بعد الهزيمة .. هل سيعود الجيش إلى جنين؟
للإجابة، يجب الانتباه إلى أن المواجهة المفتوحة بين المقاومة الفلسطينية في الضفة والكيان الصهيوني منذ عام ونصف بشكل متواصل، أربكت الحسابات عميقًا في عقل المقدر الأمني التي تواجهه، كالانتفاضات الشعبية، أو المقاومة المسلحة بصورها المتنوعة فردية/جماعية، ومن ذلك ظهور تبدلات عدة في السياقين الفلسطيني والصهيوني.
فعلى الصعيد الفلسطيني يعود تطور المقاومة وحضورها إلى مسارات عدة منها:
• تبدل جيل الانقسام بآخر جديد متحرر من سطوة سلطة رام الله وأجهزتها الأمنية.
• وعي جمعي حقيقي متقدم ومتغلغل في العقل الفلسطيني الشاب.
• نباهة اجتماعية قدمت نماذج كعرين الأسود والكتائب المحلية المقاتلة في المناطق، المتمردة على "الاستعمار" كما عند (شريعتي).
• انكفاء سلطة رام الله على ذاتها داخل أسوار المقاطعة، وتحصنها فيها بإسناد من بقايا حاضنتها الاجتماعية المحدودة والمنبوذة، لتكون في زاوية المشهد الفلسطيني البعيدة.
• حضور السلاح بكافة أنواعه بين عموم الشعب الفلسطيني باختلاف مصادره.
• عملية سيف القدس التي سجلت نفسها كحدث مؤسس للمقاومة الفلسطينية.
أما على صعيد التبدلات في السياق الصهيوني فتقدم كـ:
• عدم القدرة على حسم المعارك التي تواجه الكيان في الجبهات المختلفة.
• فشله أمنيًا أمام التمظهرات المسلحة العابرة، أو التي تحولت إلى فعل مقاوم منظم ككتيبة جنين وفصائل المقاومة معها.
• انكشاف عملية التعاون والتنسيق الأمني مع سلطة رام الله؛ مما عجّل في إضعاف السلطة وازدياد عدم ثقة الجمهور الفلسطيني بها، لذا هي غير موجودة في شمال الضفة، وبالتالي ساهم ذلك في حرية العمل المقاوم وصموده أمام قوات العدو الصهيوني.
• صعود حكومة يمينية متطرفة أزالت جميع الوجوه (النظيفة!!) المزيفة عن الكيان، من خلال القتل بأبشع صوره، والاستيطان الاستعماري بأشكاله الكثيرة.
• تشكل جغرافيا المقاومة من جنين حتى نابلس، كبؤر مقاومة ونقاط ارتكاز؛ لتكون خارج سيطرة الكيان وقواته الغاشمة، أو سيطرة السلطة عليها.
• كل عملية عسكرية يقوم بها الجيش، كمعركة جنين الأخيرة (بأس المخيم)، تتحول إلى (مفجرٍ للجبهات) كسلسلة العمليات المنظمة الأخيرة التي قادتها حماس في مستعمرة عيلي وكدوميم، وصولًا إلى إطلاق صاروخ الدفاع الجوي السوري الذي وصل إلى جنوب فلسطين.
• تقادم النظريات الأمنية المستخدمة في الصراع، كالردع – إدارة الصراع - ومعركة بين المعارك وغيرها التي أصبحت تعتبر غير ذات صلة بالوضع الفلسطيني الراهن والمستجدات الطارئة عليه، والإعلان الضمني عن فشلها وتقادمها، دون إيجاد البديل عنها.
وليس آخرًا، السؤال، ماذا يمكن أن يفعل رابين لشخص يريد أن يموت؟
وبين هذين السياقين تبرز علامات الاستفهام المعقدة حول الإمكانيات الأمنية والعسكرية لدى الكيان الصهيوني فيما يمكن وصفه بالقدرات الضائعة والتي لا يمكن استخدامها، للتبدلات السابقة، ولعجزها على أن تقود الكيان إلى تحقيق الإنجاز والتفوق المعهود عنه في الميدان.
ليبقى عودة الجيش إلى جنين أو غيرها من بؤر المقاومة رهينة لغطرسة الكيان الصهيوني وغبائه.
وعدم قراءته للحالات المسلحة بشكل واعي ومتفحص، كون المناطق تمتلك من الإرادة والقوة ما تغير به الواقع.
الأسير الكاتب/ إسلام حسن حامد
07/07/2023