هآرتس
تسفي بارئيل
ترجمة حضارات
تشير التخمينات في "إسرائيل" حول نوايا حسن نصر الله، مرة أخرى إلى أنه من الممكن معرفة مكان وضع صواريخه، وأي قافلة إيرانية ستجلب له الذخيرة وأي "قيادي" في التنظيم سافر إلى أين، لكنه يبقي استراتيجيته قريبة من صدره.
هل يريد إشعال الحدود مع "إسرائيل"؟ هل هو المسؤول عن إطلاق "الإرهابي" الذي جلب العبوة إلى مفرق مجدو؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما الذي أراد إثباته أو تحقيقه؟ وليس أقل من ذلك هل تعرف "إسرائيل" ما تريد؟ حرب شاملة مع لبنان؟ قصف قاعدة أم اغتيال "قيادي"؟ هل تستطيع في ظل الظروف السياسية الحالية اتخاذ مثل هذا القرار الاستراتيجي دون اعتباره محاولة لإفشال الاحتجاج؟ كمناورة لتحدي جنود الاحتياط والطيارين؟
يتضح فجأة أن الرد التلقائي الإسرائيلي القصف بالصواريخ، قد يفقد صحته بسبب اعتبارات سياسية، حقيقية أو متخيلة، ترافقه وتحدد مرونة حيز احتوائه. هذه المساحة مقسمة إلى قطاعات الضفة الغربية وغزة ولبنان، وأمام كل منها لدى "إسرائيل" قواعد معينة للعبة.
في غزة، تم تحقيق توازن رادع يعتمد على الرد العسكري السريع على أي صاروخ أو إطلاق صواريخ، إلى جانب تخفيف الحصار، وفتح معبر رفح، وتأهيل القوة السياسية لحماس بمساعدة منح من قطر والاعتراف الفعلي بحكمها. هذا التوازن يتطلب الاستخدام المستمر للخدمات الجيدة في مصر، وهذه تجبي مرونة إسرائيلية أكثر في مقابلها.
عامل التوازن في الضفة الغربية هو الإدارة في واشنطن، تجد الأردن ومصر والسعودية والإمارات، صعوبة في التأثير على السلطة الفلسطينية المنهارة، ناهيك عن المنظمات هنا أو هناك و "الإرهاب" الفردي، أو نشاط المنظمات ذات المؤسسات مثل حماس أو الجهاد الإسلامي. هم الذين يمليون طبيعة العلاقة بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية ويحولونها إلى علاقة هي بالأساس حوار عسكري، يتقلص فيها مجال الاحتواء، خاصة بسبب تركيبة الحكومة وطموحاتها القومية.
أمام لبنان شبكة العلاقات أكثر تعقيدًا، فرضيات العمل الإستراتيجي تلزم "إسرائيل" بمراعاة الدول والمصالح الداخلية والخارجية، التي تؤثر على سلوك حزب الله في الداخل وفي مواجهة "إسرائيل"، لبنان دولة مفلسة، يعيش معظم مواطنيها تحت خط الفقر أو فوقه بقليل، والخدمات العامة، كالكهرباء والتعليم والصحة، هي مصطلحات نظرية، والحكومة عمليا ما هي إلا البناء الذي تجلس فيه. يبدو أن هذا الوصف ينطبق أيضًا على السودان أو اليمن أو ليبيا، ولكن لحسن الحظ بالنسبة للبنان، فإن له وضعًا مختلفًا. مجموعة دول مثل فرنسا والولايات المتحدة والسعودية وقطر وطبعا إيران لا تريدها أن تنهار وتعمل على إنقاذها.
ومن الأمثلة على ذلك قضية تعيين الرئيس، التي ما فتئت تتأخر منذ تشرين الأول (أكتوبر) بعد انتهاء ولاية ميشيل عون، والتقى مستشار حاكم المملكة العربية السعودية ونائب وزير خارجية فرنسا يوم الجمعة الماضي لمناقشة صيغة إنهاء القضية وتعيين رئيس جديد في لبنان، وسبق الاجتماع اجتماع دول السعودية ومصر وقطر وفرنسا والولايات المتحدة، المزمع عقده هذا الأسبوع لدفع الخطوة التي تعتمد عليها قدرة لبنان، على تلقي مساعدات اقتصادية دولية حيوية، لا يوجد اتفاق بعد.
تقدم فرنسا صفقة مقايضة: سيكون الرئيس سليمان فرنجية، الذي يسعى حزب الله لتعيينه، وفي المقابل سيعين نواف سلام رئيساً للوزراء بدلاً من نجيب ميقاتي، فيما تعارض السعودية تعيين فرنجيه بسبب دعمه لحزب الله.
ومع ذلك، تمت إضافة ورقة مساومة جديدة إلى هذه المجموعة مؤخرًا، السعودية وإيران على وشك تجديد علاقاتهما الدبلوماسية، ولبنان من القضايا الرئيسية التي ستغذي العلاقات بينهما، تعارض السعودية صيغة فرنسا ومرشح حزب الله للرئاسة، وسيتعين على إيران أن تقرر ما هو الأهم بالنسبة لها، رئاسة مفضلة في لبنان، أم صداقة مع السعودية، وسارعت إيران في الحديث عن أنها قررت بموجب الاتفاقات المبرمة مع السعودية وقف إمداد الحوثيين بالسلاح في اليمن، هل سيؤثر ذلك على موقف السعودية من مسألة الرئاسة في لبنان؟.
في الوقت نفسه، أعلنت شركة "توتال" الفرنسية عن طرح مناقصة دولية للتنقيب عن الغاز في حقل قانا للغاز، تم تسليمها إلى اللبنانيين بموافقة "إسرائيل" وفق اتفاقية الغاز الشاملة مع لبنان، إذا تم العثور على الغاز، ستكون شركة الكهرباء اللبنانية قادرة على الاستفادة منه في غضون سنتين إلى ثلاث سنوات، وستستفيد منه الحكومة اللبنانية التي ينتمي إليها حزب الله، الولايات المتحدة مستعدة للمساهمة بدورها في إنقاذ لبنان، والسماح أخيرًا لمصر والأردن ببيعه الغاز والكهرباء التي ستمر عبر سوريا، على الرغم من العقوبات الأمريكية الشديدة المفروضة على دمشق.
في ظل هذه الظروف، عندما يكون حزب الله على وشك تشكيل حكومة كما يشاء في لبنان، بموافقة معظم الدول المشاركة في الفوضى اللبناني، من الصعب أن تجد أي مصلحة للتنظيم في شن حرب مع "إسرائيل".
كما هو الحال مع لبنان، وكذلك مع الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن "إسرائيل" ملزمة بإعادة النظر في استراتيجيتها التقسيم المريح إلى الجبهات، والذي لا تعتمد فيه سياسة الرد على غزة على الرد على لبنان أو على التنظيمات في الضفة الغربية، يسمح لـ"إسرائيل" بإدارة حروبها وفق ترتيب الأولويات "الإقليمي".