المغرب وإسرائيل تعملان على دفء العلاقات .. ويتعين على الفلسطينيين وسكان الصحراء الغربية الانتظار

معاريف

جاكي خوجي



عبرت إسرائيل النهر ولا طريق للعودة، وبعد سنوات من الحياد، قررت الاعتراف بسيادة المغرب على المنطقة المتنازع عليها، هذا الصراع له أوجه تشابه مع القضية الفلسطينية.

في نهاية الأيام، عندما يكتب بنيامين نتنياهو مذكراته عن حياته المهنية الطويلة كرئيس للوزراء، سيكون من المثير للاهتمام إذا تطرق إلى هذا الأسبوع.

كشف القصر الملكي في المغرب، الإثنين، أن إسرائيل قررت الاعتراف بسيادة المملكة على الصحراء الغربية، وهي منطقة متنازع عليها على ساحل المحيط الأطلسي، تحدها المغرب من الجنوب، وسكانها يطالبون بالاستقلال عنها، والمغرب يصر على اعتبارها ملكية موروثة، ويتوقع من أصدقائه في جميع أنحاء العالم دعم موقفه.

هذا الأسبوع، وبعد سنوات من الضغوط التي تصاعدت خاصة مع تجدد العلاقات بين الرباط وتل أبيب، قرر نتنياهو الخروج عن عادات الحكومات الإسرائيلية وإعلان أن الصحراء الغربية جزء لا يتجزأ من أرض المغرب، وجاء في الرسالة التي بعث بها إلى الملك أن إسرائيل ستنشر من الآن فصاعداً موقفها في وثائقها الرسمية وستبلغ المنظمات الدولية ذات الصلة وعلى رأسها الأمم المتحدة.

من غير المعتاد أن تكون إسرائيل مستعدة للانحياز إلى طرف في نزاع دولي؛ فموقفها المبدئي طويل الأمد لا يوافق على التدخل في المشاكل الداخلية للآخرين؛ لذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان وراء قرار رئيس الوزراء بالإضافة إلى ضرورة تعزيز العلاقات دافع شخصي.

بنيامين نتنياهو هذه الأيام لا يحظى بالشعبية في العواصم العربية والغربية كما كان حتى قبل عامين أو ثلاثة أعوام، كما تم تجميد الخيار السعودي، والعالم كله لا يبتسم له، وبالفعل، بعد يومين من نشر تلك الرسالة، تلقى رئيس الوزراء دعوة ملكية لزيارة المغرب.



عمليات وجدار عازل

الصحراء الغربية أرض شاسعة تحدها، بالإضافة إلى المغرب، الجزائر وموريتانيا، ومساحتها أكبر 12 مرة من أراضي إسرائيل، حكمها الإسبان لمدة تسعة عقود، ولكن على مر السنين خرجت منها حركة مقاومة محلية، "جبهة البوليساريو" وبدأت في الانتقام من المحتل الأجنبي، وفي عام 1976، تراجع الإسبان وعادوا إلى ديارهم، وبعد ثلاث سنوات أعلنت الجبهة من جانب واحد استقلال سكان القطاع.

رفض المغرب قبول الإعلان وأرسل قواته للسيطرة على الصحراء، وشجع الحسن الثاني، والد الملك الحالي، الهجرة إلى أراضي المنطقة، وبالتالي زيادة عدد سكانها من المواطنين المغاربة، ولم تستسلم "جبهة البوليساريو" وشن رجالها حملة دموية ضد جنود الجيش المغربي.

ببطء وبشكل تدريجي، زادت الرباط من إجمالي قواتها في المنطقة، بل وأقامت أسواراً فاصلة حول المدن الثلاث الكبرى.

جاء الوسطاء الدوليون وذهبوا على مر السنين في محاولة لتسوية الصراع - ولكن دون جدوى حتى الآن، حيث أصر المغرب على أن المنطقة جزء لا يتجزأ من أراضيه.

تبدو مألوفة؟ في الواقع، هناك العديد من أوجه الشبه بين هذا الصراع والمشكلة الفلسطينية؛ فبسببهم، من بين أمور أخرى، ترددت إسرائيل في الانحياز إلى جانب واحد - حتى لا يتم التماهي مع دعم الاحتلال.

بالنسبة للمغرب، فإن السيطرة على الصحراء الغربية هي القضية الأولى المهمة في العلاقات الخارجية؛ لهذا السبب، تعمل الدبلوماسية المغربية بلا كلل لحشد الدعم الدولي لموقفها، العالم في الغالب ليس في عجلة من أمره للرد بشكل إيجابي، وقد نجح المغرب -حتى الآن- في حشد دعم حفنة من الدول، منها السعودية والهند والإمارات العربية المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة، والآن إسرائيل، وهناك أغلبية ساحقة في الاتحاد الأوروبي ضد موقف الرباط، وترى هذه الأغلبية في المغرب دولة محتلة، وإصرارها على اعتبار المنطقة جزءًا من أراضيها - قمع لحقوق الإنسان.

في قرارها بالوقوف إلى جانب المغرب، تخلت إسرائيل عن سكان الصحراء الغربية البالغ عددهم 600 ألف نسمة، الذين يكافحون من أجل تقرير المصير، لكنها جعلت صداقتها أقرب إليها مما كانت عليه في أي وقت مضى.

حتى يوم أمس، كان المغرب هو البلد العربي الذي علاقاته مع إسرائيل هي الأكثر دفئًا بعد الاعتراف الذي حصلت عليه من تل أبيب، تحسنت هذه العلاقات أكثر، إنهم يرتكزون على ثلاث ركائز صلبة: الأمن، السياحة، والدبلوماسية، بهذا الترتيب، الروابط الاقتصادية المدنية ليست في السماء، والروابط الثقافية أكثر فقراً، رغم أن الإمكانات كبيرة، وشواطئ الصحراء الغربية غنية بالأسماك، وتربتها بالفوسفات، وهذان الاثنان قد يغمزان في وجه رجال الأعمال الإسرائيليين، وبالتالي توسيع نطاق التجارة.



مطلوب ملحق عسكري

قبل ساعات قليلة من إعلان القصر المغربي عن الرسالة التي بعث بها نتنياهو إلى الملك محمد السادس، أعلن الجيش الإسرائيلي -ليس من قبيل الصدفة- عن تعيين ملحق عسكري في المغرب، وكانت هذه خطوة ضرورية في ضوء العلاقات الوثيقة بين جهاز الأمن الإسرائيلي ونظرائه في المغرب، حيث سيكون اللواء شارون إيتاح أول ملحق عسكري في الرباط، ولكن ليس الضابط الأول الذي يزور هناك، هبط هناك رئيس أركان الجيش الإسرائيلي في ذلك الوقت أفيف كوخافي، قبل نحو عام.

توجد روابط أمنية متشعبة بين العاصمتين؛ فالمغرب عميل مهم للصناعات الأمنية الإسرائيلية، وكبلد يهيمن على الآخرين، فإنه يحتاج إلى قبضة من حديد.

الكثير من المعدات والتكنولوجيا العسكرية التي تبيعها إسرائيل للمغاربة تهدف إلى مساعدة قواتهم في الصحراء الغربية؛ فلقد انحازت إسرائيل إلى جانب في هذا الصراع منذ سنوات، وإن لم تعلن ذلك، حتى قبل أن تعرب عن دعمها أن المنطقة جزءًا من الأرض المغربية، فقد ساعدت المغاربة بالوسائل العسكرية على تقوية قبضتهم عليها، الآن أكملت الخطوة بخطوة دبلوماسية أيضاً.

كل من صادف مؤخراً مبنى السفارة المغربية في شارع اليركون في تل أبيب لاحظ اللافتة الدائمة أمامه، كتب عليها :"مكتب الاتصال"، كما يتم تحديد البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية في الرباط على هذا النحو، بناءً على طلب المغاربة.

وقريباً، وكتعبير عن الشكر لإعلان الحكومة الإسرائيلية، قد ترفع الرباط العلاقات إلى مستوى السفارات، وستكون ضربة لطيفة على الأنا الإسرائيلية، لكن أهميتها توضيحية بشكل أساسي.

على أي حال، يتصرف الوفدان كما لو كانا سفارات وليس مجرد مكاتب اتصال، وينطبق هذا بشكل خاص على المغرب، الذي يضم وفده في تل أبيب ثمانية دبلوماسيين، ومنذ يوم قدومهم إلى هنا يسكنون ذلك المبنى في تل أبيب، الذي يرتفع إلى أربعة طوابق، وهذا ما تبدو عليه سفارة محترمة وليس مكتب ارتباط متواضع.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023