أيها القادة.. لم يعد لديكم المزيد من الوقت !

أسامة سعد

مستشار قانوني


بقلم المستشار:
​​​​​​​أسامة سعد


في آخر مقابلة صحفية لنتنياهو، كرر موقفه الذي كان قد سُرب قبل اجتماع للحكومة الإسرائيلية بأنه يجب اجتثاث فكرة الدولة من جذورها، ولذلك يبدو أن ذلك التسريب كان متعمداً الهدف منه هو التدرج في إعلان الموقف وجس نبض الجهات التي كان متوقع منها رفض هذا التصريح، وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة الأمريكية التي ما زالت تعلن أنها مع حل الدولتين، لكن دون ممارسة أدنى ضغط على الاحتلال لتنفيذ هذه الرؤية.

 نتنياهو رفض "منح" دولة للفلسطينيين -بتعبير المذيعة- حتى مقابل إقامة علاقات طبيعية مع المملكة العربية السعودية، معللًا ذلك "أن هذا الأمر يؤثر في أمن (إسرائيل)، بأنه لن يُقدِم على أي أمر من شأنه المساس بأمنها، معتبراً أن (إسرائيل) هي القوة المهيمنة على المنطقة، وإقامة دولة فلسطينية سيعني انهيارهم وانهيارنا نحن العرب، وكأن وجود (إسرائيل) وقوتها هو الضامن لأمن المنطقة واستقرارها، وأن الدولة الفلسطينية ستكون سببًا في تداعي هذا الاستقرار.  

تصريح نتنياهو هذا يعني أن الحكومة الإسرائيلية لم تعد تخفي أبدًا برنامجها السياسي القائم على العودة إلى الأصول الأولى التي قامت عليها "دولتهم"، وذلك بإنكار وجود الشعب الفلسطيني ابتداء، وبالتبعية إنكار حق الشعب الفلسطيني بأن يكون له كيان سياسي مستقل، رغم أن (إسرائيل) نفسها وُجدت بناءً على قرار التقسيم الذي قسم فسطين إلى دولتين: عربية ويهودية، والأمر الغريب أن القرار الأممي الذي ينبغي أن يكون نافذاً بإدارة المجتمع الدولي أصبح نفاذه متوقفاً على إرادة الحكومة الإسرائيلية، وهذا هو العجب العجاب.

الأمر لا يقتصر فقط على رفض الحكومة الإسرائيلية لفكرة الدولة الفلسطينية، ولكن تدمير إمكانية إقامتها من خلال إقامة المستوطنات بشكل مكثف وفرض إجراءات تمنع الفلسطيني من العيش كأي مواطن في أي دولة في العالم، بل إن بعض الدول تمنح اللاجئين إليها حقوقاً أكثر بكثير من الحقوق التي تمنح للفلسطينيين تحت الاحتلال، ويواكب كل ذلك استمرار فرض الحصار على قطاع غزة ومراكمة الأزمة الإنسانية في جوانبها المتعددة التي تتدرج بانفجار قد يؤدي إلى أن يأكل المجتمع الفلسطيني نفسه، وبذلك تصل الحكومة الإسرائيلية الفاشية إلى مبتغاها. 

وأمام هذا وذلك، ما زال القادة الفلسطينيون يعيشون ترف النقاش المستفيض لكل شاردة وواردة في الشأن الفلسطيني، وعقد لقاءات ليست ذات قيمة بين الحين والآخر بدعوة من دولة شقيقة تارة وبداعي "الظروف الخطيرة" تارة أخرى، حتى "اللجنة الهزيلة" وهي المُخرَج الوحيد لمؤتمر الأمناء العامين للفصائل، الذي عقد في القاهرة بدعوة من أبي مازن، لم تُشكَّل ولا أظنها ستُشكَّل، ولو شُكلت فلن يكون لتوصياتها قيمة مثل بقية التوصيات التي صدرت عن مراجع سياسية وقانونية أهم وأعلى شأنًا.

الوقت يمر سريعًا، وليس في صالح شعبنا البتة، وكل لحظة تمر على شعبنا في ظل حالة الانقسام هي لحظات من ذهب لصالح الاحتلال، سنتحسر جميعا على هدرها دون جدوى في قادم الأيام، وقد تتخذ قرارات في وقت ما، ولكن لن يكون لهذه القرارات أدنى قيمة، لأنها جاءت متأخرة جداً، فعوامل الانهيار الداخلي لدينا التي يعمل عليها الاحتلال بكل قوة وعلى مدار الساعة، تتراكم سريعًا وتتعدد أوجهها، وستؤدي بالضرورة إلى انعدام قدرة العائلات الفلسطينية على بناء أسر جديدة لعدم مقدرتها على توفير أدنى متطلبات الحياة للجيل الجديد الناشئ من مسكن وتعليم وصحة وتفشٍّ مريع للبطالة وتدني مستويات الطموح الفردي للشباب الفلسطيني إلى حد كبير يصل لمرحلة انعدام الأمل في بعض الأحيان، ليس لعجز الشعب الفلسطيني، ولكن لانعدام الإمكانيات على أرض الواقع بفعل إجراءات الاحتلال وحالة الانقسام السياسي، فلا مجال مفتوحًا للعمل ولا رقعة أرض كافية ولا عملية اقتصادية طبيعية، من خلال شل قدرة الاقتصاد الفلسطيني على الاستيراد والتصدير، مع تناقص مستمر في الدعم الدولي والعربي، وما إلى ذلك من أسباب أسهب في شرحها المختصون.  

إذن لم تعد الحلول الترقيعية تجدي نفعاً؛ فقد استنفدت تمامًا، والقضية تحتاج إلى حل جذري آن أوانه، ولم يعد هناك مزيد من فائض وقت لديكم أيها القادة.. فانتبهوا.    



جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023