نصرالله يمر بدوامة التصعيد والتغيير الخطير

القناة الـ12
اللواء احتياط/
 تامير هايمان
ترجمة حضارات



سأبدأ بكلمة تطمين: "إسرائيل" ليست عشية حرب يحرث فيها عدونا لشن معركة شاملة ضدنا، ليس هذا هو الحال.

في كلماتهم في الأيام الأخيرة، من المحتمل أن رئيس الأركان ورئيس شعبة الاستخبارات أشاروا إلى خيار أكثر واقعية لحدث تكتيكي (على سبيل المثال، عملية أخرى من قبل حزب الله)، والتي من شأنها أن تؤدي إلى رد فعل إسرائيلي كبير من شأنه أن يؤدي إلى رد فعل مضاد وبالتالي الطريق إلى التصعيد غير المنضبط الذي يؤدي إلى معركة قصيرة.

أما ما كشفه وزير الحرب عن نشاط إيراني في المجال البحري أيضًا، فلا جديد فيه، وبالتأكيد لا تغيير في الميزان أمام إيران، كما سيتم توسيعه لاحقًا.

من ناحية أخرى، فإن الكشف عن المنشأة تحت الأرض في إيران يزيد من الحاجة إلى استراتيجية جديدة لـ"إسرائيل" في التعامل مع البرنامج النووي الإيراني، سنتحد عن ذلك لاحقًا.

 مطلوب من "إسرائيل" تغيير استراتيجيتها في مواجهة التوسع المستمر وتعزيز البرنامج النووي، وكان رئيس الأركان محقًا عندما حذر  (الثلاثاء) في السياق الإيراني من "تطورات سلبية في الأفق قد تؤدي الى تحرك".

لا، هذا ليس اختراقاً إيرانياً حاداً تجاه القنبلة، وإنما استمرار لتقدمها الحازم في المشروع النووي، في الواقع إيران أقرب من أي وقت مضى إلى أن تكون دولة عتبة نووية.

إيران تستمر في التقدم في البرنامج؛ بينما تثري نفسها إلى المستويات التي تم تعريفها في السابق على أنها خط أحمر يتطلب العمل.

الأثمان التي تدفعها مقابل ذلك هي الأثمان التي تعلمت العيش معها منذ فترة طويلة، ثم إن "إسرائيل" تتصرف في مواجهة التحدي باستراتيجية عفا عليها الزمن وفي مواجهة واقع تغير بشكل كبير منذ انسحاب الولايات المتحدة من جانب واحد من الاتفاق النووي.


هذا واقع تواصل فيه إيران البرنامج ولا تدفع ثمناً باهظاً مقابل ذلك.


 تتطلب الاستراتيجية الجديدة للتعامل مع التحدي تنسيقًا وثيقًا مع الأمريكيين؛ لأن العمل العملياتي الذي لا يحقق إنجازًا استراتيجيًا (القضاء على التهديد النووي لسنوات عديدة) يمكن أن يضر أكثر مما ينفع.


القاعدة الأساسية للاستراتيجية الجيدة هي أنها تفتح خيارات للعمل ولا تقللها الرسائل المسموعة في "إسرائيل" والتي بموجبها "الوقت ينفد" قد تفعل العكس تمامًا.

 على سبيل المثال، يمكن الافتراض أن الشخص الذي بدأ الكشف عن منشأة تخصيب اليورانيوم الجديدة تحت الأرض في الأيام الأخيرة أراد أن يبث ذلك الوقت، كما ذكرنا، للقيام بعمل عسكري ضد المنشآت النووية، كما يجب أن يؤخذ في الاعتبار أنه في تصور الطرف الآخر، فإن هذا الكشف قد ينقل الواقع المعاكس "الضائقة".

إن الإحساس بالإلحاح في مثل هذا المنشور يبرز أن نطاق الخيارات يضيق، وأن إسقاط الردع النووي الإيراني فعال ورادع (يمنع أي مبادرة غربية)، هذا الأمر يزيد من حدة الحاجة الملحة لتغيير الاستراتيجية الإسرائيلية في مواجهة البرنامج النووي الإيراني.

أما بالنسبة للمنشأة نفسها التي تم الكشف عنها، فإن منشآت التخصيب تحت الأرض في إيران ليست جديدة. 

في كل مرة تتعرض فيها المنشأة للتلف، يتعلمون الدروس ويحاولون إنشاء منشآت أكثر حماية ضد الهجمات.

 يعرف المطلعون على هذه القضايا أن كل منشأة بها نقاط ضعف والقدرة على مهاجمة مثل هذه المنشآت لا تعتمد فقط على ما ينشر في وسائل الإعلام.

هذا جزء من مسابقة التعلم وجانب آخر لإبراز قوة ما يسمى بالمشروع النووي المناعي، توسيع المشروع وتعميقه وتقويته، ومن المعروف أن كل ما بناه الإنسان يمكن أن يهلكه أيضًا.

أما كلام وزير الحرب عن نشاط إيراني في المجال البحري، فلا جديد فيه إيران تعمل منذ فترة على إنشاء قواعد إطلاق لطائرات بدون طيار وصواريخ بعيدة عن حدودها، كما تنتج مثل هذه القواعد في لبنان وسوريا والعراق واليمن وفي البحر أيضًا، المنطق وراء هذه الخطوة هو امتلاك القدرة على الهجوم دون تحمل المسؤولية عن الفعل.

بمعنى آخر، إطلاق طائرة بدون طيار، على سبيل المثال، باتجاه "إسرائيل" يضع "إسرائيل" في معضلة حول الرد على مَن وبماذا ترد.

كما يفعلون ذلك من قواعد برية، يفعلون ذلك أيضًا من البحر بهدف توسيع الدائرة والقدرة على العمل بشكل عدواني. "الكشف" عن هذا النشاط الإيراني في البحر لا يضيف تهديدا جديدا لـ"إسرائيل".

هذا تهديد قائم تم استخدامه في الماضي، ولكنه حتى الآن لم يكن فعالاً للغاية، لذلك يجب وضع الأمور في النسب اللازمة.

وفي الختام، يجب ذكر ما هو بديهي - إلى جانب صقل مفهوم العمليات العسكرية، يجب خلق أفق لاتفاق نووي محسن.

كما نعلم من التجارب السابقة مع البلدان التي عقدت العزم على الحصول على أسلحة نووية، فإن مخطط اتفاق مراقب هو الأداة الأكثر كفاءة وملاءمة لرفض المشروع النووي لدولة ما.

حزب الله ونصر الله مستعد للمخاطرة بـ "يوم معركة" لكن ليس بحرب شاملة منذ فترة طويلة ونحن ندرك التغيير الذي يحدث من خلال نصر الله.


في معهد دراسات الأمن القومي (INSS) نسمي ذلك: "شعور نصر الله المبالغ فيه والزائف بالثقة المفرطة"، هذا الشعور به خطر؛ لأنه قد يؤدي به إلى سوء تقدير رد فعل "إسرائيل" المتوقع إذا عاد وحاول إلحاق الأذى بها.

في الماضي اعترف بالخطأ الذي ارتكبه في المخاطرة، وهو خطأ أدى إلى حرب لبنان الثانية، لكنه مثل أي ديماغوجي جيد وذوي خبرة، يضع الحقائق جانباً.

ويواصل نصرالله ترسيخ الرواية القائلة بأنه خبير في الشؤون الإسرائيلية ويعرف كيفية تقييم رد فعل "إسرائيل" على أفعاله، إن إحساسه بالأمن مدعوم باستكمال تنفيذ خطط حزب الله المتعددة السنوات، الأمر الذي دفع التنظيم إلى تجهيز نفسه بشكل مثير للإعجاب بأسلحة مختلفة، بعضها بجودة عالية، وبأعداد كبيرة.

 وهو مدعوم أيضًا بتفسيره الخاطئ لتجنّب "إسرائيل" هجومًا على مراكز قوتها في لبنان - فهو بالنسبة له ردع متبادل.

كما أن قضية حقل "القرش" التي انتهت باتفاق برأيي تخدم مصلحة "إسرائيل"، تدفعه إلى الادعاء بأنه فرض الاتفاق بحكم الردع تجاه "إسرائيل".

 هذا الشعور بالأمن خاطئ؛ لأن نصرالله غير مدرك تماما لقدرات "إسرائيل" والتحسينات الملحوظة في قدرات الجيش الإسرائيلي، والتي تم تطويرها بالعشرات منذ حرب لبنان الثانية.

ومنذ أن فقد نصر الله رئيس أركانه (عماد مغنيى) في شباط (فبراير) 2008، لم يكن على دراية جيدة بقدراته (نصر الله رجل دولة أكثر منه قائد عسكري).

هذا الوضع يمكن أن يخلق تقييمًا خاطئًا، مما سيقوده إلى حساب مخاطر غير صحيح وإلى الموقف المتصاعد الذي ينتهي بسيناريو متطرف "الحرب".

وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من العلاقة الوثيقة بين إيران وحزب الله، إلا أن نصر الله لا يتلقى تعليمات عمل فردية من طهران، إنه مسيطر للغاية في محور المقاومة وأحد آخر "الآباء المؤسسين" الذين ما زالوا على قيد الحياة، من حيث الأسطورة الأخيرة التي لا تزال قائمة.

 هناك حوار بين نصرالله وطهران وليست علاقة قائد ومرؤوس - فهو يهتم أولاً وقبل كل شيء بمصلحة حزب الله في لبنان، كما يراها، وبعد ذلك فقط بالمصلحة الإيرانية.

على أي حال، لا إيران ولا حزب الله لديهما أي مصلحة في حرب شاملة مع "إسرائيل".

إيران لا تريد "إهدار" وحرق قوة حزب الله في معركة ستحدث نتيجة حادث تكتيكي،  يريدون إبقاء حزب الله هناك حتى يوم القيامة "حرب شاملة"، من وجهة نظرهم، اليوم الذي يقرر فيه أحد مهاجمة إيران.

كما أن نصرالله ليس مهتمًا حقًا بحرب واسعة مع "إسرائيل" - إذا كانت هناك حرب، فستكون، كما ذكرنا، نتيجة سوء تقدير فقط.

 نصرالله مهتم بيوم معركة أو جولة قصيرة على الأكثر، جولة تذكر أن حزب الله منظمة مقاومة لكن ذلك لن يؤدي إلى تدمير لبنان.

أما بالنسبة لـ"إسرائيل" فلا بد من الاعتراف بصدق أنه في نيسان (أبريل) الماضي، بعد إطلاق أكثر من 30 صاروخًا لحركة حماس من لبنان على أراضي "إسرائيل"، ضاعت فرصة لتجاوز توقعات حزب الله وإعلامه بمسؤوليته.

إذا عاد نصرالله للعمل مرة أخرى، يجب أن يوضح له من خلال الأفعال المفاجئة التي تفوق توقعاته، الثمن الباهظ الذي سيدفعه إذا أخطأ مرة أخرى.

 يجب أن يسير هذا الإجراء الإسرائيلي على خط رفيع للغاية بين تعزيز الردع وتجنب حرب شاملة.


جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023