السيناريو الفلسطيني 1 "المؤسسة"

أحمد التلفيتي

أسير وكاتب


بقلم الأسير الكاتب:
أحمد التلفيتي


مثل الشعوب التي خاضت النضال ضد الاستعمار ونالت الحرية والاستقلال؛ خاض الفلسطينيون تجربتهم الخاصة المتواصلة حتى اللحظة، وشهدت التجربة الفلسطينية كغيرها كذلك مدًّا وجزراً وتحديات، غير أن التمايز في التجربة الفلسطينية تكوّن أساسًا من ثلاثة عوامل:

1.  طبيعة الاحتلال كونه احتلالاً إحلالياً استيطانيًا، هدف منذ البداية إلى إلغاء هوية فلسطين جغرافيًا وديموغرافيًا.

2.   التدخل الدولي منذ بدايات القرن العشرين في دعم وتشريع الاحتلال على خلاف باقي تجارب الأهم .

3. المسيرة الفلسطينية النضالية التي جمعت متناقضات باستمرار، فهي جسم دولة ولكن قلب ثورة، ومارست استقلال الإرادة وتبعية الحياة.

وإجمالاً فإن دراسة "السيناريو الفلسطيني" في النضال لتحقيق الحرية والاستقلال يضع الناقد أمام أربعة أركان رئيسية بُني عليها، وهي : المؤسسة، التثوير، المراكمة ، الحياد الفلسطيني ، وفي هذا الجزء سيتم التطرق بإيجاز للمؤسسة الفلسطينية.

ويقصد بالمؤسسة الفلسطينية الفاعلة، هي ذلك الكيان المنظم بناءً وعملاً والمعبّر عن الهوية الفلسطينية الخالصة والساعي إلى إنجاز المشروع الوطني الفلسطيني في التحرير وإقامة الدولة المستقلة، وإن هذه المؤسسة الشاملة لكل صفات العمل المؤسسي هي الأقدر على التخطيط وتحديد الأولويات وبناء الجبهات وحمايتها واستثمار إنجازاتها، وهي الأساس في تقدم الفلسطينيين نحو طموحهم بما تعنيه وتملكه من قدرات تعبوية  وتأطيرية  وتوجيهية، وهي الأجدر أن تقوم بكل أركان السيناريو الفلسطيني الذي لا بد له من مؤسسة فاعلة تتولى مهامه وتواجه تحدياته.

ومع الأسف، فقد افتقد الفلسطينيون على الدوام الركن الأهم في تجربتهم، ودفعوا ثمن ذلك تأخر تحررهم وضياع جهودهم و استمرار معاناتهم واستفحال وتثبت الاحتلال في أرضهم، وعبر استعراض سريع لحالة المؤسسة الفلسطينية نجد أنها:

1. لم تبن على أسس سليمة منذ فجر القضية: 
فتكونت بداية على أسس عشائرية ووجاهية أثرت في قراراتها وسياساتها، فلم تكن تجارب المؤتمر الوطني الفلسطيني بدوراته السبعة ولا اللجان القومية، ولا حتى الهيئة العربية العليا لاحقاً كفيلة بالتخلص من كل عراقيل توحيد الجهد والرؤية، ثم كانت النكبة وما تلاها من سنوات بحث عن الذات، وصولاً إلى تشكيل م.ت.ف برؤية عربية وفق مصالحها، حتى الولادة الثانية التي لم تصهر الكل الوطني في إطار الشرعية الفلسطينية المؤسسية الممثلة بالمنظمة، بل كانت في أحسن أحوالها إطارًا تنسيقيًا، ما أدى لدخول دوامات الصراع والقتال الداخلي والعربي، وفوت الفرصة من الاستفادة من الزخم النضالي ضد الاحتلال ، وصولاً إلى تشكيل السلطة وفق اتفاقية أوسلو التي لا تلبي الحد الأدنى من الطموح الفلسطيني لا في آليات تشكيلها ولا أهدافها وبرامج عملها.


2. رهن الرؤية الفلسطينية والإرادة الوطنية بأيدي غير الفلسطينيين:

 فالتحويل بدءًا كان على الانتداب ووعوده، ثم على أنظمة عربية موالية للاستعمار بامتياز، ثم على المجتمع الدولي في استجداء ما يمكن تحصيله بالتفاوض، ويرجع ذلك إلى الحوار البناء المؤسسي وعدم صفاء الولاء الوطني المجرد، وعمق التدخل في الشأن الفلسطيني عربيًا ودوليًا.

3. الأعباء على الثورة:
 من التزامات بقرارات قبل الحصول على الحقوق، وتوقيع اتفاقيات تكيل الإرادة المستقلة مثل أوسلو، وبناء كيانية موسعة قبل الحصول على أرض محررة ، واستخدام أسلوب معيشة يكمل الثوار حتى لا يخسروا منجزًا من اقتصاد أو بنى تحتية وغيرها.

4.  عدم التقدير الحقيقي لقدرات الشعب وتوجهاته: 
منذ أوائل الثورات الفلسطينية في يافا والنبي موسى وصولاً إلى البراق وثورة 1936، حيث كان الشعب دائماً سابقاً والمؤسسة بالكاد تلحق أو لا تتمكن من اللحاق.. ، هكذا فاجأ الشعب الفلسطيني قيادته على الدوام وصولاً إلى انتفاضة 1987 وانتفاضة 2000 وما بينهما، وما تلا ذلك من تضحيات بدء بها الشعب، ولم تحسن المؤسسة استلام الزمام أو استثمار الحالة.


5.  الانقسام:
 وهو داء المؤسسة الفلسطينية على الدوام، وحتى وإن عنونت المؤسسة تحت عنوان واحد، فإن الممارسة والواقع ليس كذلك، مما أوجد على الفلسطينيين دائماً مدخلاً للنفير.

وربّما يستطيع الكثير من الناقدين والمراقبين إيجاد النقاط الكاملة لتجربة الفلسطينيين مع المؤسسة الفاعلة التي تخصهم، وحتى تكتمل الصورة المنشودة فإن السمات الضروري توافرها بالحد الأدنى هي:-  

* الولاء الخالص للمشروع الوطني الفلسطيني.

* التخصصية الكاملة لأطر العمل المؤسسي، والتكاملية بين الأجنحة.

* النقد الدوري، وإيجاد الدائرة المستقلة الكفيلة بالمهنية والموضوعية في النقد.  

* تحديد الأولويات الوطنية والعمل وفقها.

* المظلة الثورية التي تؤدي دور الرقابة لا الوصاية، وتضم أحراراً من أصحاب التجربة النضالية عربية وعالمية.

في الختام، تبدو صورتان جليتان لإمكانية فلسطينية حقيقية في بناء عمل مؤسسي نضالي فاعل في مشروعه، وهما: الغرقة المشتركة للأجنحة العسكرية في قطاع غزة، والتي جاوزت عشر أعوام في تشكيلها، وتستحق التقدير من حيث تخصصها وآلیات عملها ومستقبلها، ولجنة الأسرى الوطنية التي تقود النضال المشترك للأسرى ضد السجان وسياساته، بشكل وحدوي تنسيقي يستحق التقدير، ويلزم تصميم القواعد العامة لهاتين التجربتين على كافة مفاصل النضال الفلسطيني، كما يلزم إيجاد المظلة السياسية المناسبة لتغطية الجهتين وضمان الاستمرارية والتقدم في العطاء.

هذا المقال  واحد من خمسة مقالات تلخص دراسة تحت الإعداد للكاتب  حول السيناريو الفلسطيني  (تجربة النضال حتى الحرية والاستقلال)



جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023