معهد بحوث الأمن القومي
كوبي ميخائيل
زار أبو مازن جنين -في 12 تموز (يوليو) 2023- بعد 11 سنة من زيارته الأخيرة عام 2012، وقبل وصوله وصلت قوات من الأجهزة الأمنية الفلسطينية إلى المدينة ومخيم اللاجئين لتهيئة الظروف لنجاح الزيارة، وفي يوم الزيارة نفسه، كان المئات من عناصر الأجهزة الأمنية متواجدين في جميع أنحاء المدينة.
مرت الزيارة بسلام، وابتلعت هتافات الحشد وبعض المحاولات الصغيرة لشبان من كتيبة جنين لتعطيلها واحتجاجاً على السلطة الفلسطينية وأبو مازن.
من جهته، يمكن لأبو مازن أن يختتم الزيارة بالنجاح، حتى لو تلاشى نجاحها بسرعة، إذا لم تنجح السلطة الفلسطينية في الاستفادة منها بهدف تجديد حكمها في المنطقة وإقامتها أيضًا في المناطق الأخرى داخل أراضي السلطة الفلسطينية.
يبدو أن مصدر إصرار السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية هو شعور حقيقي ومتزايد بالتهديد من قبل قيادة السلطة الفلسطينية من سيطرة حماس على منطقة جنين ومن ثم على مناطق أخرى.
الزيارة مطلوبة من قبل قيادة السلطة كدليل على القدرة أمام الشعب الفلسطيني، كتحدٍ ورسالة لحماس والجهاد الإسلامي اللتين تسعيان إلى زعزعة استقرارها ومكانتها وشرعيتها، ولكن ليس أقل من ذلك، الزيارة هي رسالة للجمهور الإسرائيلي وقيادته السياسية والأمنية وللمجتمع الدولي، بما في ذلك العالم العربي.
تهدف الرسالة، إلى إثبات القدرة، وإلى إقناع الدول المساهمة في إعادة تأهيل مخيم اللاجئين، بالقيام بذلك من خلال السلطة، مما سيسمح للسلطة بالسيطرة على عملية إعادة الإعمار، ومواردها وتقديمها لسكان جنين والجمهور الفلسطيني كمبادرتها الخاصة، مما يساعد على استعادة مكانتها وتعزيز شرعيتها.
يهتم سكان مدينة جنين بالأمن وفرض القانون والنظام، والحكم الفعال للسلطة الفلسطينية له أهمية كبيرة بالنسبة لهم.
من المحتمل أن تكون زيارة أبو مازن قد اعتُبرت في نظرهم حدثًا مهمًا يبشر بعودة السلطة الفلسطينية إلى المنطقة، وبالتالي من المحتمل أن تكون هتافات الحشد حقيقية في الغالب.
لدى "إسرائيل" الإمكانية، وسيكون من المناسب لها أن تعمل من أجل تحقيقها، لمساعدة السلطة على التوسع وإحكام سيطرتها على منطقة جنين من خلال تعميق التنسيق الأمني، والسماح للأجهزة الأمنية الفلسطينية بالعمل في المنطقة، وكذلك في إطار اتفاقيات المطلوبين مثل تلك التي عرفناها في الماضي، ولاحقًا أيضًا في مناطق أخرى، جنبًا إلى جنب مع سلسلة من التحركات الاقتصادية تدعم وتحد بشكل كبير من العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.
في المقابل يبقى السؤال المقلق في الأجواء، لماذا تجنب أبو مازن مثل هذا التحرك قبل عامين، قبل الكارثة؟، سواء لم يفهم حجم التهديد للسلطة نفسها، أو ما إذا كان يعتقد أنه يمكن أن يركب على ظهر نمر (كما كانت عادة عرفات في بداية الانتفاضة الثانية وبشكل عام)، كالعنف والمقاومة، عندما يُنظر إليهما على أنهما متعمدان تجاه "إسرائيل" لتغيير سياستها، فإن المعنى مقلق بالتأكيد.