يسرائيل هيوم
البرفسور إيال سيزر
ترجمة حضارات
تبين أن الأخبار المتعلقة بوفاة اتفاقية أوسلو سابقة لأوانها، فبعد كل شيء، تستثمر "إسرائيل" جهود إنعاش متعددة لإبقاء السلطة الفلسطينية على قيد الحياة، لكن الأمر رمزي بينما ينهار مبنى أوسلو أمام أعيننا، علمنا بوفاة أبو علاء، أحد مهندسيه، قبل نحو أسبوع في رام الله.
على مدى العقدين الماضيين، شغل أبو علاء منصب رئيس المجلس التشريعي ورئيس وزراء السلطة الفلسطينية، وشارك في جميع الاتصالات التي أجراها الفلسطينيون مع "إسرائيل" على مر السنين، وعلى أي حال كان مشاركًا في الاتفاقيات التي وقعها الطرفان، وفي مقدمتها اتفاقيات أوسلو.
أبو علاء -هو أحمد قريع من مواليد أبو ديس عام 1937- التحق بصفوف منظمة التحرير الفلسطينية عام 1968، عندما انتقلت المنظمة إلى لبنان وأقامت هناك "دولة داخل الدولة"، كانت بمثابة قاعدة للنشاط ضد "إسرائيل"، كان الجالب والمصدر والرجل المالي للمنظمة، وهكذا أصبح قريبًا من ياسر عرفات ومن المقربين منه، وانتُخب فيما بعد لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية.
في أوائل التسعينيات، أرسله عرفات للمشاركة في المحادثات السرية مع "إسرائيل" التي أدت إلى اتفاقات أوسلو.
وقد وصفه محاوروه الإسرائيليون بأنه براغماتي ومرن، ولكن وفقًا لشهادته الخاصة، فإن الاعتدال الظاهر الذي أظهره كان يهدف إلى ضمان التحقيق الكامل للأهداف الوطنية الفلسطينية، دون التخلي عنها.
بعد كل شيء، تلقى تعليمه حول نظرية المراحل -أو "طريقة سلامي"- والتي بموجبها لكل مرحلة في الصراع مع "إسرائيل" تفردها وخصائصها، وبالتالي من الممكن في مرحلة أو أخرى الموافقة على التنازلات، بشرط ألا يعني ذلك التنازل عن الهدف النهائي للفلسطينيين، حتى لو كان مطلوباً من حين لآخر أن يكون متواضعاً.
ارتبط أبو علاء بعملية أوسلو واستثمر فيها أيضًا، وبعد ذلك تمكن خصومه من القول إن هذا الاستثمار أتى بثماره. وبالفعل اتضح أن شركة الإسمنت التي يملكها باعت مواد بناء كانت تستخدم لبناء حي هار حوما في القدس.
حكاية أبو علاء إذن هي حكاية الحركة الوطنية الفلسطينية، ولهذا السبب فإن موته نهاية حقبة.
صحيح أن أبو علاء لم يكن من "الخمسة السريين"، تلك المجموعة الصغيرة التي أرست أسس تأسيس فتح عام 1959، وكان من بينهم ياسر عرفات، وأبو جهاد، وأبو إياد، وخالد الحسن، وفاروق قدومي، الذين فيما بعد رئيس منظمة التحرير الفلسطينية. ولكن بعد أن تم اغتيال معظمهم أو وفاته، فقد أصبح مع أبو مازن أحد قادة التنظيم البارزين.
كانت هذه القيادة التاريخية هي التي رفعت معجزة النضال في "إسرائيل"، وبعد أن فشلت؛ اتجهت إلى طريق التفاوض، الذي أوصلها إلى أوسلو، ومن هناك عادت إلى الضفة الغربية، لكن اتفاق أوسلو انهار، ومعه يأمل الفلسطينيون أن تصبح نقطة انطلاق لتحقيق أهدافهم الوطنية. ألقى أبو علاء باللوم على "إسرائيل" في الفشل، وتجنب تحمل أي مسؤولية على نفسه وأصدقائه.
في رأيه، كانت حرب الأيام الستة هي التي خلقت الصدع الذي وجد الفلسطينيون أنفسهم فيه اليوم، وقد فضل بالطبع تجاهل جذور الصراع والنضال الفلسطيني الطويل الأمد ضد دولة "إسرائيل" حتى داخل حدود ما قبل يونيو 1967، وفي الواقع لم يتم تأسيسها بعد.
الآن لم يبق أحد من القيادة التاريخية للفلسطينيين، باستثناء أبو مازن البالغ من العمر 88 عاما. نظرة على المجموعة التي تحيط بـ "الرئيس" اليوم تكشف عن الفراغ والعار، بعد كل شيء، ليس لديها تماسك، لا رؤية ولا مسار، لا شجاعة ولا كاريزما.
ترمز وفاة أبو علاء إلى نهاية الجيل التأسيسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبالطبع اقتراب نهاية عهد أوسلو، لكن يبدو أنها تُعلِّم أيضًا عن نهاية عصر الأحلام والأوهام، وفي الحقيقة أيضًا حول تراجع الحركة الوطنية الفلسطينية.
وكانت بداية هذه الحركة كفاحاً عنيفاً ولكن غير مجدٍ لخلايا مقاومة بدون قيادة وتنظيم، وعندما تنظر إلى الواقع اليومي في غزة والضفة الغربية، يبدو أن الفلسطينيين يعودون إلى نقطة البداية.