رد ياسر عرفات على مؤتمر العقبة

أسامة سعد

مستشار قانوني

بقلم المستشار/ 
أسامة سعد


كانت معركة الكرامة التي وقعت بين قوات الثـورة الفلسطينية والجيش الصـهيوني بمنزلة عهد جديد للثـورة الفلسطينية، إذ امتدت وانتشرت في كل أماكن وجود الشعب الفلسطيني، خاصة في المخيمات الفلسطينية التي تمركزت في البلدان العربية كسوريا والأردن ولبنان، وأمام هذا الزخم الثوري الهائل، بدأت الثـورة الفلسطينية باتخاذ إجراءات لتنظيم عمل الكفاح المسلح بما يستوعب هذا التطور الذي كان أبرز ملامحه إقبال الشباب الفلسطيني على الانضمام لقوات الثـورة الفلسطينية أو ما كان يعرف وقتها بالكفاح المسلح.

كانت لبنان كدولة عربية حدودية من أكثر الدول التي استوعبت اللاجئين الفلسطينيين الذين تمركزوا في حوالي ستة عشر مخيما للاجئين الامر الذي شكل عبئا ثقيلا على لبنان ليس من الناحية الاقتصادية فقط ولكن من حيث  معادلة التوازن الطائفي، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أدى  تكريس وتكثيف الوجود الفلسطيني المسلح على الأرض اللبنانية إلى شعور الدولة اللبنانية بنوع من فقدان السيطرة الأمنية على أراضيها حيث ظهر تحرك قوات الثـورة الفلسطينية على الأرض كأنه منازعة من قوات الثـورة للجيش اللبناني في العمل على أرضه؛ الأمر الذي دفع قوات الجيش والشرطة اللبنانية إلى اتخاذ بعض الإجراءات ضد قوات الثـورة الفلسطينية في شمال لبنان لإحكام سيطرة الجيش والشرطة الأمنية على المنطقة، لم يكن في وارد حسابات قيادة الثـورة الفلسطينية أن تسلم بهذه الإجراءات، فانطلقت قوات الثـورة الفلسطينية لتسيطر على قواعد الجيش ومخافر الشرطة في المنطقة التي جرى فيها تحرش الجيش اللبناني بقوات الثـورة الفلسطينية؛ الأمر الذي استدعى تدخل الرئيس جمال عبد الناصر في حينه وتوقيع ما عرف باتفاقية القاهرة في 3 نوفمبر 1969م، التي نظمت الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان بما يضمن حرية العمل لقوات الثـورة الفلسطينية على الأرض اللبنانية وحرية انتماء أبناء الشعب الفلسطيني لقوات الثـورة الفلسطينية، وقد وقّع الاتفاق ياسر عرفات رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والعماد إميل البستاني قائد الجيش اللبناني.

ما سبق كان رد ياسر عرفات على كل محاولة للنيل من العمل الثوري الفدائي الفلسطيني عندما كانت الثـورة الفلسطينية والكفاح المسلح هما السبيل الوحيد في عقيدة منظمة التحرير لتحرير الأرض الفلسطينية، ولذلك لم يكن يقبل في ذلك الوقت مجرد فكرة المس بالكفاح المسلح حتى من قبل المستضيف لقوات الثـورة واللاجئين الفلسطينيين، وهي الدولة اللبنانية من خلال الجيش اللبناني أو أجهزة الأمن اللبنانية، رغم أن الأرض هي أرض لبنانية والسيادة عليها سيادة لبنانية ورغم أن الوجود الفلسطيني المسلح على الأراضي اللبنانية كان له تبعات خطِرة على لبنان كدولة، أقلها تكرار قصف الطائرات الصـهـيونية للأراضي اللبنانية والمناطق والمواقع الحيوية في لبنان.

في مؤتمر العقبة يجتمع من يدّعون أنهم يحملون إرث ياسر عرفات مع العــدو الصـهـيوني ليتفقوا على القضاء على الثـورة المسلحة التي تنتشر في مدن وقرى الضفة الغربية برعاية وإشراف أمريكي، رغم أن الأرض التي تجري عليها الـمـقــاومة هي أرض فلسطينية محتلة، والشعب الـمـrاوم هو الشعب الفلسطيني والمحتل هو العـدو الصـهـيوني الذي يرتكب يومياً مجازر ضد أبناء الشعب الفلسطيني، التي كان آخرها مجزرة نابلس.

المفارقة بين اليوم والبارحة أن قيادة منظمة التحرير بالأمس لم تقبل أن تتدخل الدولة اللبنانية أو تمس بأي حال من الأحوال بالثـورة الفلسطينية والكفاح المسلح، رغم أنها مستضافة على الأرض اللبنانية وتخضع للسيادة اللبنانية، وفي سبيل حماية الثـورة الفلسطينية أصدرت قيادة منظمة التحرير قرارًا لقوات الثـورة الفلسطينية باقتحام مواقع الجيش والشرطة اللبنانية في المنطقة  التي جرى فيها التحرش بقوات الثـورة الفلسطينية، وقد أسفر عن هذا التحرك السيطرة على عدد من مواقع الجيش اللبناني ومخافر الشرطة اللبنانية واعتقال عناصر الشرطة والجيش الموجودين في تلك المواقع، ومصادرة أسلحتهم لصالح قوات الثـورة الفلسطينية، وبلا شك فقد شكل هذا التحرك إهانة شديدة للدولة والجيش والشرطة اللبنانية، ورغم ذلك وُقِّعت الحكومة اللبنانية اتفاقية تحمي الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان.  

اليوم نفس القيادة لنفس المنظمة مع اختلاف الأسماء وبعد مرور الزمن، توقع اتفاقية للقضاء على قوات الثـورة الفلسطينية في الضفة الغربية، وبمنطق الثـورة الفلسطينية في عام 1969 كان الرد هو الاستيلاء على مواقع الجيش والشرطة التي حاولت أن تمس الثـورة الفلسطينية وإجبار الحكومة اللبنانية على توقيع اتفاقية تحمي الثـورة والكفاح المسلح، فهل تتخذ الثـورة المسلحة في الضفة الغربية اليوم ذات القرار الذي اتخذه ياسر عرفات عام 1969م؟



جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023