الانتقاد السليم في التنظيم السليم
بقلم:
أحمد التلفيتي
عند أي حدث أو موقف متعلق باختلاف رأي أو تقدير حالة، تبرز الأصوات المتعارضة والمتناقضة في ذمٍّ أو تبرير، ما يثير جدلًا متفاوت الحدود وحسب درجة انتشار وحساسية الموقف وضده، ومن ذلك قضية عودة العلاقات بين حماس ونظام الأسد في سوريا.
يرى البعض الانتقاد نذر شقاق وبذور خلاف يُخشى أن تسقيها الأيام والأحداث القادمة فتتحول إلى أسباب فرقة وانشقاق على سنة تجربتنا الفصائلية الفلسطينية عمومًا، فيما يعتقد الآخرون أنه -أي الانتقاد- ظاهرة صحية أيًّا كان حجمه ووقته وشكله، وفي هذا المقال معالجة سريعة مختصرة لأسس تقييم الانتقاد السليم.
إن محاول الحفاظ على نقاشات متناقضة سرًا داخل تنظيم واسع الانتشار والحضور والدور، تبدو عبثًا وغير واقعية، سيما مع حساسية تطورات كثير من الأحداث وتأثيرها المباشر على خطة التنظيم، ومساسها بمبادئ وقيم متوارثة، بالتزامن مع الحرية الإعلامية التي وفرتها مواقع التواصل وشبكات الإعلام المنتشرة بكثافة، فالمسألة إذن ليست في نشر وجود تباين واختلاف، بل في أعراض أخرى، مع الاتفاق أن الانتقاد -كجزء من النقد- ضرورة وفريضة حيث وجدت أسبابه، لمعالجة خلل أو تصويب رأي أو توصيف مشكلة وعلاج.
وعليه فإن ما يحكم على الانتقاد أنه كان سليمًا يمكن أن يُلخَّص في النقاط الآتية:
ضبط حدود الانتقاد بالموضوع المنتقَد وبيان وجود الخلل والآثار المترتبة عليه، وعدم تشعب الحديث عن قضايا أخرى، لأن ذلك سيضعف الموضوعية والمصداقية ويكشف عن نوايا أخرى مُبيتة.
- قرار المؤسسة التنظيمية في الموضوع المثار، فإن التزمت الصمت فقد رضيت بإثارة النقاش لأهداف أوسع ربما، وإن أصدرت توضيحًا بإقرارٍ أو التبرؤ من الأمر فقد حسمت النقاش، ويصبح بعد ذلك منوطًا بمثيريه وأهدافهم.
- إذا كان الانتقاد للمؤسسة أو لأشخاص، فإنه أولًا يجب أن يمرّ على الدوائر المختصة في تلك المؤسسة، قبل أن ينتقل لغيرها، لأنه سيعتبر تجاوزًا وإثارة جدل محض من قبل المنتقِدين، وحجة ضدهم في عدم صفاء نواياهم.
- توفير البديل في معرض الانتقاد لأمر ما، فإن كان في أطر الإمكانات المتاحة فيردّ الأمر إلى أصحاب الشأن في الإمكانات، وإلا فلا مانع من اختلافٍ يحفظه التاريخ لأصحابه وتبين مجريات الأحداث أي الاجتهادين كان أصوب، مع استنفاد أسباب الاجتهاد والدراسة من الخبراء والمختصين وأصحاب القرار.
- كلما كان صريحًا في طرحة وهدفه واثقًا في لغته ومعلوماته كان أقدر على بناء رواية منافسة للقرار المنتقد، فلا بد من إحالة أركان الانتقاد السليم بإحكام قبل طرحه.
إن المشكلة الأساس في إشكالية الانتقاد هي فحواه وأسلوبه وطرحه زماًنا ومكانًا وأشخاصًا، فإن كانت الفحوى صحيحة المضمون والأسلوب خالية من تجريح وتشعب وتجاوز وتوقيته في ساعته ومكانه وأشخاصه المعنيين عمومًا ودوائر؛ كان سليمًا أيًّا كان المنتقَد، وسيصب في مصلحة التنظيم العاجلة والآجلة؛ لأن الانتقاد السليم في التنظيم السليم.