منتدى التفكير الإقليمي
غازي أبو جياب
الخطاب العام للجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة بشأن اليوم التالي لأبو مازن متحفظ إلى حد ما، والأشياء تقال في همسات غير الدعاية الحزبية، وخاصة من قبل فتح وحماس.
إن التعامل مع هذا السؤال في مختلف وسائل الإعلام الفلسطينية مفقود؛ إما بسبب الرقابة الذاتية، أو بسبب القيود التي تفرضها السلطات في رام الله وغزة.
من ناحية أخرى، على الجانب الإسرائيلي، تُظهر المعاهد البحثية ووسائل الإعلام والمستويات السياسية والأمنية ذات الصلة اهتمامًا كبيرًا بهذا الموضوع.
من المؤكد أن تحقيق هذا السيناريو أو غيره سيؤثر على طبيعة العلاقة المستقبلية بين "إسرائيل" والفلسطينيين.
نشر معهد دراسات الأمن القومي (INSS)، في سبتمبر 2022، وثيقة شاملة كتبها أودي ديكال ونوعا شوسترمان بمساعدة خبراء في العلاقات بين "إسرائيل" والفلسطينيين الذين يعملون في المعهد.
الوثيقة خصصت لبحث أوضاع السلطة الفلسطينية، والسيناريوهات المحتملة لليوم التالي لأبو مازن، حيث قدم المؤلفون ستة سيناريوهات محتملة لهذا اليوم.
لقد رسموا صورة مفصلة للعواقب المحتملة، وأوصوا بالرد المناسب على أي سيناريو سيتبع وفقًا لمصالح "إسرائيل" الأمنية والسياسية من وجهة نظرهم بالطبع.
يُحسب للمؤلفين هنا أنهم بذلوا الكثير من الجهد في تجميع هذه الوثيقة، معتمدين على الكثير من المعلومات التي بحوزتهم بحكم المناصب التي شغلوها في الماضي، ومن خبراتهم الشخصية المتراكمة أكثر من ذلك، سنوات عديدة كانوا فيها على اتصال مباشر مع السكان الفلسطينيين_سواء كانوا أفرادًا لهم صفة رسمية في السلطة الفلسطينية أو أشخاصًا عاديين.
في الوثيقة المذكورة، فحص المؤلفون ستة سيناريوهات محتملة:
1. سوف يقوم عباس بتهيئة وتعيين خلف متفق عليه ليمسك مناصبه الثلاثة.
2. سيكون هناك انقسام بين المناصب الثلاثة -رئاسة السلطة الفلسطينية، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس حركة فتح- بين شخصيات مختلفة، وسيتم تشكيل قيادة جماعية.
3. إجراء انتخابات لرئاسة السلطة الفلسطينية.
4. لن يكون هناك اتفاق بشأن خليفة أبو مازن أو من يخلفه، وسيتم خوض صراعات طويلة الأمد بين المتنافسين على القيادة.
5. ستحاول حماس استغلال الفرصة للسيطرة على السلطة الفلسطينية والاندماج في منظمة التحرير الفلسطينية والاستيلاء عليها في المستقبل.
6. سينجر النظام الفلسطيني إلى الفوضى وعدم الاستقرار والخلل الوظيفي، الأمر الذي سيؤدي إلى تفكك السلطة الفلسطينية وظهور العناصر المعادية لـ"إسرائيل".
من وجهة نظر موضوعية، جميع السيناريوهات المذكورة أعلاه ممكنة بدرجة أو أخرى من الاحتمال، ومع ذلك، فقد اختار المؤلفون -لأسباب لا تزال معهم- عدم تضمين تقييمهم سيناريو آخر لا يقع من حيث جدواه ومعقولية من بين السيناريوهات الأخرى المذكورة -أي تشكيل موقف من شأنه أن يسمح تداخل معين بين مصلحة "إسرائيل" الأمنية- السياسية والشهية الحكومية لحماس، التي تسعى إلى توسيع سيطرتها من غزة إلى الضفة الغربية.
قد يكون هذا السيناريو هو الأسوأ بالنسبة لـ"إسرائيل" إذا سادت فوضى كبيرة في الضفة الغربية ولم تجد "إسرائيل" الأدوات المناسبة للحفاظ على النظام في المنطقة، مثل هذا السيناريو ليس خياليًا بالنظر إلى هذه الحقائق:
أ) صحيح أن العلاقات العدائية المفتوحة والمريرة تسود بين حماس و"إسرائيل"، لكنها لن تهدد لقاء المصالح بين الجانبين، ولن تتوقف هذه العملية بسبب قضايا مبدئية تمت تسويتها عندما أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية و"إسرائيل" الاعتراف المتبادل وقت توقيع اتفاقيات أوسلو وإنشاء السلطة الفلسطينية، وبمعنى آخر، يمكن لمثل هذا الاجتماع أن يرتكز على استمرار مسيرة أوسلو بشكل جديد، هذا هو، نفس السيدة مع تغيير الثوب.
ب) سيعتبر الوضع الجديد تصعيدًا في العلاقة بين حماس و"إسرائيل" مقارنة بما هو قائم حاليًا بين حماس وغزة و"إسرائيل" عندما يستمر كل طرف في الادعاء بأنه يتمسك بمواقفه المبدئية، وسيستمر الجمود السياسي لفترة طويلة من الزمن، فما لم يتحقق خلال حكومتي باراك وأولمرت عندما كانت القضايا والمعتدلين من الجانب الفلسطيني ينتمون للتيار الوطني، لن يتحقق في ظل حكومة يمينية واضحة بقيادة نتنياهو ضد كيان إسلامي في شكل حركة حماس؛ لذلك، ستستمر اللعبة رهناً بواقع الأمر الواقع الذي نشأ بعد أوسلو، حماس التي ستجلس تحت السلطة لن تكون مطالبة بالاعتراف بـ"إسرائيل"، والأخيرة لن تجري مفاوضات سياسية مع حماس.
ج) على الرغم من وجهات النظر المعروفة لأحزاب الائتلاف، فإن الحكومة الإسرائيلية الحالية لن تكون قادرة على تغيير الوضع الراهن بشكل كبير والذهاب إلى أبعد من تنفيذ سياسة تشكل تحديًا كبيرًا للفلسطينيين؛ لأن هذا قد يثير ردود فعل غير مرغوب فيها لـ"إسرائيل" إقليمياً ودولياً، وستلحق ضرراً جسيماً بمصالح "إسرائيل".
من المعروف على نطاق واسع أنه في محاولات نتنياهو لتشكيل الحكومة في الماضي، كان هو الذي مهد الطريق لدمج منصور عباس في الائتلاف على الرغم من الاختلافات الأيديولوجية الجوهرية.
إذن، ما العجب من قيام حكومة يمينية في "إسرائيل" بتسويق نوع من الصفقة مع حماس التي تنتمي إلى نفس التيار؟
د) وبحسب واضعي الوثيقة، فإن تفكك السلطة الفلسطينية، الذي سيصاحبها فوضى، يمكن أن يقدم لـ"إسرائيل" بديلين: دولة واحدة، أو سيطرة حكومة عسكرية في الضفة الغربية.
سترفض الحكومة الحالية أو أي حكومة أخرى بشكل قاطع خيار الدولة الواحدة، في حين أن سيطرة حكومة عسكرية في الضفة الغربية لن تكون خيارًا مرغوبًا فيه؛ لأنها ستفرض مرة أخرى على "إسرائيل" عبء إدارة حياة السكان الفلسطينيين، وسيجعل الوضع أسوأ، لذلك، فإن إيجاد شريك قادر على تحمل هذا العبء، وهذا هو الخيار المفضل لدى "إسرائيل".
هـ) لن يقاتل قادة السلطة الفلسطينية والمسؤولون عن الأجهزة الأمنية حتى آخر قطرة من دمائهم للحفاظ على هيمنتهم، وما حدث في قطاع غزة عام 2007 عندما استولت حماس على غزة وطردت السلطة من هناك قد يعيد نفسه في الضفة الغربية خاصة إذا تم سيطرة حماس على السلطة بموافقة ضمنية من "إسرائيل".
و) إغراء أخذ السلطة الفلسطينية مكانها في الضفة الغربية، وفتح أبواب العديد من دول العالم أمام حماس والاعتراف بها كهيئة تمثيلية للشعب الفلسطيني سوف تلقي بظلالها على الخط المتشدد للجهاد، من الممكن أن تستجيب حتى لمطالب "إسرائيل" بوقف نشاط المقاومة من غزة والعمل على كبح جماح الجماعات العاملة في الضفة الغربية.
علاوة على ذلك، يتوافق هذا السيناريو مع رؤية حماس لهدنة طويلة الأمد، كما صرح بعض قادتها سابقًا، لا حدود لبراغماتية الإخوان المسلمين.
من المغرب عبر تونس إلى منصور عباس، هناك العديد من الأمثلة التي توضح استعداد الإخوان المسلمين للتحلي بالمرونة والتكيف مع الظروف المتغيرة، فكلام الإخوان المسلمين وخطبهم عن الإسلام وقيمه لم يترك نومًا في عيون الحكومة في "إسرائيل".
ستكون حماس والإخوان المسلمين قادرين على تبرير أفعالهم من خلال إصدار الفتاوى (أحكام الشريعة الإسلامية).
ز) تغيير العنوان من السلطة الفلسطينية في قيادة فتح والتيار الوطني إلى السلطة تحت قيادة حماس سيحافظ على الخيار الأردني، وهو الخيار المفضل في نظر "إسرائيل".
العاهل الأردني لن يسقط من مقعده إذا تولت حماس السلطة في رام الله، فقد تمكن الأردن لعقود من احتواء الإخوان المسلمين، وتقليم أجنحتهم حتى لا يشكلوا أي خطر على استقرار المملكة، وما تمكنت الأردن من القيام به على الجانب الآخر من شرقي النهر، ستكون قادرة على القيام به على الجانب الآخر أيضًا.
دول مثل تركيا وقطر، حليفتا حماس، لن تقف على الحياد لكنها ستندمج في هذه العملية بطريقة أو بأخرى.
وأخيراً، ستزداد فرص تحقيق هذا السيناريو مع فقدان التيار الوطني بقيادة منظمة فتح للسيطرة، الأمر الذي سيؤدي إلى انهيار السلطة وخلق فراغ في الحكم؛ لذلك ستجد "إسرائيل" نفسها في هذه المعضلة المعقدة دون مجال كبير للمناورة.