رمضان موسم التصادم الإسرائيلي الفلسطيني

يخيم شبح الأحداث التي شهدها المسجد الأقصى في رمضان 2021، وما لحقه من تصعيد تطور إلى حرب ألقيت ظلالها على غزة، توازيا مع ما شهدته أراضي فلسطين المحتلة وتحديدا مدينة اللد فيما عرف بهبة الكرامة، فينظر إلى شهر رمضان بنظرة ترقب وارتياب وحذر محليا وإقليميا ودوليا.

استنفار وخوف من القادم

تعيش دولة الاحتلال حالة استنفار غير مسبوقة؛ بسبب تتصاعد التحذيرات والتنبيهات إلى خطورة ما يمكن أن يحدث من تصعيد على مستوى الأماكن المقدسة في القدس وعلى رأسها المسجد الأقصى، في شهر رمضان المبارك، بالتزامن مع اشتعال الضفة الغربية، وإطلاق الصواريخ من غزة، قد تصل إلى دخول الساحة الشمالية في التصعيد.

وتستعد المنظومة الأمنية في ظل التهديدات الكبيرة بالرد المماثل والقوي على الهجمات الإسرائيلية -مع دخول شهر رمضان، وزيادة عمليات الجيش، وإسالة الدماء، والهجمات الوحشية، ضد الفلسطينيين العزل- بقوات معززة، ستتمركز القوات النظامية الأكثر مهارة في الضفة الغربية، وفي الشرطة يستعدون لسيناريو مواجهات متعددة الساحات، وفي حرس الحدود سوف يحشدون 4 سرايا احتياطية.


خلافات وتجاذبات حادة

وصلت الخلافات الحادة والتجاذبات العلنية بين القادة الإسرائيليين إلى حد التراشق الإعلامي، وكيل الاهتمام العلنية بين القادة الإسرائيليين والأجهزة الأمنية؛ خاصة بعد تولي الوزير الأكثر تطرفاً في حكومة نتنياهو بن غفير ومحاولته الذهاب بعيداً نحو التضييق على الفلسطينيين، وإشعال فتيل الأزمة المتفجر، والذي يأتي تزامناً مع شهر رمضان المبارك وعيد الفصح العبري، ومحاولات المستوطنين المتكررة لذبح القرابين في المسجد الأقصى، حسب الشريعة اليهودية.

في هذا العام ترى الجماعات المتطرفة الإسرائيلية أن حالة الضعف التي تعيشها حكومة نتنياهو، والاحتجاجات الداخلية والمظاهرات الممتدة في كل المدن "الإسرائيلية" على ما يسمى بالإصلاحات القضائية، الفرصة الذهبية لتنفيذ رؤيتهم وتنفيذ مخططاتهم في المسجد الأقصى المبارك، حيث حذر الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ من أن الخلاف المريرة حول الإصلاحات القانونية خطيرة على البلاد، ويمكن أن تكون لها تداعيات دبلوماسية واقتصادية واجتماعية وأمنية خطيرة.


جهود عربية ودولية لاحتواء الأوضاع

عربياً ودولياً تستمر الجهود في محاولة احتواء الوضع المتفجر ونزع فتيل الأزمة؛ حتى لا تنزلق الأمور في شهر رمضان المبارك، حيث استضافت مدينة شرم الشيخ المصرية، اجتماعاً خلال الأيام الماضية، ضمّ إسرائيل والسلطة الفلسطينية والأردن ومصر بضغوط أميركية، لبحث الأوضاع في الأراضي الفلسطينية قبل رمضان، بحسب ما أكّدت هيئة البث الإسرائيلية "كان11".

وترأس رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي الوفد الإسرائيلي، الذي ضم أيضًا رئيس الشاباك رونين بار، ورئيس القسم السياسي والأمني في وزارة الدفاع درور شالوم، المستشار القانوني في وزارة الخارجية تال بيكر ومنسق عمليات الحكومة في المناطق غسان عليان.

وجاء الاجتماع الأمني استمرارًا لاجتماع العقبة الذي عقد في 26 شباط/ فبراير الماضي، وأفضى إلى قرارات تتعلق بالامتناع عن المصادقة على المزيد من المخططات الاستيطانية خلال الأشهر المقبلة، ووقف اقتحامات المدن الفلسطينية وعمليات القتل، وهو ما تنصل الاحتلال منه علنًا بعد الاجتماع بساعات.


الأسرى ينتزعون انتصاراً

في السادس من يناير بدأ وزير الأمن القومي زعيم حزب "القوة اليهودية" اليميني المتطرف إيتمار بن غفير تحركاته ضد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، فقد قال في تغريدة له عبر "تويتر": إنه ماضٍ في مخططه باتجاه تبني قانون يفرض عقوبة الإعدام على الأسرى المتهمين بقتل أو محاولة قتل إسرائيليين"، وجاءت تغريدته في اليوم التالي لزيارته لسجن نفحة الصحراوي، متوعدًا بالسعي للتضيق على الأسرى.

وفي 28 يناير قمعت أسرى سجن مجدو والنقب بذريعة الاحتفال بعملية القدس، وقطعت عنهم الكهرباء، وقنوات التلفاز، وسط تهديدات من الأسرى بإضراب شامل في أول رمضان.

وفي 31 يناير، قمعت قوات الاحتلال الأسيرات في سجن الدامون، وحولت غرفهن إلى زنازين بعد تجريدهن من كافة مقتنياتهن.

ومع استمرار التضييق على الأسرى، زاد الأسرى في خطواتهم الاحتجاجية ضد السجان، والتي كانت ستصل إلى إحراق الغرف، والإضراب الشامل، والإضراب عن الطعام مع بداية شهر رمضان المبارك.

وقبيل دخول الشهر المبارك بساعات، انتزع الأسرى الفلسطينيون انتصاراً حقيقياً بوحدتهم ضد السجان، وكسروا أنف "إسرائيل"، وأجبروا نتنياهو وبن غفير وحكومتهم على التراجع عن قراراتهم التعسفية بحق الأسرى.


شهر رمضان.. واللحظة الحاسمة

إن تحذير الاحتلال من الانفجار في شهر رمضان المبارك يتضمن التحذير فعلياً من نفسه، فهو يعلم تماماً ما يبيته اليمين المتطرف، الذي يشكل طرفاً أساسياً في "إسرائيل" اليوم، ضد المسجد الأقصى المبارك خلال عيد الفصح، وحكومة الاحتلال تعلم ما يمكن أن يجره عليها ذلك من ردٍّ شعبي فلسطيني، لكن الاحتلال يسلِّم فعلياً أنه لا يستطيع منع اعتداءات اليمين المتطرف، بل يحاول الاستعانة بأطرافٍ عربيةٍ ودوليةٍ اليوم لمنع ردود الفعل الفلسطينية فقط.

وتحذيرات الاحتلال ليست في الحقيقة أكثر من محاولةٍ للحصول على ضمانةٍ لعدوانٍ بلا رد، لكن المواجهات التي تعيشها الضفة الغربية والقدس منذ شهورٍ، والتصعيد الذي شهدته خلال الأسابيع الماضية، يشير إلى احتمال أننا أمام أيام شديدة السخونة في القدس، وشهر رمضان لن يكون سوى البداية.

يبدو أن الخوف والحذر هما سيدا الموقف، مع تصاعد حس اليمين المتطرف لدى الاحتلال، وما يعانيه أيضا من أزمات داخلية وخارجية على إثره.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023