أكثر ما يتسبب بالقصور وضعف الإنجاز في أي عمل مقاوم هو التصورات المسبقة عن عدم قدرة المقاومة على تحقيق الهدف أو الأهداف المطلوبة، وكثيراً ما يُبنى التصور المسبق على مخيلات واعتبارات لم يتم فحصها بالتجربة الحقيقية والتَّثبُت من مدى إمكان تحقيقها إذا تم توفير كافة أسباب النجاح لها.
ولعل قضية تحرير الأسرى هي من أهم القضايا التي يأسرها التصور المسبق السلبي، حيث كان ولعقود طويلة يعتقد الكثير من المقاومين أن أي عملية أسر يجب أن تكون من خارج فلسطين، ويكون التفاوض هناك، وذلك لأن الاحتفاظ بالجندي داخل فلسطين، خاصة إذا كان الجندي على قيد الحياة أمر مستحيل أو على الأقل صعب جداً، وكان أصحاب هذا الرأي وهم الفئة الغالبة بين المقاومين يُدللون على قولهم بفشل كافة عمليات الأسر التي وقعت في الداخل الفلسطيني قبل العام 2006 وعدم تمكنها من تحقيق هدفها الأساسي وهو تحقيق عملية تبادل وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين من سجون الاحتلال، وهذا الادِّعاء حتى عام 2006 كان صحيحاً، ولكن الناظر في عمليات الأسر تلك يمكنه أن يدرك وبسهولة أنها ما كان لها أن تنجح، لأنه لم يتم توفير كافة أسباب النجاح لها، وأنها كانت تعتمد التخطيط البسيط الذي غالباً ما كان ينتهي أو يتبدد بعد إنجاز المرحلة الأولى وهي احتجاز الجندي، بالتالي تكون جاهزية الدولة العبرية ورد فعلها أسرع من إمكان التخطيط البسيط، وتتمكن من إفشال العملية.
بقي الجميع تقريباً أسرى التصور السابق حتى تمكنت المقاومة الفلسطينية من تنفيذ عملية الوهم المتبدد في غزة عام 2006، وأسر الجندي (جلعاد شاليط) وبالرغم من نجاح المقاومة في الاحتفاظ به لأكثر من خمس سنوات، إلا أن الكثيرين في البداية شككوا بقدرة المقاومة على الحفاظ عليهـ وكان قولهم أن العدو سيصل إليه، حتى أن رئيس السلطة طلب أخذه وتسليمه كأنه عبء على من أسره ويريدون الخلاص منه، إلا أن المقاومة وبقيادة حكيمة وحاضنة شعبية جبَّارة، وجنود أوفياء استطاعوا كسر التصور المسبق، وحققوا إنجازاً تاريخياً، وأثبتوا أن عملية الأسر والاحتفاظ بالجندي على قيد الحياة، وإدارة عملية تفاوض لخمس سنوات أمراً ممكناً رغم عدوان الاحتلال وأعوانه وسعيهم الدؤوب للوصول للجندي.
وهنا يأتي بيت القصيد، هل بإمكان الضفة تقديم أكثر مما كان؟ سيقول البعض إن غزة مختلفة، والمقاومة فيها قوية ولا يمكن أن يحدث في الضفة ما حدث في غزة!! ولكن هذا بالضبط ما قيل عن غزة قبل العام 2006، وقد عملت المقاومة وقيادتها على خلق البيئة المناسبة لهذا الفعل وغيرة من الفعل المقاوم.. وهو ما يمكن تحقيقه في الضفة الغربية تحديداً بما يخص عملية أسر ناجحة يتم من خلالها كسر التصور المسبق وإحداث اختراق مهم في هذا الملف وهذا يتطلب أمور منها:
1)) قرار سياسي عسكري من أعلى مستويات المقاومة بأن تم نقل عبئ ملف تحرير الأسرى إلى الضفة الغربية، وتحرير غزة المحاصرة من هذا الملف، حتى لا يبقى رهين العدوان الإسرائيلي عليها، ويتحول إلى فعل مبادر ولا يوجد غير الضفة من يمكنها حمله.
2)) يجب أن يتم تكليف أشخاص بأعينهم للقيام بعبء هذا الملف ومحاسبتهم على النجاح والفشل فيه.
3)) يجب توفير كآفة الإمكانيات المادية والمعنوية والحاضنة المناسبة التي يمكنها أن تجتاز عملية الاحتفاظ بالجندي بنجاح.
4)) يجب أن تأخذ قيادة المقاومة في الضفة الغربية أكبر بكثير مما تحقق حتى الآن، وينتظر الفرسان والأبطال الذين يستخرجون هذا الإمكان، ويتمكنوا من إخراج الأسرى إلى نور الحرية بعد ظلام السجن الطويل.
الكاتب: الأسير مهند شريم