الأخوة الأمناء العامون: في إطار هذه المقالة سأحاول الإجابة على سؤال هذا العنوان منطلقاً من الفرضية التالية: بأن المسؤول الأول والأخير عن لعنة الانقسام هم من صنعوه (حماس وفتح)، وأن باقي التنظيمات بريئون منه براءة الذئب من دم يوسف، إذاً دعونا أولاً نتطرق إلى الدعوة التي وجهها الأخ (أبو مازن) لهذا الاجتماع.
إنها، بحسب رأيي المتواضع، دعوة حق أريد بها باطل؛ لأنه لو أريد بها حق، لما قامت أجهزة أمن السلطة بشن حملة اعتقالات شرسة على المقاومين؛ لتكون بذلك السلطة قد أكملت ما بدأه الاحتلال بحملته على مخيم جنين، وقادت الأجهزة الأمنية يكونون قد عبروا عن حُسن نواياهم لـِ (بنيامين نتنياهو)، ويكون الأخ (أبو مازن) قد دخل المخيم على دبابة إسرائيلية.
إن من يصغي بتفكر وتدبر خطاب أبو مازن في المخيم، لا يسعه إلا أن يحدث نفسه قائلاً: (إن الصوت صوت أبو مازن لكن الأيدي أيدي (حسين الشيخ) الذي لا يدخر جهداً في تحويل السلطة إلى شركة لبيع الخدمات الأمنية لإسرائبل، مقابل أموال المقاصة.
أما استجابة "حماس" للدعوة فلم تكن بريئة، لأنها أُعدت -قبل كل شيء- لذر رماد المماطلة والتسويف في عيون رأينا العام، وكذلك هي ورقة تستخدمها لستر عورة استئثارها للسلطة في غزة.
ألم تقمع من أجل هذه الغاية -بشكل وحشي وهمجي- الحراك الاجتماعي (بدنا نعيش)؟ ألم تفرض ضرائب على البضائع القادمة للقطاع من الضفة الغربية بحجة أنها بضائع أجنبية مستوردة من الخارج، لكنها تراجعت بعد ذلك بضغط من الرأي العام؟ ألم تقف على الحياد كانها قوات اليونيفيل في جنوب لبنان وتركت الجهاد الإسلامي ينزف وحيداً في أرض المعركة؟ هذه حقيقة صناع الانقسام، أقولها بضمير مرتاح، وأكتبها بقلم مطمئن.
أخوتي الأمناء العامون: إن الطبيعة لا تتحمل الفراغ؛ لذلك تحول الفراغ النضالي الذي تركه طرفي الانقسام (فتح وحماس)؛ بسبب انشغالهم في تقسيم بطيخة السلطة في سكينة الغنائم إلى رحم تمخض؛ فولد الفلسطينيون الجدد من رماد الفلسطينيين القدامى، الذين احترقو في موقد الانقسام.
وكانت ذئابنا المنفردة من أمثال (مهند الحلبي، وعمر أبو ليلى) رحمهم الله، هم طلائع هذا الميلاد المبارك، وتضعافت خصوبة رحم هذا الجيل، فأنجب كتيبة جنين وعرين الأسود، وهكذا ولد جيل الفلسطينيين الجدد، مسلحين بفطرتهم الوطنية والدينية، ليحطموا بعنفوانهم الثوري أوثان منظمة التحرير، الذين يدعون بأن وحي هويتنا الوطنية لا يتنزل إلا عليهم، وليطيحوا ببرائتهم وجرائتهم بكهنوت الإسلام السياسي الذي يتأله شيوخه على الناس لزعمهم أنهم سيف الله المسلول من غمد النبوة.
الأخوة الأمناء العامون: إن اجتماعات طرفي الانقسام لا جدوى منها ولا ضرورة لها، إنها الترف بعينه، ألم يجتمعوا في مكة؟ ألم يقسموا وهم ممسكون بستائر الكعبة على صيانة الدم الفلسطيني؟ ومع ذلك لم يتورعوا عن صنع الانقسام فور عودتهم من حجة المصالحة وعمرة الوحدة.
احذروهم إنهم ملوك الغطرسة السياسية، إنهم يرون بأنفسهم أبطال المشهد الوطني، وباقي التنظيمات هم مجرد كومبوس ثوري لهم، إنهم يجتمعون فقط من أجل إعادة تدوير قمامة الانقسام في حاويات السلطة، لكن الحمدلله على أن نظامنا السياسي لا يستمد شرعيته لا من اجتماعاتهم ولا من نزاعاتهم، بل من دماء شهداءه الأبرار ومن دموع أيتامه ومن عرق أرامله، إن الوحدة الوطنية التي نصبوا إليها تجسدت في أبهى صورها، وتجلت في أرقى أشكالها، في تلاحم المقاومين في عرين الأسود، وفي كتيبة جنين.
الأخوة الأمناء العامون: تعالوا بنا نضع حجر الأساس لاستراتيجية وطنية جديدة مبنية على العبرة التي استخلصناها من معركة جنين، والتي كتبها لنا شهداءها بدامئهم.
أولاً: يا الله، ويا وحدنا موحدين، إن نكبتنا لن تتكرر لأننا سنقاتل ونَقتل ونُقتل، ونحن باقون هنا ولن نرحل.
ثانياً: نحن في القرن الثاني من عمر هذا الصراع المزمن.
ثالثاً: كما احتلت فلسطين على مراحل، سنحررها على مراحل، وكما حررنا غزة من (شارون ومفاز)، سنحرر الضفة من (نتيناهو وبن غفير).
رابعاً: إن حل الدولتين ابتلعته بلدوزرات الاستطيان، وإن الحسمية التاريخية لهذا الصراع تسير بنا نحو حل الدولة الواحدة.
خامساً: لذلك يجب علينا حل السلطة كي يتحمل الاحتلال مسؤولياته ويدفع صمن جرائمه، لأن وجود السلطة أصبح عبئاً يثقل كاهل مشروعنا الوطني.
لكن سيقول لك المرجفون ممن نزلوا عن جبل أحد لجمع غنائم الرتب والرواتب في كيس التنسيق الأمني: إن حل السلطة سيدخلنا في متاهة جديدة؛ فنرد عليهم: "إن هذا الرأي عاري عن الصحة، إن قدر شعبنا أن يقود قيادته في المنعطفات الحادة والطرقات الوعرة، ألم تكن هذه القيادة في متاهة أوصلتها حتى تونس في شمال أفريقيا؟ والانتفاضة الأولى هي التي أعادتها إلى أرض الوطن؟.
الأخوة الأمناء العامون: لو قال لك قائل، قبل أن تخطو العرب هذه الخطى العظيمة نحو المجد وهي تخرج من ظلال النكبة والنكسة: بأن الجيش المصري سيعبر القناة ويحطم "خط بارليف"، وأن حزب الله سيهزم الجيش الذي لا يقهر شر هزيمة، وأن الفلسطينيون بقواهم الذاتية سيحررون قطاع غزة، وسيبنون مكان المستوطنات معسكرات للمقاومة، لحدثت نفسك قائلاً: دعك منهم إنه عربي يهذي بحمى الهزائم، وإنفلونزا الانكسارات.
إن الطبيعة البشرية منجم للمعجزات، ألم يخلقنا الله من طين، ونفخ فينا من روحه الخالدة؟، إن روحه هي بوصلتنا إلى الحرية
تمت بحمد الله وفضله
بقلم الأسير المقدسي: أيمن ربحي الشرباتي/ أبو العلاء
سجن نفحة الصحراوي
٢٧/٧/٢٠٢٣