أبو مازن والرَّحيل المُنتظَر

إسلام حامد

باحث وأسير فلسطيني

عجيب أمر رئيس سلطة رام الله الذي ما زال هنا، ببساطة لم يرحل، مع أن جميع الأطراف المعنية بالقضية الفلسطينية ينتظرون الرحيل المدوي الذي بالحتم سيكون له تأثير كبير، ليس على القضية الفلسطينية فقط، بل على المنطقة أجمع.

في الكيان الصهيوني أصحاب اليد الطولى في اللعبة السياسية والعسكرية في المنطقة، الأكثر متابعة لوضع أبو مازن الصحي، وغيره من تقلبات معروفة عنه، يعتبرون أن الاستفهام يجب ألا يكون عن وضع أبو مازن الصحي، بل لمصلحة من الحديث عن هذا الموضوع في هذه الأوقات.

بعد التحليل للأخبار المتداولة، فإن الجهة التي أطلقت قطارها وأثارت النقاش الواسع كانت جريدة "الأخبار اللبنانية"، ليتم تركيب الخبر على أجنحة وتمريره في الإعلام العبري، ليعبر فوق سماء الكيان الصهيوني محدثاً زوبعة الريح المتوقعة.

جريدة" الأخبار اللبنانية" تقدم في الإعلام العبري على أنها الناطقة باسم حزب الله اللبناني، التي تطبق أجندات وسياسات محددة تمثل الأهداف الإيرانية في المنطقة، بكلمة أخرى أجندات  وسياقات الجريدة يتم هندستها وتوجيهها بما يناسب ويخدم المصالح الإيرانية.

في ذات التحليل يبرز من قد يكون خلف تلك الأخبار (أي مصدر المعلومات) في ظن الكاتبة الصهيونية "سيميدار برّي" المقربة من المنظومة الأمنية أن رجالات حركة حماس في الضفة الفلسطينية يقفون خلف المعلومات الواردة حول صحة أبو مازن، أو قد يكون أحد المتنافسين على كرسي الرئاسة من جهة أخرى.

"برّي" تحدثت عن أبو مازن ابن 88 عام كشخص متمسك بالسلطة ورافض لإجراء الانتخابات العامة داخل هياكل السلطة، الانتخابات التي جلبت أبو مازن للرئاسة كان من المفترض أن تكون لـ 4سنوات، إلا أنها امتدت حتى الآن لـ 19عاماً، على غرار منظومات الحكم العربي الدكتاتورية، فإن سلطة رام الله امتداد طبيعي لمسار الحكم التسلطي.

في هذا العمر طبيعي ألا يكون في صحة كاملة، لذا هو بحاجة لأن يتم عرضه على الأطباء وإجراء الفحوصات الدورية والمتخصصة، كما أن زوجته أمينة التي اختارت مؤخراً العيش في فيلا أبو مازن الخاصة في الأردن، كانت قد تلقت علاجات طبية في مشفى "إيخلوف-تل أبيب".

وكشفت "سيميدار برّي" أن أبو مازن وصل بشكل سري إلى داخل المستشفيات المراكز الطبية داخل الكيان الصهيوني لإجراء فحوصات وعلاجات طبية، قبل أن يعلن عن زعلِه من شركائه في السلام ويمتنع عن تلقي العلاج في الداخل المحتل.

ومن ضمن المتابعة فإن المعلومات المأخوذة من المقربين منه تشير إلى تخفيفه من التدخين بشكل لافت خلال الأشهر الأخيرة، فهو معروف عنه الشراهة في التدخين، ولوحظ ازدياد في وزنه مؤخراً، واختلاف في نبرة صوته.

هذه المعلومات وغيرها التفصيلية يتم تداولها داخل الأروقة في الكيان الصهيوني، التي تؤدي -وعلى غرار النقاش الدارج في الإطار السياسي والأمني الفلسطيني حول خليفة أبو مازن- إلى نقل النقاش ذاته إلى المنظومة الأمنية والسياسية في الكيان الصهيوني بشكل أكثر عمقاً وتحليلاً، كون البديل لأبي مازن، الفوضى (أي المقاومة) أو المزيد من تبعية حكام مقاطعة رام الله للكيان الصهيوني واحتياجاته الأمنية.

أسماء مثل حسين الشيخ أمين سر منظمة التحرير، ماجد فرج مدير عام المخابرات الفلسطينية (والمفضل لدى الكيان الصهيوني)، مروان البرغوثي المحكوم عليه بالمؤبد في سجون الكيان الصهيوني، ومحمد دحلان المقرب من حكام دبي، كل واحد من هذه الأسماء وقد يكون غيرها كالعالول والرجوب، ينتظرون تلك اللحظة التي يخرج محمود عباس من الحياة السياسية، بموته أو غياب قسري عن السلطة، ويضاف إلى الآمال السابقة حركة حماس التي تعتبر الخصم والمنافس الأقوى ليس لشخص أبو مازن فقط وأتباعه، بل للمشروع الذي تم صياغته وإعداده على يد الجنرال الأمريكي "كيث دايتون" الذي جعل من المنظومة الأمنية التي تُدار من مقاطعة رام الله الأداة والوسيلة الطيعّة بيد الكيان الصهيوني والمشروع الاستعماري التطبيعي في المنطقة العربية.

يتزامن هذا الإعلان عن الوضع الصحي لأبي مازن مع دعوة الرئيس الصيني شي جي بنج الذي يتحرك في وساطة لعلها تثمر بين السلطة في رام الله والحكومة في تل أبيب عن إعادة إحياء مسار المفاوضات العالق لسنوات عدة.

هذا الدور الصيني يأتي في سياق النجاحات التي قادت إلى المصلحة بين السعودية وإيران، في ممارسة تعتبرها الصين الفعل الذي يضعها في المكان الصحيح بين الكبار في اللعبة الدولية.

إلّا أن الاهتمام بالوضع الصحي لأبي مازن أخذ الحضور الأكبر لأهمية هذا الموضوع بالمناسبة كان من الممكن إثارة الحالة الصحية تلك قبل شهر أو بعد شهر وقد يتم الحديث عنه غداً كما هو مرجح، لكن في يوم ما سيحصل الأمر، ويرحل أبو مازن.

وأقتبسُ ختاماً ما قالته "سيميدار برّي" أننا كصهاينة سنتذكر أبو مازن بعد رحيله باشتياق، القائد الذي قدم الأموال لعائلات (الإرهابيين) أي (الأسرى والشهداء) لكنه بنفس الوقت كان الذي منع تنفيذ العمليات (الإرهابية)أي (المقاومة) وقتل اليهود!!

                                                                                       

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023