منتدى التفكير الإقليمي
غازي أبو جياب
ترجمة حضارات
أشعلت جولة القتال الأخيرة في غزة، والتي بدأت باغتيال ثلاثة من أبرز قادة الجهاز العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة، الخطاب مرة أخرى حول السياسة المعروفة باسم الإجراءات المضادة المستهدفة "الاغتيالات".
دون الدخول في نقاش حول البعد الأخلاقي والقانوني لهذه السياسة، دعونا نركز على عواقبها ونفحص ما إذا كانت تروج بالفعل للأهداف المعلنة لمؤيديها، أو ما إذا كانت تؤدي إلى نتائج عكسية مما كان متوقعًا منها؟.
الذاكرة الجماعية للجمهور اليهودي في "إسرائيل" قصيرة، هذا هو السبب في أنه من المفيد فتح كتب التاريخ، ومعرفة ما أنتجته سياسة الإجراءات المضادة المستهدفة "الاغتيالات".
ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالمستوى السياسي والأمني المنوط بصياغة وتنفيذ هذه السياسة، يبرز هنا عدد من الأسئلة المهمة التي تميل إلى تجاهلها أو قمعها، ما هي درجة فعالية سياسة الإغتيالات التي تركز على الجانب؟ للنهوض بأهداف سياسية؟ هل تهدف الاغتيالات فقط إلى إزالة تهديد مباشر؟ إلى أي مدى تلعب الرغبة في الانتقام دورًا في هذا السياق؟ وهل تم فحص تأثير هذا النمط من العمل على الجمهور الفلسطيني بعمق من زاوية التطابق المفرط مع منظمات المقاومة أو الابتعاد عنها؟.
إن إلقاء نظرة خاطفة على تاريخ الاغتيالات ومراجعة أبرز حالاتها، يظهر بوضوح أن هذه السياسة قد فشلت فشلاً ذريعاً ولم تحقق أي هدف ذي قيمة.
وللتذكير، يمكن أن نذكر مقتل عباس موسوي الذي سبق نصر الله في منصبه كأمين عام لحزب الله، قُتل مع زوجته وابنه في جنوب لبنان عام 1992 بعد هجوم شنته مروحيات الجيش الإسرائيلي على قافلة سيارات كان يستقلها.
مقتل أبو جهاد في تونس عام 1988، واغتيال فتحي الشقاقي الأمين العام السابق للجهاد الإسلامي في مالطا عام 1995، واغتيال أبو علي مصطفى أمين عام الجبهة الشعبية عام 2001، اغتيال الشيخ أحمد ياسين زعيم حماس عام 2004، وقائمة طويلة من القادة والناشطين الفلسطينيين بينهم كاتب بارز مثل حسن كنفاني كان سلاحه الوحيد قلمه.
وقد أدت الاغتيالات في أغلب الأحيان إلى تقوية التنظيمات التي تمت تصفية قادتها أو عناصرها، لا سيما التنظيمات الإسلامية.
في سياق انطلاق المعركة الأخيرة في غزة واغتيال قادة الجهاد الثلاثة، يمكن ملاحظة الأجواء البهيجة التي عُبّر عنها في التصريحات المتحمسة للرتب السياسية والعسكرية في "إسرائيل"، بالإضافة إلى المعلقين المختلفين.
كلهم وصفوا عملية الاغتيال، التي اعتبروها إنجازًا استخباراتيًا وتشغيليًا لا مثيل له.
من أجل وضع الأمور في صوابها بعيدًا عن الخطاب والمبالغة التي غالبًا ما تُطلق في "إسرائيل" بعد عملية التصفية، من الضروري توضيح بعض الأمور وملاحظة عدد من الحقائق ذات الصلة بالحدث المعني:
كان ضحايا الجهاد الثلاثة في أماكن إقامتهم وفي وسط عائلاتهم عندما قصفت منازلهم، كانت عناوينهم معروفة ولم تتطلب أي جهد استخباراتي لتحديد مكانهم.
وبحسب العديد من المصادر، كان من المفترض أن يتوجه الثلاثة اليوم التالي إلى مصر، لم يكن من الصعب على الشاباك استيعاب هذه المعلومات لأنه لم يتم تصنيفها على أنها سرية للغاية.
جهاد غنام، الذي وصفته وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنه أمين سر المجلس العسكري لحركة الجهاد في قطاع غزة، رجل مسن، بترت قدماه بسبب محاولة سابقة لاغتياله. كان مع زوجته في منزله في تلك الليلة.
كما مكث خليل البهتيني في منزله مع زوجته وابنتيه، طارق عز الدين، أحد المحررين في "صفقة شليط" وفاء الأحرار الذي تم ترحيله إلى غزة، كان في المنزل مع طفليه الصغيرين وزوجته.
ألم يكن الشاباك يعلم مسبقا أن الثلاثة سيقابلون موتهم مع عائلاتهم بما في ذلك الأطفال والنساء؟، يمكن القول بكل تأكيد أن الشاباك يعرف بالتأكيد.
وبحسبه ووفقًا لتوضيحات المتحدثين باسم الحكومة والمتحدثين باسم الجيش، لم تكن هناك نية لقتل الأطفال والنساء، لكن هذا ضرر عرضي يجب اعتباره أمرًا مفروغًا منه.
في هذه المناسبة يجوز أن نسأل، هل قصد حاييم نحمان بياليك الأطفال اليهود فقط، عندما كتب "انتقام ولد صغير لم يخلقه الشيطان بعد"؟
لست بحاجة إلى أن تكون خبيرًا كبيرًا في المجال التكنولوجي، لفهم أن قصف ثلاثة أهداف ثابتة في نفس الوقت أو بفارق ثوانٍ ليس شيئًا عبقريًا أو غير عادي، خاصة عندما تعلم أن الهجوم تم تنفيذه من الجو، بمشاركة نحو أربعين طائرة بحسب منشور للجيش الإسرائيلي.
في ظل كل هذه الحقائق والمعطيات يصعب فهم سبب ظهور كل هذه الضجة، بما في ذلك كلمات المديح للجيش والشاباك.
تأثير أي اغتيال مؤقت وعابر، كل الأشخاص والنشطاء والقادة الذين قتلتهم "إسرائيل" في إطار هذه السياسة، نشأ آخرون في ظلهم، وبعضهم أكثر موهبة وجاذبية من أسلافهم.
عمليات التصفية لا تخلق أي ردع ولا تسبب فراغًا أو تقطع سلسلة القيادة، في هذه المنظمات لا يوجد هيكل لجيش نظامي، محمد ضيف ليس خريج كلية عسكرية.
إذا لم يكن للمخابرات الإسرائيلية مثيل في العالم بأسره، كما يدعي الكثيرون في "إسرائيل"، فيجوز التساؤل عن سبب فشل هذه المخابرات حتى الآن في تحديد مكان أو قتل محمد ضيف، المطلوب منذ ما يقرب من ثلاثين عامًا، ولا يزال في قطاع غزة ورئيس كتائب عز الدين القسام؟.
إلى جانب السؤال العملي حول فائدة سياسة الاغتيالات، يجب طرح السؤال الأخلاقي، هل من الممكن تطبيق عذر الضرر الجانبي على أي عمل يقوم به فلسطيني يفجر نفسه، على سبيل المثال، داخل مجموعة من الجنود على متن حافلة، ونتيجة لذلك أصيب عشرات المدنيين الإسرائيليين، ثم ادّعوا أنه كان ينوي إلحاق الأذى بالجنود فقط؟.