معهد بحوث الأمن القومي
البروفيسور كوبي ميخائيل
في 26 شباط، عقد لقاء إسرائيلي فلسطيني في العقبة بالأردن بوساطة أميركية ـ مصرية ـ أردنية، وهناك من اختار وصفها بالقمة.
بدأ الاجتماع من قبل الأمريكيين والمصريين والأردنيين عندما اعترفت "إسرائيل" والفلسطينيون، الذين يدركون خطورة التصعيد الأمني وتفاقمه مع حلول شهر رمضان، بالمبادرة وربما شجعوها واختاروا تنفيذها رغم الضغوط الداخلية على كل جانب.
جاء الفلسطينيون إلى الاجتماع بقائمة طويلة من المطالب، إلى جانب المطالب بوقف نشاط الجيش الإسرائيلي في المنطقة (أ) وقتل الفلسطينيين، أو إلغاء اقتطاع المدفوعات للأسرى والشهداء وعائلاتهم من أموال الضرائب، كانت هناك أيضًا مطالب تاريخية المطالب التي ليس لها صلة واضحة بالوضع الحالي.
على سبيل المثال، المطالبة بالإفراج عن الأسرى الذين تم اعتقالهم قبل عملية أوسلو، ووقف إلحاق الضرر بالمؤسسات الفلسطينية في القدس وإغلاقها، والموافقة على تصويت الفلسطينيين المقيمين في شرقي القدس في الانتخابات المزمع إجراؤها، ووقف مصادرة الأراضي الفلسطينية والكنوز الطبيعية، وأكثر من ذلك.
يمكن تفسير القائمة الطويلة للمطالب على أنها تحرك فلسطيني لإعداد ذريعة مسبقًا، ولا تشير إلى رغبة حقيقية في الانخراط في الجهود الضرورية والموجهة لوقف التصعيد.
من جهتها، طالبت "إسرائيل" السلطة الفلسطينية باستعادة السيطرة الأمنية الفعالة في المناطق الواقعة تحت مسؤوليتها، مع التركيز على شمال الضفة الغربية، وتعزيز الأجهزة الأمنية، وتجديد التنسيق الأمني، لكن ليس من الواضح ما إذا كانت التزمت بواجبها بالتحرك بشكل مستقل في ضوء خطر وقوع عملية ونقص القدرة أو الإجراءات الفلسطينية لإحباط التهديد.
إذا حدث هذا بالفعل فهو خطأ جسيم يسهل على جميع الأطراف تحميل "إسرائيل" مسؤولية فشل القمة.
الأمريكيون هم من دفعوا لعقد اجتماع القمة بمساعدة المصريين والأردنيين، الذين يخشون بشدة من تصعيد قد يتصاعد ويؤدي إلى اندلاع أعمال عنف على نطاق واسع من شأنه زعزعة استقرار المنطقة.
كان الهدف هو تجديد التنسيق الأمني وتشكيل اتفاقيات بشأن تحركات التهدئة من جانب "إسرائيل" (تجميد البناء في المستوطنات وتقليل النشاط في المنطقة أ) والاتفاق الفلسطيني على تعزيز الأجهزة الأمنية وجهود لتحقيق المسؤوليات الأمنية في المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية.
الهجوم بالقرب من حوارة والذي قتل فيه مستوطنان، لم يؤدِ إلى إلغاء القمة أو تعليق المحادثات، ولا الانتقادات اللاذعة التي وجهتها حماس والجهاد الإسلامي إلى السلطة الفلسطينية، وكذلك من قبل عناصر من الفصائل الفلسطينية التابعة لحركة فتح.
بعض الموضوعات الهامة كانت مفقودة من مناقشات القمة، حيث تم كتم صوت المشاركين فيما يتعلق بضرورة وقف التحريض من قبل السلطة الفلسطينية، بما في ذلك في الكتب المدرسية والمناهج الدراسية، ووقف المدفوعات المالية للأسرى في السجون الأمنية في "إسرائيل" ولأسرهم.
والأكثر خطورة وإثارة للقلق هو تجاهل عجز شرعية السلطة الفلسطينية في نظر الجمهور الفلسطيني وسوء أدائها ككيان حاكم.
لم يُبدِ المشاركون في القمة رأيهم، على الأقل هذا ما تظهره التقارير حول القمة، حول عدم أهمية السلطة الفلسطينية في نظر غالبية الجمهور الفلسطيني والصعوبة التي سيتعين عليها التغلب عليها عندما يتعلق الأمر تطبيق القانون والنظام وممارسة مسؤوليتها الأمنية.
ويبدو أن النقاشات في القمة جرت بمعزل عن الواقع في الساحة الفلسطينية وعن موقف السلطة المحفوف بالمخاطر في ظل الديناميكيات التي تطورت وخرجت عن سيطرتها.
دوائر العمليات آخذة في الاتساع، والوعي بالكفاح المسلح متجذر بعمق بين جيل الشباب في مناطق السلطة الفلسطينية، وفقدت بالفعل سيطرتها الفعلية في معظم المناطق.
ومن الصعب افتراض الفعالية الفلسطينية الفورية، ونظراً لديناميكيات التصعيد، التي تغذيها أيضًا ردود الفعل القاسية للمستوطنين الإسرائيليين على خلفية الهجوم الأخير والتصعيد الأمني، لا بد من افتراض استمرار التنظيمات الفلسطينية بالعمليات.
إن "إسرائيل" لن تكون قادرة على الوقوف موقف المتفرج وانتظار السلطة الفلسطينية لبناء القدرة على إحباط تلك المنظمات وهذا العمليات، وبالتالي ستضطر للتدخل والعمل لإحباط العمليات.
أي خطوة إسرائيلية من هذا القبيل ستُعتبر ذريعة أو مبررًا للسلطة الفلسطينية، التي تُظهر على أي حال ضعفًا وظيفيًا وتخضع لانتقادات علنية شديدة، لتنسحب من التزاماتها.
من المحتمل أن المسؤولية في نهاية اليوم ستقع على عاتق "إسرائيل" وستجد الأطراف نفسها في دوامة حادة نحو صراع أوسع وأكثر عنفًا، وبعد ذلك ستكون هناك أيضًا فرصة متزايدة للانهيار الفعلي للسلطة الفلسطينية.
الافتراض بأن السلطة الفلسطينية فاشلة وفاسدة ومحرّضة، تفتقر إلى الشرعية العامة وتتلاشى في ظلال التاريخ، يمكن أن تصبح ذات صلة وفعالة في وقت قصير عندما يتعلق الأمر بملاحقة المقاومة المدفوعة بقوة وعي النضال الذي استحوذ بالفعل على قلوب جيل الشباب، وتؤدي إلى احتكاكات عنيفة وخطيرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مثل الرد على العملية بالقرب من حوارة التي حدثت في 26 فبراير، لا يقوم على أسس متينة بما فيه الكفاية.
لذلك لا بد من الافتراض أن ملخصات القمة، بما في ذلك التسويات التي توافق عليها "إسرائيل"، لن تترجم إلى عمل فلسطيني فاعل يؤدي إلى الهدوء.
التحدي الاستراتيجي الذي يواجه "إسرائيل" اليوم هو أنه بعد الصراع الواسع والجهود الاستراتيجية يجب أن تركز على إيجاد بدائل أكثر ملاءمة لسلطة فلسطينية مستقرة وعاملة كشريك مسؤول في عملية التسوية.