هل فقد الأسرى الثقة بنا؟

أسامة سعد

مستشار قانوني


بقلم المستشار/ 
أسامة سعد


أتفق تماماً مع المفكر العربي محمد المختار الشنقيطي حينما يتحدث عن طريقتنا نحن العرب في توظيف المصطلحات لتغييب حقائق واقعة، فنصف أسرانا مثلا بالأسود الرابضة خلف القضبان، وبمعنى آخر كأنه  يقول أننا نحاول تغطية عجزنا في تحرير أسرانا حينما نصفهم بالأسود الرابضة خلف القضبان، وكذلك لا أظن الأسرى يرضون منا أن نستمر بإطلاق الأوصاف العظيمة والمدائح البليغة بحقهم أو مساندتهم بوقفة لا تتجاوز النصف ساعة وإلقاء بعض الكلمات الحماسية أو الثورية بديلاً عن السعي الجاد والحق لإنهاء معاناتهم وكسر قيودهم وإنهاء أسرهم الذي طال أمده وأصبح السكوت عليه عاراً يجلل كل قيادات الشعب الفلسطيني التي رضيت بأن يمارس شخص مثل ابن غفير نزواته الفاشية الجبانة بحق الأسرى،.  

وربما لم يعد لحمرة الخجل سبيلاً إلى وجوهنا ونحن نصمت على عملية الإذلال التي يتعرض لها من نصفهم دوماً بالأبطال الذين قدموا زهرة أعمارهم من أجل حريتنا وكرامتنا.  

وكيف يمكن أن نُرضي ضمائرنا بأن الأسير الذي سنصمت على بقائه في السجن طوال حياته مطلوب منه أن يصبر علاوة على قهر المكوث في السجن أن يصبر على قلة الزاد وسوئه وتوقيت دخوله للحمام وتقصير مدة الزيارة لذويه أو فترة لما يعرف بالفورة وباقي تفاصيل الحياة الاعتقالية المريرة أصلًا.

لا شك أن ابن غفير يجد في ممارساته المريضة بحق الأسرى شغفاً ومتعة ويشبع رغبة الانتقام لديه في زيادة جرعة القهر التي يسقيها للأسرى، فنصمت نحن أو ننشغل بأمور نقنع أنفسنا أنها أهم، ولقد قلّت حيلتنا، فلم يعد همنا تحرير الأسرى أو على الأقل رفع الظلم الذي يمارسه ابن غفير ضدهم، فتتلفت عيون الأسرى حائرة عساها تجد بقايا من نخوة تمنع الظلم عنها فلا نجد من يهتم، فيلجؤون إلى وسيلتهم التي لا حيلة لهم سواها، وهي الإضراب عن الطعام حتى الموت أو تحقيق مطالبهم.

الإضراب عن الطعام من قبل الأسرى أيها الشعب الفلسطيني هو رسالة عجزكم وتقاعسكم وتجاهلكم لأسود بلادكم، فلا تلجئوهم لها، لأنها تعبر عن فقدان الثقة بكم، الأسرى الذين قدموا حياتهم على مذابح الحرية قدموا كل ما يمكن لإنسان أن يقدمه في لحظة سمو إنساني لا تضاهيها ولا ترتقي إليها كل الأعمال والأقوال دون تحريرهم التي نحاول إرضاء ضمائرنا بها.  

الأسير الذي يقبع خلف القضبان صاحب حق ولا يستجدي النصرة، ومن ظن أنه بوقفه احتجاجية أو لقاء تلفزيوني أو ورشة في فندق أنيق أدى الذي عليه للأسرى فهو لم يوفِّ الأسرى حق ساعة من سجن أو أقل.  

لم أستغرب أن تخوض المقاومة خمس حروب  ضد الاحتلال كانت إحداها لأجل قضية الاسرى وهي ما أطلق عليها العدو عملية سيف جلعاد التي بادر العدو لشنها على شعبنا للضغط على المقاومة لإطلاق سراح الجندي الصهيوني الأسير جلعاد شاليط، الذي لم ير النور إلا بعد ان رآه الف وخمسمائة أسير في صفقة وفاء الاحرار، ولقد كرست تلك العملية والتي سبقتها عام 1985 حقيقة أن هذا العدو لا يفهم في قضية الأسرى إلا لغة القوة  

إضراب الأسرى عن الطعام هو رسالة فقدان ثقة في الساسة كرستها سنوات الأسر الطويلة التي تجاوزت الأربعين عاماً لبعضهم، ويا ليت الأمر انتهى عند عداد السنين الذي لا يتوقف عن نهب أعمارهم، بل لقد أصبحت اليوم المعركة ليست معركة تحريرهم، ولكن معركة تحسين معيشتهم في السجن! فأين عقديتنا الإسلامية وأين مآثرنا العربية، بل أين قيمنا الإنسانية؟!

نيلسون مانديلا قضى في سجن نظام الفصل العنصري 27 عاماً كانت كفيلة بتفكيك ذلك النظام البائد وتحويل مانديلا أيقونة عالمية للحرية، ونائل البرغوثي تجاوز في سجنه أربعين عاماً لا أظن أن زعيماً عربياً أو مسلماً يعرف اسمه لو سأل عنه.  

فما الفرق بينهما؟ وهل يا ترى كان شعب جنوب إفريقيا والقيادة الإفريقية أكثر عزماً وأشد مضاءً وأكثر حكمة في العمل من أجل قضيتهم؟ فليجب من يملك الإجابة.





جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023