مخاطر الأزمة السياسية على الوضع الأمني داخل الكيان الصهيوني
20-2-2023
تأسست الدولة الكيان الصهيوني على أنقاض الشعب الفلسطيني بعد عملية تطهير عرقي حَوَّلت أصحاب الأرض الأصليين إلى شهداء ولاجئين وضيوفٍ على أرضهم لمن تبقى منهم عبر نظامٍ للفصل العنصري أعطى الأولوية دوماً لليهود واعتبر الفلسطيني عائق أمني أمام تطور المجتمع اليهودي وازدهاره، وقد شاركت كل أجهزة السلطة التشريعية والتنفيذية والأمنية والقضائية في تثبيت أركان هذا النظام العنصري، وكانت المحكمة العليا فيه من أهم أدواته في قمع الفلسطينيين في كل أماكن تواجدهم، ولكن وبسبب عدم وجود دستور لهذه الدولة يكون مرجعيتها ومصدر تشريعها اعتُبرت المحكمة العليا هي الأهم في خلق التوازن بين السلطات الثلاثة خاصة بكل ما يخص الشأن اليهود الداخلي رغم ما طال هذه المحكمة من انتقادات؛ بسبب ما اعتُبر تميزاً ضد بعض الفئات اليهودية من شرقيين ومتدينين وخاصة الحريديم منهم والذين يعتبرون أن الوقت قد حان لهدم هذه المحكمة على رأس قضائها، والانتقام لسنوات خلت من الظلم والعنصرية والتمييز.
وهنا يأتي السؤال الأهم ما الذي يعنيه هدم المنظومة القضائية وخاصة المحكمة العليا وذهاب الحصن الذي كان يأوي إليه المتخاصمون وما هي المخاطر المترتبة على انتصار فئة على أُخرى، وفي ذلك يقول رئيس المجلس الأمن القومي الأسبق والذي كان رئيس وحدة حماية الشخصيات في جهاز الشاباك [إيتان بن دافيد] "أنا أرى الأمر كيف أن طرفاً من أطراف الشعب يرى نفسه عاجزاً ويرافق ذلك حملة تحريضية كبيرة تماماً كما كانت الأجواء قبيل مقتل رئيس الحكومة الأسبق إسحاق رابين، إننا قد نكون أمام تهديد حقيقي لحياة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وكذلك حياة وزير العدل أو رئيسة المحكمة العليا والمستشار القضائي للحكومة، وإنَّ الاغتيال السياسي أمرٌ يقلقني جداً وهو جزء من الأزمة الحالية وجزء من فقدان المناعة الاجتماعية في إسرائيل"
وأمَّا الأخطر في هذا المشهد الصهيوني هو وضع الجيش فيه فطالما حرصت القيادة السياسية والعسكرية على النأي بالجيش عن النزاع السياسي وإبقاءه جيش الشعب وبوتقة الصهر الذي تجمع الكل اليهودي بشكل خاصٍ واستثنائي ولكنّ الأزمة الحالية باتت تهدد وحدة الجيش وتماسكه ويقول رئيس سابقٌ في المجلس الأمن القومي[غيورا آيلند] "الجيش كجسم يجمع بات مهدداً بالتمزيق قد يتأخر ذلك على صعيد الجيش النظامي ،أما على صعيد الجيش الاحتياطي فإن الأمر يحدث الآن وأنا أقول هذا بعد حديثي مع ضابط داخل الجيش"، إن هذا التخوف لدى [آيلند] ليس أمراً ثانوياً بل هو في صلب الجيش والمؤسسة العسكرية لأن جيش الاحتياط هو غالبية الجيش الإسرائيلي ،وهو منقذ الدولة وقت الأزمات ،فما الذي يحدث إن رفض هؤلاء الخدمة .
أما الخطر الثالث الذي يتهدد الكيان الصهيوني ومؤسسته العسكرية يكمن في مقاضاة جنوده وضباطه أمام المحاكم الدولية على ما ارتكبوه من جرائم بحق الشعب الفلسطيني، فقد كانت ولا زالت المنظومة القضائية وفي القلب منها المحكمة العليا هي المظلة الحامية لهؤلاء الجنود وقادتهم وهزيمة هذه المحكمة وضرب مصداقيتها أمام المجتمع الدولي يجعل هؤلاء معرضين للمتابعة و الملاحقة والمحاسبة، وفي هذا يقول رئيس المجلس الأمن القومي السابق[أيال حولاتا] "نحن نتكئ على استقلالية النظام القضائي فهي التي تحمي جنودنا أمام المحاكم والمؤسسات الدولية خاصة عندما يُثَار التساؤل عن شرعية ما يقوم به جيش من أفعال" وهنا تجدر الإشارة أنَّ الغالبية الساحقة من القضايا التي كانت ترفع أمام القضاء الغربي كان مصيرها الإغلاق بحجة وجود قضاء صهيوني نزيه يحقق ويحاسب.
أمَّا الخطر الرابع يتمثل بكسر واحدة من أهم ركائز النظرية الأمنية الإسرائيلية وهي ركيزة الردع حيث يستخدم الجيش الصهيوني مبدأ العنف والعنف الشديد لأجل خلق حالةٍ من الردع تجاه الخصوم ولكن حالة النزاع المستمر داخل الكيان تجعل من الرد عملية متآكلة باستمرار ويؤكد على ذلك رئيس مجلس الأمن القومي الأسبق [عوزي ديَّان] :"أن المجتمع الذي يتنازع داخلياً لا يمكنه أن يشكّل أي ردع للعدو الخارجي" .
إنَّ حالة الاستقطاب داخل المجتمع الصهيوني قد يتم التخفيف منها أو حتى تجاوزها عبر تسويات سياسية بين أطراف الأزمة إلا أنَّ ما جرى ويجري داخل الكيان يؤشر على احتداد في الاستقطاب داخل المجتمع و أزمات مستقبلية قد يصعب تجاوزها.
الكاتب الأسير
مهند شريم