الحياة في غزة في ظل الحروب: الموت المؤجل

منتدى التفكير الإقليمي

جنات يوسف

ترجمة حضارات

جنات يوسف صحفية وكاتبة تعيش في قطاع غزة. تكتب باسم مستعار في فريق Ofek من معهد فان لير ومنتدى التفكير الإقليمي.


لا أحد لا يعلم أنه منذ انسحاب "إسرائيل" من قطاع غزة عام 2007، شنت عدة حروب وجولات تصعيد طويلة وقصيرة ضده.

لهذا السبب، يعيش أكثر من مليونين وربع مليون من سكان قطاع غزة، تجارب شبيهة جدًا بما عاشوه قبل انسحاب "إسرائيل" من القطاع، فضلاً عن التجارب التي عاشها آباؤهم وأجدادهم في الحروب التي دارت في غزة في الماضي.

كان نابليون هو الذي قال خلال حملته إن قطاع غزة هدف مفضل للحروب، لأنه بوابة آسيا من جهة ومدخل إفريقيا من جهة أخرى، لذلك، لا عجب في أن مقولة "كم يشبه الأمس اليوم" تحظى بشعبية بحسب سكان غزة.

الهجوم الأول أو الحرب الأولى على غزة وقع في عام 2008، الأطفال الذين عايشوا أحداث هذه الحرب أصبحوا بالفعل مراهقين، لكن ذكرياتهم عن تلك الأيام لم تمح، ولم يتوقف خوفهم، ولهذا يشعرون أن حياتهم ليست سوى موت مؤجل، هذا ما تقوله الطالبة ريمان سعيد في العام الأخير لها في الجامعة: "خلال حرب 2008 في غزة، كنت في الفصل في المدرسة عندما بدأ الهجوم الأول".

لم تكن والدتي تعرف أي مدرسة نبدأ منها لجمع الأطفال، لقد التحقت أنا وإخوتي جميعًا بمدارس UNRA، لكنني كنت في الصف الأول في مدرسة ابتدائية، والمدرسة الثانوية والشعبة في مبانٍ منفصلة، كما هي مدارس البنين والبنات.

على أي حال، جاءت أمي وأخذتني من يدي، وركضنا عبر أزقة مخيم اللاجئين وصفير الصواريخ من بعيد.

اعتقدت أنني كنت في كابوس، كانت الأيام التالية للحرب متوترة، مثل كابوس متكرر، لم أصدق أن حياتي ستستمر بنفس الطريقة، وأن هذا الكابوس سوف يعيد نفسه مرارًا وتكرارًا، لكنني كنت مخطئًة.

تتنهد ريمان وتنظر إلى السماء قائلة: "لا أعرف عدد الحروب التي وقعت منذ ذلك الحين".

في كل واحدة من هؤلاء نفقد أقارب وأصدقاء، حتى في الجولات القصيرة نرى الموت بجميع أنواعه، حتى لو استمر بضعة أيام، وربما حتى ليلة واحدة.

وعندما يحل الصباح يصدر إعلان عن وقف لإطلاق النار، مما يعني تأجيل موتنا الى وقت آخر.

صديقتها من الجامعة التي تدعى لمياء جواد والتي تكبر ريمان بسنة، تأخذ الكلام وتتذوقها بسخرية: "يبدو أننا تعودنا على ذلك بالفعل".

بمجرد أن نرى في الأخبار اقتراب جولة جديدة من التصعيد بين الطرفين، يذهب أبي إلى المخبز ويقف في طابور طويل ويشتري كمية كبيرة من الخبز.

بعد ذلك، يطلب منا "تهوية النوافذ"، بمعنى عدم إغلاق النوافذ بالكامل، حتى لا تنكسر عندما يهتز المنزل بأكمله بسبب موجات الصدمة، حتى عندما يكون الجو باردًا بالخارج، نترك النوافذ نصف مفتوحة.

تطلب منا والدتي ارتداء ثوب على رؤوسنا يسمى "ثوب الصلاة"، وهو نوع من الملابس المحتشمة التي تغطي الجسم والشعر وتستخدم للصلاة، يمكن ارتداؤه بسرعة ويجب ألا نهرب من المنزل بدونه مهما كان الخطر الذي نواجهه.

لقد ارتديناه بالفعل عندما خرجنا من الشقة إلى الدرج، مرتدين بيجاما صيفية خفيفة، بعد أن تلقى جيراننا في الطابق العلوي تحذيرًا من أن شقتهم ستُقصف، بعد ذلك كنا نمزح فيما بيننا أن ينام أصدقاؤنا مرتدين هذه الملابس.

إلى جانب الأشياء التي نتوقعها بالفعل، مثل حالة هاتين الشابتين، يمكننا فقط تخيل الخوف الذي يعاني منه الأطفال الصغار.

لقد عاشت هاتان الفتاتان بالفعل الحرب الأولى، وهما اليوم تقريبا من خريجي الجامعات، لكن الحروب والخوف يرفضان الانتهاء.

تقول أم سعيد، وهي أم لأربعة أطفال، إن مجرد سماع صوت الطائرات الإسرائيلية بدون طيار لعدة أيام متتالية، هو بمثابة صفارة إنذار لجولة تقترب.

وتضيف أن الاشتباكات على الحدود أو التقارير المتكررة عن الهجمات في الضفة الغربية والقدس، تعني أن غزة ستدفع الثمن قريبًا، توضح أم سعيد أنها قد تعودت على ذلك بالفعل.

خلال الهجمات، لا شيء يثير اهتمامها، ولا حتى إصلاح نوافذ منزلها التي تتكسر مرارًا وتكرارًا، باستثناء الرغبة في تسهيل الأمر على أطفالها وإقناعهم بأن هذه حياة طبيعية.

تقول أم سعيد، أن ابنها الأكبر يبلغ من العمر عشر سنوات بالفعل، لكنه يبلل فراشه بشكل متكرر.

الأطفال الصغار يصرون على النوم في سريرها إذا سمعوا فقط إشاعة، بأن جولة حرب ستحدث قريبًا في غزة.

تصف الليالي الطويلة عندما يبدأ القصف مبكرًا، في هذه الليالي يبقى الأطفال مستيقظين وخائفين ويبكون ويتبولون في ملابسهم بشكل متكرر، لأنهم يخشون الذهاب إلى الحمام.

ويضيف أبو سعيد زوج أم سعيد على كلام زوجته، ويقول إنه يحاول إقناع أطفالهم بأن الأصوات بعيدة، لكن صمت الليل يجعلهم يعتقدون أنهم قريبون.

يحاول أن يضحك معهم ويهدئهم بالقول وهو يضحك، "لدينا حفلة أخرى الليلة" لكنها لا تنجح أبدًا.

يوضح لبيب عبد الله، خبير الصحة النفسية، أنه بسبب خوفهم الدائم من اقتراب الحرب، يعاني الأطفال في غزة من مشاعر سلبية وأنماط سلوك مدمرة يصعب تصحيحها.

يعمل عبد الله في مركز علاجي، حيث يعالج مثل هذه الحالات بطرق مثل العلاج بالرسم.

في بعض الحالات، يعاني الأطفال الذين يأتون إلى مركزه من الخوف، وفقدان الإحساس بالأمان، وكذلك الأرق، والكوابيس، والشعور بالذنب، والوحدة، والتبول اللاإرادي ليلاً، والشعور بالعجز، والغضب، والأفكار السلبية حول المستقبل أو عن أنفسهم والاكتئاب.

الاكتئاب شائع بشكل خاص بين الأطفال، الذين عانوا من حزن عميق بعد فقدان شخص مقرب مثل الأب أو الأم.

يضيف عبد الله أن مثل هؤلاء الأطفال يحتاجون إلى علاج مكثف بعد الصدمة، لكن المشكلة أن الخطر لا يتوقف ولا ينتهي، ولا يستطيع الأطفال وكبار السن العيش بأمان.

إنهم في حالة خوف دائم من الخطر، وهو وضع يحول حياة جميع سكان غزة إلى سلسلة من المعاناة التي لا تنتهي.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023