معهد القدس للاستراتيجية والأمن
اللواء (متقاعد) د. عيران ليرمان نائب رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن.
ترجمة حضارات
مصاعب الاقتصاد المصري - لمحة سريعة
انعكست الصعوبات الأساسية التي واجهها الاقتصاد المصري في بداية عام 2023 في الانهيار السريع لسعر صرف الجنيه المصري، والذي وصل لأول مرة إلى مستوى 30 جنيه مقابل الدولار (مقارنة بـ 25 جنيه للدولار خلال شهر ديسمبر وأقل من 20 في أكتوبر).
السبب الرئيسي للأزمة هو نقص النقد الأجنبي، من بين أمور أخرى بسبب الزيادة الحادة في أسعار القمح والمنتجات الأساسية الأخرى التي تضررت إمداداتها نتيجة للحرب في أوكرانيا؛ ومن ناحية أخرى، استمرار الأضرار التي لحقت بدخل الدولة في السنوات الأخيرة، خاصة في السياحة، في ظل وباء كورونا، والحوادث الـ"إرهابية"، والتوجهات الأوسع في الاقتصاد العالمي.
الإيرادات القياسية من رسوم مستخدمي قناة السويس -التي كان توسعها أحد أكثر المشاريع الفاخرة إثارة للإعجاب في عهد السيسي- عوضت جزئياً فقط عن هذه الصعوبات.
ويعزى انخفاض سعر صرف الجنيه أيضاً إلى سياسة النظام، والتي تنبع من الالتزامات التي تعهد بها في إطار الاتفاقية مع صندوق النقد الدولي التي تمت الموافقة عليها في ديسمبر 2022.
وبموجبها، ستكون مصر قادرة على الحصول في السنوات الثلاث المقبلة على قروض بنحو 3 مليارات دولار بموجب ترتيب EFF (تسهيل الصندوق الممدد) عدة مئات من الملايين كل بضعة أشهر، رهنا بامتثال مصر لشروط الصندوق، والتي سوف يتم تدقيقها مرتين في السنة.
تشمل هذه الشروط، من بين أمور أخرى، حركة العملة، وسياسة نقدية تقييدية تهدف إلى كبح التضخم، وتخفيضات الميزانية لتحسين نسبة الدين إلى المنتج (التي تبلغ حالياً حوالي 88%) وبناء محركات نمو يقودها القطاع الخاص.
ومن بين الإجراءات الفورية التي يمكن إثباتها للنظام، إعلان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي (9 كانون الثاني) أنه بحلول نهاية سنة الموازنة (حزيران)، ستُفرض قيود صارمة على الإنفاق الحكومي بالعملة الأجنبية، سيتم فرض قيود صارمة على الإنفاق الحكومي بالعملة الأجنبية، بما في ذلك السفر إلى الخارج وشراء المعدات في معظم الوزارات الحكومية، باستثناء وزارات الدفاع والخارجية والداخلية والصحة.
أي عمل غير عادي يتطلب موافقة المستوى السياسي، وبطبيعة الحال لم تنقذ هذه القيود مصر من ورطتها، لكنها قصدت أن تكون رسالة -رسوم الجدية- تجاه الصندوق وتجاه الجمهور المصري.
في هذه المرحلة، لا توجد دلائل على أن إجراءات الحكومة -المصحوبة بإيماءات تجاه الأقسام الأضعف، وخاصة توزيع المواد الغذائية الأساسية مثل الخبز العربي- تثير الاضطرابات السياسية، ولكن إذا استمر التدهور الاقتصادي، فمن الصعب التنبؤ عندما تأتي نقطة التحول.
"إسرائيل"، بطبيعة الحال، لها مصلحة استراتيجية في منع التطورات التي قد تزعزع استقرار الدولة الأهم على حدودنا.
اتجاهات إيجابية في الأفق
تتجسد مجموعة أخرى من الإجراءات المنبثقة عن مطالب صندوق النقد الدولي -الملتزم باستمرار بتعزيز السوق الحرة- في قرارات الحكومة المصرية بخصخصة الأصول المملوكة للدولة، وتحديداً المملوكة للجيش.
ولأول مرة، فإن إمكانية الانفتاح على قطاعي الاستثمار والمنافسة التي كان يسيطر عليها النظام العسكري لسنوات ويشكلان نحو ثلث الاقتصاد المصري على جدول الأعمال.
بالإضافة إلى عائدات الخصخصة، فإن هذا يهدف أيضاً إلى تصحيح التشوهات الهيكلية التي ابتليت بالاقتصاد المصري لبعض الوقت، ويهدف صندوق النقد الدولي إلى جلب استثمارات خاصة بقيمة 14 مليار دولار.
يوجد شعاع آخر من الضوء -إلى جانب آفاق انتعاش السياحة في حقبة ما بعد كورونا وتلاشي خطر الـ"إرهاب"، حتى لو بدت تصريحات النظام بشأن القضاء عليه مفرطة في التفاؤل- في قطاع الطاقة، مع التركيز حول سلسلة اكتشافات الغاز في المياه الاقتصادية المصرية.
الإعلان (15 يناير 2023) عن اكتشاف الغاز في حقل النرجس قبالة السواحل المصرية، بالشراكة مع شركة ENI الإيطالية وشركة Chevron الأمريكية، ينضم إلى الإعلانات السابقة التي تفتح فرصة للتخفيف من مصاعب الاقتصاد المصري إذا تمت بالفعل تسوية العلاقات في شرق البحر الأبيض المتوسط بحيث يكون التعاون في مجال التصدير ممكناً.
لكن بيع الغاز لن يعطي إشاراته في الاقتصاد المصري وميزان المدفوعات إلا في غضون سنوات قليلة.
بماذا يمكن أن تساعد "إسرائيل"؟
كما ذكرنا، فإن استقرار النظام في مصر هو مصلحة إسرائيلية من الدرجة الأولى، ولو كان ذلك فقط بسبب البديل -انهيار حكومي لدولة يبلغ عدد سكانها 105 ملايين نسمة على حدودنا، وسيطرة الـ"إسلاميين المتطرفين" على سيناء بالكامل أو جزئياً ومصر نفسها- تهديد خطير لأمن الدولة.
علاوة على ذلك، فإن نظام السيسي -على الرغم من "الصيحات" من وقت لآخر- يتخذ خطاً إيجابياً جوهرياً تجاه تحركات التطبيع في الدول العربية، ويشارك في "منتدى النقب" (إلى جانب الولايات المتحدة و"إسرائيل" والإمارات والبحرين والمغرب) وبناءً على طلب "إسرائيل"، تعمل القنوات الاستخباراتية ضد حماس في غزة بما في ذلك قضية الأسرى والمفقودين.
على الرغم من أنه أجرى مؤخراً إطار عمل تشاورياً مع الأردن وقيادة السلطة الفلسطينية حول القضية الفلسطينية، وما زالت مواقف مصر تجاه "إسرائيل" في مؤسسات الأمم المتحدة معادية كما كانت، ولكن في جوانب أخرى من العلاقة، بما في ذلك الحرب على الـ"إرهاب"، فإن العلاقات هي: أقرب من أي وقت مضى.
وبحسب ادعاء النظام، الذي لم يتم إثباته بعد، فقد تم التوصل إلى قرار فعلي في محاربة "ولاية سيناء" التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، وذلك بفضل التعاون مع "إسرائيل" بشكل كبير.
ويرجع ذلك، في البعد الاقتصادي، إلى مناطق نفوذ "إسرائيل" محدودة للغاية:
1. توريد الغاز من الحقول الإسرائيلية، مما يسمح لمصر بتصدير الغاز الطبيعي المسال من المنشآت القائمة (التي تم إغلاقها وعدم استخدامها لفترة طويلة) على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
2. ترتيبات المناطق الصناعية المؤهلة، والتي تسمح بالصادرات المصرية إلى الولايات المتحدة بموجب شروط منطقة التجارة الحرة بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" طالما أن هناك نسبة معينة من المدخلات الإسرائيلية في المنتج.
علاوة على ذلك، يمكن لـ"إسرائيل" استخدام الأدوات الدبلوماسية المتاحة لها، سواء في إطار منتدى غاز شرق المتوسط، EMGF، وكذلك في "منتدى النقب" (الذي سيعقد على مستوى وزراء الخارجية في مارس، في المغرب) ومن خلال القنوات الثنائية للترويج لإيجاد حلول لمشاكل مصر:
1- الترتيب، بالتنسيق الوثيق مع اليونان، لمسألة ترسيم الحدود البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط، لا سيما إذا كان هناك بالفعل دليل على استعداد ليبيا للتفاوض على مسار خطوط المنطقة الاقتصادية الخالصة، وعدم الالتزام بمذكرة التفاهم وقعت مع تركيا في عام 2019.
2- تشجيع دول الخليج وعلى رأسها الإمارات (والمملكة العربية السعودية) على تحقيق الإمكانات التي يشير إليها صندوق النقد الدولي واستثمار مبالغ كبيرة في الاقتصاد المصري، في إطار تحركات الخصخصة البعيدة المدى التي يمليها السيسي والتي تشمل: المذكورة، وكذلك أصول الجيش.
3- النشاط مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية الرئيسية لتقديم الدعم السياسي (والائتمان المالي) لخطوات إنقاذ النظام.
هناك (وستكون) طرقًا للتأكد من أن النظام المصري يعترف بهذا النشاط الإسرائيلي، والذي على الرغم من أنه ينبع من اعتبارات استراتيجية وليس طوعيًا، إلا أنه يساهم أيضاً في إقامة علاقات متبادلة والالتزام المصري باتفاق السلام.