إلغاء مناقشة الأمم المتحدة حول المستوطنات لا يقضي على التهديد فوق رأس إسرائيل

هآرتس

تسيفي بارئيل


إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة عن إلغاء المناقشة في مجلس الأمن الدولي اليوم (الإثنين) حول القرار المقترح بشأن المستوطنات، لا يقضي على "التهديد" الذي يحيط برأس "إسرائيل".

وطبقاً للصياغة الأصلية، يدعو الاقتراح "إسرائيل" إلى "الوقف الكامل والفوري لجميع الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة"، ويذكر أن إقامة المستوطنات ليس لها أي شرعية قانونية على الإطلاق، بما يتعارض مع القانون الدولي.

وأعلنت أبو ظبي -أمس- أنها ستحاول التوصل إلى "صيغة أخرى يمكن قبولها بالإجماع"، وتشير هذه الصياغة بشكل أساسي إلى الفخ الذي وقعت فيه الإدارة الأمريكية، عندما تلتزم من ناحية بمواقفها الرسمية -التي لا تتعارض مع صياغة الاقتراح- ومن ناحية أخرى لا تزال لا تريد أن تؤدي إلى خلاف مفتوح مع الحكومة الإسرائيلية.

على عكس التقليد الطويل للقرارات التي تعتبر في تل أبيب أنها "معادية لإسرائيل" ويتم إلقاؤها في سلة المهملات بفضل الفيتو الأمريكي المتوقع، هذه المرة الولايات المتحدة شريك كامل في الانتقاد ضد "إسرائيل"، وهي تفضل الصياغة التي ستسمح لها "فقط" بالامتناع، وليس ذلك الذي سيجبرها على استخدام حق النقض.

كانت آخر مرة تجنبت فيها واشنطن استخدام حق النقض ضد قرار يتعلق بالمستوطنات في كانون الأول (ديسمبر) 2016، في خطوة دراماتيكية -أدت إلى كسر نظام العلاقات مع الحكومة الأمريكية- قرر الرئيس باراك أوباما الامتناع عن التصويت، وأوضحت سفيرته لدى الأمم المتحدة سامانثا باور أنه "من المستحيل دعم المستوطنات وحل الدولتين في نفس الوقت".

لم نستخدم حق النقض ضد القرار؛ لأنه يعكس الحقائق على الأرض، ويتماشى مع السياسة الأمريكية، "كان من الممكن أن تكون هذه الصياغة مناسبة للقرار الحالي المقترح أيضًا".

إذا قررت واشنطن الامتناع عن التصويت على الاقتراح الجديد الذي سيتم تقديمه، فيمكن العثور على تفسيرات قرارها في الانتقادات الشديدة التي وجهها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، وفي التغريدة التي نشرها وفقًا لها في حديثه مع وعبر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مرة أخرى عن "معارضة الإدارة لخطوات أحادية الجانب تؤدي إلى تصعيد" من جانب "إسرائيل"، تتفهم واشنطن جيداً صعوبة تبني سياسة "كلاهما" مرة أخرى: انتقاد "إسرائيل" وإعفائها من قرار دولي يتماشى مع مواقف الرئيس الأمريكي جو بايدن، لكن الضغط العربي على واشنطن لا يقوم فقط على القرار الإسرائيلي الأحادي الجانب بتوسيع المستوطنات وانعكاساته على مستقبل عملية السلام.

أجرت دول عربية، وعلى رأسها: الإمارات العربية المتحدة، ومصر، والأردن، في الأسابيع الأخيرة سلسلة من المحادثات مع بايدن وكبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية، تنقل فيها رسالة واحدة مشتركة: "إسرائيل" تعرض الوضع الراهن للخطر، وتهدد بإحداث اندلاع عنيف بسبب عملياتها العسكرية في الضفة الغربية، والاستفزاز في الحرم القدسي، وانتهاك ظروف سجن الأسرى الأمنيين، وقبل كل شيء، ما يبدو أنه افتقار نتنياهو إلى السيطرة على الوزراء المتطرفين في حكومته".

ونشرت صحيفة العربي الجديد التي تتخذ من لندن مقرا لها ،مؤخراً، أن مصر محبطة بشكل رئيسي بسبب عدم استجابة "إسرائيل" لجهودها لتحقيق الهدوء ومنع تفشي العنف.

وذكرت الصحيفة أنه بسبب عدم استجابة الشخصيات السياسية في تل أبيب، تفضل مصر العمل من خلال القنوات العسكرية في "إسرائيل" التي تشاركها مخاوفها.

قبل نحو عشرة أيام التقى رئيس الأركان، هرتسي هاليفي، بنظيره المصري أسامة عسكر في البحرين، في إطار تجمع لقادة الجيش بهدف دراسة التغيرات الاستراتيجية في المنطقة.

وحذر رئيس الأركان المصري، بحسب التقرير، هاليفي من "اندلاع الحرب على عدة جبهات، إذا لم يسيطر (هاليفي) على الوضع ولم يضغط على الحكومة لوقف التصعيد".

وبحسب مصادر إسرائيلية، تجري محادثات مماثلة بين كبار مسؤولي المخابرات والجيش المصريين ونظرائهم في "إسرائيل".

في اليوم الذي التقى فيه هليفي بعسكر في البحرين، وصل وفد من حماس برئاسة إسماعيل هنية وبمشاركة نائبه صالح العاروري وخالد مشعل وخليل الحية إلى مصر للقاء رئيس المخابرات المصرية عباس كامل؛ لمحاولة صياغة اتفاقات في حال اندلاع أعمال عنف في الضفة الغربية والقدس.

وطالبت مصر قادة حماس بالامتناع عن التصعيد الذي قد يعني إطلاق صواريخ على "إسرائيل" والاكتفاء بالرد فقط في حالة وقوع هجوم مباشر على غزة.

وأوضح قادة حماس لمصر أن الانصياع لهذا الطلب يعني "فصل الجبهات"، وفصل ما يجري في الضفة والقدس وغزة، وهم لا يستطيعون الموافقة على ذلك.

وردت مصر، التي أبلغت "إسرائيل" بنتائج الاجتماع، بالقول إن "الهدوء سيقابل بالهدوء"، وهو ما لا يرضي حماس.

وأعربت شخصيات مصرية رفيعة المستوى عن تخوفها من أنه في ضوء الموقف الإسرائيلي، وعلى خلفية تعيين بتسلئيل سموتريتش وزيراً للإدارة المدنية، قد تنتهك "إسرائيل" الاتفاقات التي تم التوصل إليها في الماضي مع حماس، مما ينسف قدرة مصر على القيام بالتوسط بين الأطراف في حالة حدوث نزاع، وفي الوقت نفسه، لن تتمكن حماس من إجبار الجهاد الإسلامي على كبح رد فعلها.

وحاولت مصر من جهتها تليين موقف حماس من خلال تقديم مزايا مدنية إضافية، ومساعدات موسعة في إعادة إعمار غزة، وتوسيع التجارة والمرور في معبر رفح.

وقبل الاجتماع بقادة حماس، التقى عباس كمال على انفراد بوفد من حركة الجهاد الإسلامي برئاسة الأمين العام زياد النخالة، وبحسب التقارير التي خرجت من الاجتماع، يبدو أنه لم يتم التوصل إلى اتفاقات بين الطرفين.

وأوضح النخالة أن منظمته التي تتعرض لهجوم القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية لن تكون قادرة على الوقوف "مكبلة الأيدي" في وجه الأذى الذي يلحق بعناصرها.

بينما تدير مصر "ملف غزة" وتتوسط مع حماس والجهاد، منحت الإمارات العربية المتحدة رعايتها للسلطة الفلسطينية، وتحاول الاستفادة من علاقاتها الوثيقة مع "إسرائيل" لوقف تدهور الوضع في الضفة الغربية والقدس.

واضطر حاكم البلاد محمد بن زايد، الذي روج لاتفاقات إبراهيم في إنجازه الكبير في منع ضم الضفة الغربية، حيث اضطر مرتين إلى تمثيل السلطة الفلسطينية على الساحة الدولية، وخاصة في الأمم المتحدة.

كانت الإمارات العربية المتحدة هي التي بادرت باجتماع مجلس الأمن بعد اقتحام بن غفير للحرم القدسي، التي حذرت "إسرائيل" لفترة طويلة -سراً ثم علناً​​- من التدهور في الضفة الغربية، وهي الآن هي التي بادرت كما تم مناقشة موضوع المستوطنات في مجلس الأمن، وقرروا تأجيلها، ليس المطلوب من دولة الإمارات فقط الالتفاف حول الواقع السياسي الجديد في "إسرائيل".

وقال مصدر أردني رفيع لـ "هآرتس" إنه حتى بعد التزام نتنياهو للملك عبد الله بأن الوضع الراهن في الأماكن المقدسة لن يتغير، يقدر الأردن أن نتنياهو لن يكون قادراً على تحمل ضغط الوزراء من اليمين المتطرف.

وبحسب قوله، فإن "التفاهمات بين عبد الله ونتنياهو خلقت وضعاً لا يطاق، حيث يمكن للملك أن يتحدث فقط مع رئيس وزراء "إسرائيل" حول الأماكن المقدسة، ويبدو أنه لا يتدخل فيما يحدث في الضفة الغربية، رغم توتر الأوضاع في الضفة الغربية، حتى بدون المسجد الأقصى، يمكن أن يعرض استقرار المملكة للخطر".

والنتيجة هي أنه في كل مرة يريد الأردن أن ينقل تحذيراته ومخاوفه، فإنه يفعل ذلك من خلال واشنطن -حيث يتلقى كتفًا دافئًا- وليس مباشرة أمام "إسرائيل"، كما كان الحال في الماضي.

على خلفية التوتر في العلاقات بين "إسرائيل" ومصر والأردن والإمارات بخصوص القضية الفلسطينية، فإن الانتظار الفوري لقرار الأمم المتحدة في النسخة المخففة، لكنها أيضًا، إذا تم تحقيقها، قد تثير ردًا إسرائيليًا يتجاوز القناع المعتاد للإدانات، وتشمل المزيد من المخاطر على غرار التصريح المتغطرس لعميحاي شيكلي، الذي اقترح على السفير الأمريكي ألا يدخل أنفه في الشؤون الداخلية لـ"إسرائيل".

لكن هذه المرة، أصبحت الشؤون الداخلية لـ"إسرائيل" من الشؤون الداخلية للدول العربية التي وقعت اتفاقيات سلام مع "إسرائيل"، والتي تلتزم بها الولايات المتحدة.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023