بقلم:
وليد خالد
نتج عن دعوة الرئيس أبو مازن للقاء الأمناء العامين في القاهرة، رأيان: أحدهما يشترط الموافقة على الحضور بتوفير أجوائه على الأرض، والتي على رأسها الإفراج عن المجاهدين والمعتقلين السياسيين في الضفة، تصدر هذا الرأي الإخوة في الجهاد الإسلامي الذين أعلنوا والجبهة الشعبية -القيادة العامة- والصاعقة مقاطعتهم لعدم تحقق شروطهم ،ورأيٌ رأى أن المشاركة دون اشتراطات، كان على رأسهم حماس، من دون إنكار أن قسماً من كوادرها ونشطائها خاصةً المطلوبين منهم في الصفة، كانوا يتمنون أن لو قاطعت كما قاطع سواها، غير مؤملين شيئاً من هذه اللقاءات ،وهم لا يرون أي تغيير يذكر في سلوك السلطة وأجهزتها على الأرض في الضفة، ويوحي أنها تتجه نحو الصالحة.
وكاتب هذه السطور يرى رأي قيادة الحركة التي ذهبت للمشاركة، مرجحةً دوافعها على موانعها، وذلك حسب الرؤية الآتية:
1. الأصل في العلاقات "الوطنية" اللقاء والتشاور والتحاور، والقطيعة استثناء وشذوذ وحالة طارئة ومرضية، وذلك في أية أمةٍ وشعب، فإذا كان هذا الشعب تحت الاحتلال ويخوض معركته الوطنية الكبرى نحو التحرر، فإن دواعي الالتقاء تكون أكبر، وأرض الوقوف عليه تغدو أصلب.
2. إذا كان هناك منتفعون، ويستفيدون من استمرار القطيعة والانقسام -وهم كذلك- حيث تهدد المصالحة مكتسباتهم الشخصية وامتيازاتهم الخاصة، هؤلاء الذين يمكن ملاحظة سلوكهم القولي والعملي كلما جدَّ الحديث عن مصالحة وتقارب، تراهم ينبشون الماضي ليخرجوا من قبور (الانقسام) مصطلحاته التي عفا عليها الزمن، فإن التساوق مع أهداف هؤلاء ومصالحهم باستمرار القطيعة، لهو الخدمة المجانية التي تقدم لهم على طبق من ذهب فكأنما نعزز مكانتهم من حيث أردنا التضييق عليهم وعلى نهجهم .
وإذا كان كل من تهدد المصالحة والوحدة مكاسبه يسعى لتكثير الحواجز بين الفرقاء، فإن دور الغيورين والوطنيين تقليل هذه الحواجز ما أمكن، وانتهاز كل فرصة ودعوة لتحطيم مزيد منها، وصولاً نحو إزالتها تمهيداً للوحدة والاتفاق.
3. كل أمة كانت تخوض معارك تحررها، إنما كانت تقترب منه بمقدار ما كانت تستطيع تجاوز خلافاتها، والاتفاق على الحد الأدنى من القاسم المشترك لبرامجها، وشعبنا ليس استثناء من هذه الوصفة، وإنَّ أكبر إنجازاتنا كان يوم كنَّا موحدين (انتفاضة الأقصى نموذجا) .
4. قديماً نصحوا من حيَّرته المواقف والسياسات، فعجز عن اختيار الجهة التي ينحاز إليها نصحوه أن يراقب سهام العدو إلى أن تتجه ليعلم أنها الجهة التي عليه أن يتخندق فيها، وهل ثمة شكٌ أن العدو يعمل ويسعى بكل ما أوتي من وسائل ترغيبه وترهيبه لوأد وإجهاض أية محاولات للمصالحة والتقارب الوطني؟
5. اللقاء الذي حصل لم يكن يرجو منه كاتب هذه السطور (ولا قيادة حماس ربما) أن يضمد جراح المظلوميات الكثيرة في الضفة، ولا أن يكون العصا السحرية لإنهاء الانقسام، أو الضربة القاضية (للتنسيق الأمني) المُجمع شعبيا ووطنيا على إدانته، ذلك أن هناك ظروفاً موضوعية ما زالت غير ناضجة بعد عِند من يضع (الفيتو) أمام المصالحة، ومع ذلك فإن المشاركة خير من قطيعة، وإن كان مخيباً للآمال أن الأطراف لم تحسن الاتفاق على صيغة جامعة مشتركة لبيان ختامي، فإن الدعوة لاستمرار الحوار بشكل دائم لكسر الفجوات أمر إيجابي، ذلك أن أية مساهمة في تخفيف التوتر والاحتقان أمرٌ لا بد من تعزيزه حتى وإن كان ضئيلاً، والطريق الطويل الصعب نحو المصالحة نكسبه بالنقاط، إن عجزنا عن الوصول إليه في جولة واحدة، وبقرارٍ استراتيجيٍ صلب متجاوزا للضغوط الخارجية والمصالح الفئوية، يتخذه -مرة واحدة- أصحاب القرار الذين ما زالوا يضعون الفيتو على قرار المصالحة وإعادة تشكيل الجسم الفلسطيني الموحد، تنفيذا للاتفاقات الموقعة بين الكل الوطني في محطات الحوار السابقة.
6. ولا أدري إن لم يعمل الفصيلان الأكبران اللذان يشكّلان أكثر من ثلتي الشعب الفلسطيني، على البحث الدائم عن نقاط الالتقاء والقواسم المشتركة، ولم يملّا من محاولات ردم الفجوات بين برامجهما سياساتهما، ولم تبح أصواتها وهما يقلبان وجهات النظر بغية الوصول إلى تفاهمات مرحلية أو استراتيجية، وساد بدلاً من ذلك كله بينهما لغة (الردح، والقطيعة، والشتم، وتحميل المسؤوليات، وإلقاء اللوم، والتشنج ...) فكيف يمكن لهذا الوطن أن ينهض نحو مشروع تحرره ونهضته؟
7. ثم أليس ما يجري داخل الكيان من انقسامٍ حاد لا يُتوقع البُرء منه لمجتمع جئ به لفيفا، فانقسامه العمودي والأفقي آخذ في التعمق نحو مزيدٍ من الشرخ فالضعف، متزامناً ذلك مع حكومةٍ تقوده يطلب رئيسها علناً وصراحةً من وزرائه العمل على سحق أية إمكانية لقيام دولة فلسطينية! وبرنامجها التهويدي والاستيطاني والتهجيري لا تخطئه عين، إذا لم تر الحركتان الكبيرتان في ذلك فرصةً تاريخيةً للعمل الجاد نحو توحيد الرؤى، فمن ذا الذي سوف يراه ويبصره؟
وإذا كان هناك من أراد تفويت هذه الفرصة التاريخية متمترساً حول مقولاته التي عفا عليها الزمن، وخياراته التي نسفها الواقع الاحتلالي المجرم فهو من يتحمل المسؤولية أمام التاريخ والأجيال .
وبكلمة فإن قرار المقاطعين واجتهادهم مقدر، متفهمةٌ دوافعه ومبرراته، ومطالبهم هي مطالب الجميع، لكن حركة بحجم حماس ما كان لها إلا ان تتخذ القرار الذي يُناسب حجمها كما يناسب الآمال الكبيرة المعقودة عليها من شعبها وأمتها في هذه اللحظة التاريخية الحرجة.