منتدى التفكير الإقليمي
غازي أبو جياب: مقيم سابق في غزة، ناشط سياسي وإعلامي فلسطيني ومترجم يكتب لفريق أوفيك ومعهد فان لير ومنتدى التفكير الإقليمي.
تماشيا مع أفضل تقاليد وسائل الإعلام الإسرائيلية والمتحدثين باسم الحكومة والمؤسسة الأمنية، فإن الجولة الأخيرة من القتال بين "إسرائيل" وحركة الجهاد الإسلامي تتم مراجعتها وتسويقها بطريقة منحازة.
تحولت شاشات القنوات التلفزيونية الإسرائيلية إلى مسرح عبثي قدم وضعاً لا يتوافق مع الواقع، فمقالات وتعليقات السياسيين والجنرالات، الخدم الفعليين والضيوف المنتظمين في الاستوديوهات التلفزيونية، سلطت الضوء على الأمور الهامشية وقمعت وأسكتت ما لا يستحق آذان الجمهور اليهودي في "إسرائيل".
القاسم المشترك لكل هذه التفسيرات هو رفع المسؤولية عن "إسرائيل" وإلقاء اللوم الرئيسي على الفلسطينيين، وكأنهم الجانب العدواني والقاسي.
حسنًا، مع انتهاء العاصفة، يمكن استخلاص بعض الأفكار:
الأول: أن العمل الإسرائيلي الاستباقي لاغتيال أعضاء الجهاد الإسلامي لم يتم لقلة الاختيار (تفوح منها رائحة الدوافع السياسية).
بنيامين نتنياهو، الذي سعى إلى إضفاء هالة تاريخية على العملية باقتباس مقولة مأثورة "بالحيل تصنعون الحرب"، كان هو الشخص الذي كان يبحث عن حيلة لتقليص زخم الحركة الاحتجاجية ضد خطة النظام الانقلابية، فكان يعلم أن الشروع في عملية عسكرية لن تواجه معارضة وسيحظى بدعم واسع وإجماع شامل.
لكن تجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد ما يشير إلى أن الجهاد الإسلامي كان سيطلق صواريخ على "إسرائيل"، لولا الموت المأساوي للمعتقل المضرب عن الطعام خضر عدنان في زنزانته.
يعتبر عدنان أحد أبرز النشطاء السياسيين في حركة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية، وكان إضرابه عملاً مشروعًا ضد تعسف سلطات الاحتلال التي وضعته رهن الاعتقال الإداري مرة تلو الأخرى؛ لذلك صدمت وفاته الرأي العام الفلسطيني، وأوقعت الجهاد الإسلامي في معضلة صعبة: هل يضع موته على جدول الأعمال؟ أو يبادر إلى التحرك حتى لا يُنظر إليه على أنه من يتخلى عن عناصره؟
اختار جهاد الرد من أجل إظهار التضامن والغضب على مقتل المعتقل، الذي كان من الممكن لـ"إسرائيل" أن تنقذ حياته لو أرادت ذلك، لكن الرد كان محسوبًا، وشهد على رغبة الجهاد في عدم تصعيد الموقف إلى مواجهة شاملة.
يمكن الافتراض أن الأجهزة الأمنية في "إسرائيل" لديها معلومات دقيقة عن نوايا الجهاد الإسلامي وإلى أين تتجه.
قررت "إسرائيل" الرد باغتيال ثلاثة من كبار أعضاء الجهاد الإسلامي مع عائلاتهم.
لقد بالغت وسائل الإعلام الإسرائيلية في عملية الاغتيال وما تلاها، لكن إذا نظرنا إلى التفاصيل يبدو أنه من المحتمل جدًا أن تكون "إسرائيل" قد خسرت هذه الجولة.
حتى لو قبلنا الافتراض بأن الاغتيال الإسرائيلي لم يشوبه اعتبار سياسي إسرائيلي داخلي وكان الغرض منه إعادة الردع وإضعاف الجهاد الإسلامي، فيبدو أن "إسرائيل" فشلت في تحقيق هذا الهدف؛ فالقتل والدمار الذي زرعته آلة الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة يعزز الدافع في غزة لمواصلة طريق المقاومة.
إن عدم وجود أي أفق لإنهاء الحصار والاحتلال، وتحويل سكان غزة إلى عبيد غينيا، وصفة مؤكدة لاستمرار المقاومة المسلحة، والمناورات الوهمية لخلق فرق بين حماس والجهاد لا تؤتي ثمارها.
المتحدثون والمعلقون الإسرائيليون ينشرون ادعاءات سخيفة وكأن الجهاد فرع إيراني ينفذ أوامر طهران، جدير بالذكر أن حركة الجهاد الإسلامي تأسست قبل اندلاع الثورة الإسلامية في إيران، هي لا تنفي حصولها على دعم وتمويل من إيران، لكن هذا لا يعني أنها أصبحت خادمًا في يدها.
كما لا يوجد ما هو أكثر سخافة من الادعاء بأن قيادة الجهاد تقيم في فنادق فاخرة في بيروت، كما كتب عاموس يادلين، الذي شغل سابقًا منصب رئيس شعبة الاستخبارات.
من الصعب تجنب التساؤل كيف لا ينزعج المتحدثين باسم الحكومة والمعلقين عندما يرون أن "إسرائيل"، القوة العسكرية العظمى، تقف عاجزة في مواجهة منظمة صغيرة تتحداها، وغير قادرة على التغلب عليها أو إرباكها وتصنع رادعًا لها، وتضطر أخيرًا إلى توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار معها؟