هذه المقاومة الشعبية، ولن يكون أمام الشعب الفلسطيني خيار سوى الوقوف بحزم من أجل الانتصار.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023