بقلم المستشار/
أسامة سعد
السودان هذا البلد العربي العزيز الذي تبلغ مساحته "بعد الانقسام" نحو مليون وثمان مئة وستين ألف كليو متر مربع تقريبًا، ويبلغ عدد سكانه نحو 45 مليون نسمة، يتعرض اليوم لحرب طاحنة بين الجيش وقوات الدعم السريع، ودون الخوض في مواقف كلا الطرفين، لا بد من الوقوف مطولًا عند موقف العرب وجامعتهم مما يجري في السودان، إذ تتعامل الجامعة العربية مع أحداث السودان كما لو كانت السودان جزيرة معزولة في المحيط الأطلسي ولا تمت بصلة للعرب، ولا يعدو موقفها عن ذر للرماد في العيون، ولا يزيد عن المواقف التي تبديها تجاه أزمات دولية لا تمثل للعرب أي أهمية، ذلك الصمت أو البيانات الخجولة أتاحت المجال لـ(إسرائيل) أن تدعو الأطراف المتحاربة إلى (تل أبيب) لحل الأزمة، وتلك بادرة لا تخطئ العين دلالتها، إذ تسعى (إسرائيل) عبرها لأن تكون رأس المنطقة أو كبيرها الذي يضبط إيقاع توازناتها، ويتدخل كلما كان التدخل ضروريًّا لإعادة الأمور إلى نصابها، وذلك أمر متوقع في ظل غياب التأثير الرسمي العربي وفقًا لنظرية "الحلول في الفراغْ"، يصمت العرب على سلة الخبز العربية ويتركونها نهبًا لـ (إسرائيل) تارة والصين تارة ورسيا تارة، وكل من يأتي للمنطقة من وراء البحار لينهب خيرات العرب ومقدراتهم، والعرب يتذرعون بأنهم ينأَون بأنفسهم عن التدخل في الشؤون الداخلية لبعضهم بعضًا وفقًا لتفسير ضيق لميثاق عفا عليه الزمن يسمى ميثاق الجامعة العربية، ينص في مادته الثامنة على: "تحترم كل دولة من الدول المشتركة في الجامعة نظام الحكم القائم في دول الجامعة الأخرى، وتعُده حقًّا من حقوق تلك الدول، وتتعهد بألا تقوم بعمل يرمي إلى تغيير ذلك النظام فيها"، وكان يجب على الجامعة العربية أن يكون لها موقف في نزاعات داخلية عربية حينما يغيب شكل النظام السياسي في أي من الدول العربية وتصبح الدولة على المحك وانهيارها وارد وإرادة شعوبها تتجلى في أبهى صور الثورات التي تنادي بالحرية، وإلا فما قيمة التضامن العربي والأمن القومي العربي إذا كانت نصوص الميثاق وتفسيرها الضيق تحول دون الحفاظ على هذين المبدأين؟
الجامعة العربية التي تملك 22 جيشًا مدججًا بالسلاح يُعد بعضُها من أقوى الجيوش على مستوى العالم، تُحجِم عن حسم الصراع لصالح الشعب السوداني، وتترك الأمر لعصابات فاغنر، أو أي مرتزقة من هنا أو هناك ليعيثوا فسادًا في السودان تحقيقًا لمصالح أعداء العرب، قد نفهم بوضوح إحجام القيادات العربية عن التدخل خوفًا من أن يصبح التدخل العربي لصالح الشعوب سابقة أو "سنة حسنة" فيأتي يوم وتتدخل فيه القوة العربية لتفرض إرادة الشعوب على تلك القيادات التي لم تُراعِ في شعوبها إلًّا ولا ذمة، ولذلك تنظر القيادات الرسمية العربية إلى هذا الأمر على أنه بدعة لا بد من محاربتها، لأن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، كما يزعمون.
ولكن ليس كل أمر يمكن أن يُتعامل معه على أنه حدث أو شأن داخلي على علة هذا الحديث، فما يجري في السودان قد يؤدي إلى تقسيمه مرة أخرى، وقد يتشتت إلى أجزاء متناثرة بكل ما يعنيه هذا التشرذم من خطر على الأمن القومي العربي.
الشعب السوداني الشقيق له حق علينا نحن العرب أن ننصره، وأن نُخلِّصه من محنته، وأن نساعده على اجتياز هذه الأزمة، وكان ينبغي للجامعة العربية أن تنعقد على الفور لتخرج بقرارات حاسمة باتجاه فرض حل يضمن للسودان الاستقرار ولشعب السودان الرفاهية من خلال التمتع بكل هذه الموارد المنهوبة والمهدورة، والخروج من هذه الكبوة العربية التي طال أمدها، فحدث ما حدث في سوريا وليبيا واليمن، وما زال يُراد للعرب الكثير من البلاء الذي قد ينال من الهوية العربية عمومًا ومكانة العرب على الخارطة السياسية للعالم بين الأمم إذا استمر الأداء الرسمي العربي بهذا القدر من الهزال والضعف.