هآرتس
جاكي خوري
في ظل العملية التي نفذها الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين، والتصعيد العام في أراضي الضفة الغربية، تحاول الساحة الفلسطينية فهم ما إذا كانت الفصائل الفلسطينية تواجه تصعيدًا في أعمال المقاومة ضد العدوان الإسرائيلي.
إعلانان نشرتهما حماس والجبهة الشعبية الأسبوع الماضي، كل يوم على حدة، حيث تحملت المنظمات المسؤولية عن هجمات إطلاق النار التي وقعت في الأسابيع الأخيرة، قد يشير إلى الانتقال من نشاط يغلب عليه الطابع الشعبي، والذي يعتمد على الإجراءات الفردية، إلى النضال التنظيمي المؤسسي.
لكن البعض يعتقد أن رسائل المنظمات، وكذلك رسائل السلطة الفلسطينية، تتلخص في محاولات إعلامية لتهدئة الغضب في الضفة الغربية.
قال المتحدث باسم الجناح العسكري لحركة حماس، أبو عبيدة، الخميس الماضي من مقره في قطاع غزة، إن الحركة تتحمل المسؤولية عن ثلاث هجمات - في رمات حائل في تل أبيب، وقرب مستوطنتي قدوميم، وعيلي، وبحسبه فإن عناصر من الجناح العسكري لكتائب الدين القسام هم من نفذوا الهجمات.
وقال أبو عبيدة: "عندما قالت كتائب القسام إن جنين ليست وحدها - فعندئذ تعرف ما تقوله، هذه الهجمات هي رد سريع على عدوان الاحتلال، وتوضح أن كتائب القسام في حالة تأهب دائم".
في اليوم التالي، أعلن الجناح العسكري للجبهة الشعبية "كتائب أبو علي مصطفى" أن الفلسطينيين اللذين استشهدا في تبادل لإطلاق النار مع الجيش الإسرائيلي في نابلس كانا من بين رجالهما - وهما اللذان قبل ذلك بأيام، نفذ إطلاق النار في منطقة جبل جرزيم في نابلس.
هذان الإعلانان الصادران عن الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية يختلفان بشكل واضح عما هو متعارف عليه؛ فعادة ما ترد حماس والجهاد الإسلامي، وكذلك الجبهة الشعبية، على الهجمات على الفور وبتعبير عن الدعم - لكن تمتنع عن تحمل المسؤولية المباشرة عنها، وبالفعل، فإن معظم الهجمات في العامين الماضيين نفذها أفراد - حتى لو تم تشجيعهم من قبل التنظيمات.
وبحسب ناشط ميداني مخضرم في مخيم جنين، تحدث لـ "هآرتس"، فإن العملية التي جرت في جنين الأسبوع الماضي أدت إلى زيادة الضغط الشعبي على السلطة الفلسطينية وأجهزتها، وكذلك على منظمات المقاومة الفلسطينية - خاصة حماس و الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية.
وبحسب الناشط، فإن سكان الضفة الغربية محبطون من عدم قدرة السلطة الفلسطينية على الرد على العدوان الإسرائيلي، وينتقدون حقيقة أن المنظمات تكتفي بإدانة أفعال "إسرائيل".
قد تكون هذه الروح الجماهيرية هي التي دفعت نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، صالح العاروري، في مقابلات أجراها الأسبوع الماضي، إلى الدعوة لإشعال الضفة ومحاربة الاحتلال بكل الوسائل.
هناك من في الضفة الغربية يربط كلام العاروري بإعلان أبو عبيدة عن تحمل حماس المسؤولية عن الهجمات، ويريدون رؤية ذلك كدليل على أن المنظمة غير راضية بكلمات الدعم والإدانة - بل بالمبادرات والأفعال على الأرض.
ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت حماس ومنظمات المقاومة الأخرى لديها حاليًا القدرة التنظيمية واللوجستية لتشغيل خلايا في جميع أنحاء الضفة الغربية.
وقال مسؤول كبير سابق في جهاز الأمن الفلسطيني لـ"هآرتس" إن التنظيمات لها عناصر في الميدان، لكنها في الوقت الحالي منظمات محلية ووسائلها محدودة للغاية.
لذلك، حسب قوله، من المشكوك فيه ما إذا كانت تصريحات تحمل المسؤولية تعبر عن تدهور في أنشطة التنظيمات، بحيث تتلقى تعبيرا لوجستيا وماليا، أو ما إذا كانت بالأساس عمل إعلامي فقط.
وبحسب مصدر سياسي في حماس، فإن التصريحات والرسائل التي سمعناها الأسبوع الماضي تعبر عن انتقال طبيعي، بل ومطلوب، من مقاومة شعبية قائمة على النشاط الفردي إلى تنظيم مؤسسي.
وعلى حد قوله، فإن عملية مأسسة المقاومة تبدأ غالبًا بتبني النضال الشعبي لصالح الفصائل، وهذا هو الاتجاه السائد حاليًا في حماس.
السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت أنشطة المنظمة ستنجح في تحدي السلطة الفلسطينية وتشكيل مقاومة قوية ضد "إسرائيل".
على أية حال، فإن تحركات الجيش الإسرائيلي في جنين ونابلس تعزز من توجه التنظيمات إلى أعمال المقاومة، والتي من المتوقع أن تتوسع طالما لم يلوح في الأفق أي تحرك سياسي.
كما أن الضغط في الضفة يعطي إشاراته في أوساط فتح، حيث ينشط في جنين نشطاء منها بعضهم مسلح.
صحيح أن الوضع في التنظيم والسلطة الفلسطينية أبعد ما يكون عما كان عليه في الانتفاضة الثانية - عندما دعم النضال رئيس السلطة ياسر عرفات وتنظيم فتح بقيادة مروان البرغوثي.
الآن السلطة والتنظيم ممزقان بين محاولة الحفاظ على النظام في الضفة ومنع الفوضى في المنطقة، والاستجابة للجو العام الذي يدعم النضال.
في محاولة للتجاوب مع العقلية السائدة في الشارع الفلسطيني، زار مسؤولو فتح جنين مرتين الأسبوع الماضي -حتى بعد إهانتهم خلال زيارتهم الأولى لمخيم اللاجئين- وأشاروا إلى الحاجة إلى الوحدة الوطنية الفلسطينية.
تدرك كل من السلطة وفتح أهمية جنين، وبالتالي قام رئيس السلطة، محمود عباس، بزيارة المدينة والمخيم اليوم (الأربعاء).
كما أن رد الحكومة الفلسطينية على إعلان مجلس الوزراء السياسي والأمني بشأن منح تسهيلات للسلطة الفلسطينية بشروط معينة قد يشير إلى الإحباط المتزايد في جنين والضفة الغربية ككل.
في بداية اجتماع الحكومة في رام الله، قال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتيه، إن السلطة الفلسطينية ترفض تجميد إجراءاتها ضد "إسرائيل" على الساحة الدولية، ولن تتوقف عن دفع المخصصات لعائلات الأسرى الأمنيين - شرطان من التي حددها مجلس الوزراء المصغر الإسرائيلي.
"المطلوب هو إنهاء العدوان على الشعب الفلسطيني، ووقف القتل، ووقف الاستيطان، ووقف نهب أموال الضرائب - ونحتاج إلى العودة إلى مخطط نهاية الاحتلال بناء على قرارات المجتمع الدولي".
ووصف مسؤول فلسطيني كبير تحدث لـ "هآرتس" الشروط التي وضعتها "إسرائيل" لمنح التسهيلات بأنها مذلة، وأعرب عن مخاوفه من أن يؤدي الاستسلام للشروط إلى انهيار السلطة.
وقال: "إذا وافقت السلطة على وقف الإجراءات أمام محكمة العدل الدولية أو أي هيئة دولية أخرى، أو إذا توقفت عن دفع المخصصات، فإنها ستفقد ما تبقى من شرعيتها، وقريباً سيطالبون بأن يكون علم "إسرائيل" في المقاطعة هو علم "إسرائيل" وليس علم فلسطين".
جنباً إلى جنب مع السلطة الفلسطينية والفصائل العاملة على الأرض، لا ينبغي تجاهل أن قوة اقتصادية كبيرة تظهر في الضفة الغربية على شكل رجال أعمال وتجار يرغبون في تجنب تصعيد أمني.
كما يشكل دخول العمال من الضفة الغربية وغزة للعمل في "إسرائيل" عامل توازن ضد القوى التي تسعى إلى تكثيف المقاومة.
ومع ذلك، عندما تشتعل النار في الأرض، من المشكوك فيه ما إذا كانت هذه المصالح الاقتصادية لديها القدرة على وقف التدهور.
بالنسبة للعديد من سكان الضفة الغربية، لا يكفي التحسن الاقتصادي والظروف المعيشية المحسنة، عندما تُداس حقوقهم الوطنية وتُصادر أراضيهم من أجل المشروع الاستيطاني.
في هذا السياق، يجب أن نتذكر أن الانتفاضتين الأولى والثانية اندلعتا في النضال من أجل حق تقرير المصير، وليس احتجاجًا على الفقر في الشارع الفلسطيني.