بقلم الأسير: إسلام حسن حامد
03/06/2023
يمثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان القديم الجديد التحدي الأبرز، وقد يكون الأخطر على مكانة وقوة الكيان الصهيوني وتفوقه العسكري والاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط؛ فهو الذي أعاد تركيا إلى مصافّ الدول العالمية المؤثرة، ورفع المستوى الاقتصادي العام في البلاد، وأنهى الديوان الخارجية وأهمها المتعلقة بصندوق النقد الدولي عام 2013، ثم ليقطع أي اعتماد تركي عليه، وصولًا إلى تصفية الحساب مع عناصر الدولية العميقة من أتباع فتح الله غولن، والعناصر التابعة إلى منظومات أوروبية إلى تجديد العلاقة وجعلها ندية مع الولايات المتحدة الأمريكية وتحديدًا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، مع عدم إغفال تحجيم تركيا لدور الكيان الصهيوني في المنطقة بعد قطع الأولى العلاقة الدبلوماسية مع الكيان، وتدخلها في الصراعات البينية كالمواجهة العسكرية بين أذربيجان وأرمينيا وقصف المواقع الكردية المناوشة لها في العراق وسوريا، ودعم قوات المعارضة السورية في الشمال السوري، وتدريب العناصر الأمنية والعسكرية الموالية لحكومة طرابلس الليبية، وغير ذلك.
لتصبح تركيا الفاعل الأكثر بروزًا في المشهد الأمني والسياسي في المنطقة، ولا أقل من ذلك الدور الوسيط في الحرب الروسية الأوكرانية المشتعلة منذ أكثر من عام.
التساؤل المُحِق إن كان السيد أردوغان بطل أم مشعل نار في السياسة التركية الداخلية والخارجية على حد سواء؟
في البحث عن إجابة/ إجابات على هذا التساؤل يتم ذكر الكثير من النقاشات والاستنتاجات، منها:
• التحولات الجذرية التي أدخلت على منظومة الحوكمة بكافة مساراتها وبالأخص في الجانبين الأمني والاقتصادي جعلت من تركيا لاعب مهم وتحد كبير في الإقليم، فتصفية الولاءات الأمنية للخارج التركي أو للعناصر المتنفذة الداخلية جعل الكثير من الإشكاليات العميقة، كسيطرة الجيش والأمن على مفاصل الدولة تحت حجة الحفاظ على الجوهر العلماني للدولة، والصراع الدامي مع القومية الكردية التاريخي، إشكاليات يمكن السيطرة عليها وتجاوزها من خلال حلول إبداعية، كتصريف الجيش والقوات العسكرية المنتشرة داخل جغرافيا البلاد وفي محيط المدن الكبيرة إلى مواقع قتالية حدودية، وما بعد حدودية، كانتشار الجيش التركي في قواعد ومهمات خارجية، كقطر والصومال، الشمال السوري، العراق، أذربيجان، أفغانستان، وليس آخرًا ليبيا؛ ليصبح الجيش التركي ذات تأثير مهم وفاعل إيجابي يخدم المصالح القومية التركية التي أُعيد تدويرها وكتابتها من جديد بعد صعود حزب العدالة والتنمية للحكم، بثوب قومي تركي معاصر وعثماني إسلامي عريق.
وليس عبثًا أن يؤدي ما سبق إلى إطلاق العنان للسوق التركي من تجارة عالمية وصناعات متقدمة التي يقودها إطار رأسمالي متزن، بعد تحرره من سطوة الجيش وجماعات النفوذ؛ ليضع الاقتصاد التركي في سُلّم المنافسة على الصعيد المحلي والإقليمي، جاعلًا منه أداة استقرار ونحو داخلي، ومؤثر إيجابي خارجي؛ وبالتالي أصبحت تركيا بتحولاتها دولة معاصرة ذات شكل ومضمون مغاير لما كانت عليه قبل بدابة الألفية الثانية، وفاعل أساسي في المشهد اليومي للمنطقة، وللعالم إلى حد كبير.
اليوم وبعد مرور 100 عام على إنشاء الجمهورية التركية، ينظر الأتراك إلى أنفسهم كقومية لها هوية تاريخية عريقة أُعيد إحياؤها، ضمن وعي تقدمي متجدد، منافس للتجمعات الهوياتية المتعددة في المنطقة، وعلى رأسها التحدي الهوياتي للجماعة اليهودية داخل كيانها الصهيوني الاستعماري في فلسطين.
تركيا بشعبها ومواردها وقيادتها الثورية الحداثية الواعية، أعادت مجددًا الأنظار إليها، كعامل استقرار وتغيير في الشرق الأوسط عمومًا، يعتبر أردوغان الرمزية الواضحة لهذا المسار التركي الحداثي، ومع صعوده للحكم يؤكد التحدي مجددًا للمشروع الذي قدمه حزب العدالة والتنمية التغييري أمام المشاريع الضعيفة والزائفة في المنطقة.
أردوغان ما زال واقفًا لأنه صاحب مشروع فاعل وواعي، يقف خلفه الشعب التركي الذي أصبح مؤمنًا بأن له هوية حضارية عريقة، وعنده القدرة على أن يكون في مقدمة الأمم المتقدمة والحديثة.
ليكون البطل الذي أشعل نيران التغيير اللاهبة أمام كل التحديات.