معركة وعدة جبهات

ياسين بكري

أسير وكاتب

بقلم:
ياسين بكري


75 سنة مروا على اعتقالهم ونددنا، وماذا بعد؟! استقلالهم تحقق ونكبتنا مستمرة، حلمهم تحول لرؤية لخطة عمل وبعد 50 عام من المؤتمر الصهيوني الأول 1897م أصبح الحلم واقع تماما كما تنبأ بيرفكس، وهل وصل ذروته؟! لا أعتقد لا جغرافيا ولا ديمقراطيا  ولا ديموغرافيا ولا نفوذ.

تم تسخير كل طاقاته المادية والبشرية من أجل تحقيق أهدافهم؛ حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه، ونحن نعتبر وفاء الأحرار انتصار، فإلى متى سيتحول حلمنا لخطة عمل؟ وإلى متى ستهدر طاقاتنا، ونبقى الطرف المستهلك، والمتلقي للنكبات والنكسات كما لكوكا كولا وماكدونالز، وإلى حين يصبح لدينا تخطيط مركزي، هل نحن معفيون من المسؤولية، أم ستتملكنا روح المبادرة الفردية؛ فلا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

الخطر الديموغرافي9.000.000 نسمة يعيش في إسرائيل، 80% يهود وحوال 20%  عرب

سعت إسرائيل من اللحظة الأولى لإقامتها وما زالت تفعل للتقليل من عدد العرب في الداخل أو حتى التخلص منهم؛ لاعتقاده بأنه سينقض على الكيان عندما تتهيأ الظروف لذلك.

حتى فترة قريبة عدة سنوات للوراء كنا نرى ونسمع تقريبا بشكل يومي من خلال الصحف  والتلفاز عن الخطر الديموغرافي، والمعركة الديموغرافية، وأن أخطر ما يواجه الدولة، هو رحم المرأة العربية، مرفق لذلك الأرقام والرسوم البيانية؛ للمقارنات بين خصوبة المرأة العربية، مقابل اليهودية،  

مؤخرًا اختلفت الوتيرة، وتبدلت وجهة الخطر؛ حيث تشير الدراسات إلى أن معدل إنجاب المرأة العربية انخفض بشكل كبير منذ سنوات الستين من القرن الماضي من 8 أطفال إلى 3 أطفال فقط عام 2023 على عكس المرأة اليهودية الذي لم يطرأ عليها أي تغيير  باستثناء المتدينين منهم حيث ارتفعت من ستة أطفال إلى 6.6 عام 2023 وبحال استمرت هذه الوتيرة؛ فمن المتوقع أن تكون النتائج على الشكل التالي:  

مقارنة بالأطفال حتى 14 عام

وجه المقارنة: 2015 : 2065

علمانيين       56%        :       35%

حريديم متدينيين 19% :     49%

عرب 25%                   :           15%


هذه النتائج لم تأتِ من تلقاء نفسها؛ وإنما حصيلة جهد مضني على مدار سنوات طويلة، فأزمة الديموغرافية  وكهولة المجتمعات والانحسار، ليست محلية؛ وإنما عالمية أزمة عالمية يعاني مهنا الغرب، وأوروبا بشكل خاص ما يضطرها لفتح أبوابها أمام الهجرة الوافدة من إفريقيا والشرق الأوسط وتؤدي إلى استنهاض وصعود اليمين المتطرف هناك.

في إسرائيل الصورة عكسية فهي تمنع من غير اليهود الهجرة إلى البلاد بموجب قانون العودة  1950 وتحفز "اليهود للصعود" إلى "أرض الآباء والأجداد"، والضمان لمن يهاجر إليها رزمة من الامتيازات، تشمل: السكن والتعليم والعمل، وهي تسعى من أجل ذلك لاستقطاب اليهود الموزعين في العالم وخصوصًا في الولايات المتحدة التي يتواجد بها ثاني أكبر تجمع لليهود في العالم بعد إسرائيل، ويصل عددهم الى 6 مليون نسمة؛ مستغلة التقلبات والأزمات العالمية وتفتعلها أحياناً لنفس الغرض.

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1989هاجر إلى "إسرائيل" مليون يهودي، هجرة نقلت إسرائيل نقلة نوعية؛ لاحتوائها على عدد كبير من رؤوس الأموال والأكاديميين في مجال الهندسة والطب والهايتك، بالإضافة الى الكتلة البشرية الهائلة، التي أدت الى انزياح الخارطة الاسرائيلية كلها لليمين،  

على أثر الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا هاجر 80ألف شخص الى إسرائيل،  وهنا أتوجه لمن يتمنى انهيار أمريكا، أن يعيد النظر وليس محبة فيها.

انتهجت "إسرائيل" في معركتها  الديموغرافية عدة أساليب، ابتداء من المجازر والتهجير والتصفية الجسدية المباشرة فقط منذ النكبة عام 1948 استشهد على يدها أكثر من 100ألف فلسطيني وهذا الرقم لا يمكن أن نتعامل معه  بشكل مجرد، فلكم أن تتخيلوا  عائلات المفترضة لهؤلاء الشهداء لو أنه كتب لهم الحياة، ولتقريب المسألة  في العام 1984 تبقى في الداخل الفلسطيني 160ألف فلسطيني، واليوم بعد مرور 75 سنة أصبح عددهم يقارب 2مليون نسمة، وفي المشهد المقابل قتل منذ العام 1840- 2023 أي منذ بداية المشروع الصهيوني حتى اليوم في كل حروبها مع العرب حوال 23ألف صهيوني فقط .

أحداث النكبة والتهجير القسري مستمر وملايين الأسرى التي توافدت على السجون الإسرائيلية الآلاف منهم قضى  عشرات السنوات، وحرم من تأسيس وبناء أسر، فليست بهذه السياسة ممنهجة؟!

وهنا لابد من الانحناء إجلالاً واحتراماً للأسرى وزوجاتهم، ممن قرر تحدي السجن والسجان والقيود الاجتماعية، والتي غلبت لديهم بذرة الحياة واستمرارها  والحس الوطني على من دونها فقرروا تحرير النطف من قيدها والانجاب وأخص بالذكر عمار الزبن  وفهمي مشاهرة ووليد دقة وزوجته سناء والابنة ميلاد ونسأل الله أن يكتب لوليد ميلاد جديد بالافراج عنه.

لتشجيع المرأة اليهودية على الانجاب خصص بن غوريون لكل امرأة تنجب أكثر من 10 أطفال 100 ليرة أما الأمريكان فيخصصوا 100ألف دولار لكل عائلة  تتكون من أربع أشخاص.  

أما المرأة العربية فاتخذت المؤسسة ضدها أساليب خفية  لتثنيها عن "الإنجاب المفرط" تشجيع المرأة العربية للتعليم والخروج للعمل باعتقادهم بأن كلما ارتفع المستوى الأكاديمي للمرأة العربية تنخفض نسبة الولادة، وهنا تتقاطع قناعاتي مع الجزء الأول وتختلف مع الجزء الثاني فما المانع أن تحقق المرأة العربية ذاتها وفي نفس الوقت تنجب الأطفال، فهي الأساس في بناء المجتمع والوطن، والوطن محتاج للمرأة المثقفة والواعية لتحديات الساعة فليس كل متعلم مثقف، فالمثقفة تأبى إلا أن تشتبك مع الاستعمار؛ لإدراكها أنه المعيق الأساسي  للتطور فالمشكلات لا يكون حصراً في الأساليب العنيفة وإنما أيضا في تعزيز مقومات الصمود وإن جاءت الأطفال إحداها، بشرط أن لا يكون الكم على حساب الكيف  

أعمارنا تقطف قبل أوانها الطبيعي، فنسبة الوفاة لدينا مرتفعة في حوادث الطرق  والعمل والغرق والأمراض المزمنة ومعدل الأعمار منخفض وكلها؛ بسبب السياسة الممنهجة مثل البطالة والتجهيل والبنى التحتية ولا نغفل للحظة عن آفة العنف المستشرية في مجتمعنا، وكلي قناعة أنها سياسة موجهة ضدنا أخذت زخمها منذ  انتفاضة الأقصى 2000 وتعززت بعد أحداث هبة الكرامة 2022 فاستخلاص للعبر من قبل المؤسسة الأمنية  بضرورة أن يتوجه  سلاح وأعمال العنف في الداخل بدلا من تحوله للخارج لتحقيق أهداف قومية؛ فالارتفاع الرهيب في السنوات الأخيرة لا يمكن فهمه الا فهمه الا في هذا السياق ويكفي أن نعلم أن المؤتمن على حقن دمائنا "ليس آخر بن غفير"  

في العام 2021 قتل فيه 26 عربي في البلاد  وفي العام 2022 قتل 111 عربي في البلاد ومنذ بداية العام 2023 في أقل من 5 أشهر قتل حوالي 80 شخص، فاذا ما قارناها بما يحدث  بالضفة الغربية والقطاع وبالرغم من المجازر التي تحصل يوميا من قوات الاحتلال وآخرها الحرب الأخيرة على غزة فقد استشهد حتى 150 شهيد وبحسبة بسيطة مع مراعاة النسبة والتناسب، وتبين أنه 2.7 من أصل 100ألف شخص في الضفة والقطاع قتلوا ببداية العام، مقابل 4 من أصل 100ألف شخص قتل في الداخل الفلسطيني منذ بداية العام، أي أن الفلسطيني يدفع ضريبة الدم أبى أم شاء، إما على يد رصاصة من جندي إسرائيلي أو صاروخ أو "رصاصة مجهولة" فتعدد الموت والمجرم واحد.


جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023