المستوطنون.. خلايا تسابق الزمن

أحمد التلفيتي

أسير وكاتب

بقلم الأسير:
 أحمد التلفيتي

تشهد الضفة الغربية تصعيداً غير مسبوق في اعتداءات المستوطنين التي باتت أكثر شراسة ووقاحة وعدداً، وذلك على امتداد خريطة الاستيطان المنتشر في الضفة كالسرطان، في ظروف سياسية مميزة وواقع ميداني مواتٍ، ومساعٍ حثيثة ليبلغ عدد المستوطنين المليون في الأشهر القريبة. وكالعادة، فإن الموقف الدولي لا يُعوَّل عليه في ردع أو لجم أو حتى تعليق الاستيطان والمستوطنين.

غير أن ما يثير القلق وينبئ بالخطر الكبير هو اتخاذ المستوطنين لشكل اعتداءات منظم، على غرار عصابات تدفيع الثمن وفتية التلال، وارتكابهم حتى الأشهر السبعة الأولى من هذا العام أكثر أكثر من 600 عمل عدواني بحق الفلسطينيين، شملت القتل والجرح والحرق والتخريب، وهو ما يشي بمرحلة جديدة من المواجهة بين الفلسطينيين والمستوطنين، وبواقع ميداني جديد يمكن قراءته على النحو التالي:

- اتخاذ قرار صهيوني رسمي بالانتقال إلى =مرحلة تصفية الأمل الفلسطيني بتطبيق حل الدولتين أو الانسحاب من الضفة الغربية على غرار قطاع غزة.

- الغطاء السياسي والأمني لأفعال المستوطنين لا سيما في ظل حكومتهم الأمثل لتمرير سياستهم، ولو كلف ذلك صداماً شعورياً على الجيش والقوى الصهيونية الأخرى.

- تشكيل خلايا منظمة لارتكاب الجرائم تعتمد على استخدام السلاح وتحديد بؤر المهاجمة والتوقيتات المناسبة، والإعداد لذلك بما يلزم من تدريب وتمويل وتخطيط.

- اعتماد أسلوب الفلسطينيين أنفسهم في الكرِّ والفرِّ، وتوجيه ضربات محددة قد تصل إلى مهاجمة تجمعات كما جرى في حوارة وترمسعيا، وفشل في عوريف.

- لا يُستبعد وقوع صدام محدود مع الجيش- غير مسلح طبعاً- وذلك حتى يبدو المشهد أن صراعاً دموياً بين الفلسطينيين والمستوطنين لا يوقفه إلا تدخل الجيش.

- رفع وتيرة الاعتداءات لتطبيع الرأي العام العالمي والمواطن الفلسطيني والوصول إلى تعوُّد سماع مثل تلك الأخبار، كما هو الحال في اعتياد الإعلان عن مشاريع وخطط استيطانية جديدة.

إن المناطق الفلسطينية كافة بدأت تستشعر حقيقة الخطر الذي يشكله المستوطنون على الأرض، غير أن الفلسطينيين بخلاف الصهاينة ليس لهم كيان سياسي يدعم ويغطي مقاومتهم بل على العكس، تبذل المؤسسة الفلسطينية الرسمية الجهود في منع أي مقاومة وردّ عدوان المستوطنين، باعتقال المقاومين وإحباط العمليات، وحرف البوصلة عن حقيقة ما يجري على الأرض، وتستبدل ذلك بمنهج التباكي وتصوير الفلسطيني كضحية بائسة أمام المنظمات الدولية التي لا تقدم أكثر من زيارة تضامنية وتصريح صحفي، ورغم حماسة ممثل الاتحاد الأوروبي في وصف أعمال المستوطنين بالإرهابية، غير أنه رفض الإقرار بشرعية المقاومة، واكتفى بدعوة الحكومة الصهيونية إلى اتخاذ ما يلزم لمنع اعتداءات المستوطنين.

ومع قتامة المشهد الراهن، ونذر شؤم المستقبل إن استمر الحال، فإن المعطيات تشير إلى وعي شعبي مقاوم، لا يراهن على الانتظار، وغدا انتشار نموذج تحشُّد الفلسطينيين في عوريف وتراجع المستوطنين عن مخططاتهم لاقتحام لاقتحامها إثر قيام الشهيدين خالد صباح ومهند شحادة في يونيو الماضي بعملية في مستوطنة عيلي، نموذجاً ملهماً في الوقت الذي استطاع فيد المستوطنون استغلال مفاجأتهم لقرى أخرى في ذات الفترة مثل ترمسعيا، وهذا الأمر يدعو إلى اليقظة الدائمة للمواطنين على مستوى الأفراد والجماعات لتشكيل لجان رباط وحماية، سيما في القرى التي يحتل المستوطنين أراضيها بمستوطناتهم، وفي هذا الصدد يوصي المقال بالتالي:

- تكثيف الوعي ونشر الأخبار بأعمال المستوطنين وأساليبهم.

- تشكيل لجان شعبية حقيقية مهمتها المراقبة واستنفار الأهالي المناطق في حال هجوم المستوطنين.

- توسيع دائرة التعاطي الشعبي مع صدِّ أي اعتداءات المستوطنين لتشمل المدن والمخيمات والقرى.

- الضغط على المؤسسات الفلسطينية والأجهزة الأمنية للاضطلاع بدورها ومسؤوليتها في حماية الفلسطينيين.  

- القيام بعمليات إعلامية بالتعاون مع مؤسسات دولية لنشر جرائم المستوطنين وتحميل الحكومة الصهيونية المسؤولية.

- رفع قضايا على الأفراد والمؤسسات والكيانات الصهيونية في المحافل الدولية فيما يتعلق بهذه الجرائم.

- الضغط على الدول المطبعة مع الاحتلال لاتخاذ موقف حاسم.

- تثوير ملف الاستيطان بشكل دائم وليس موسمي على صعيد الفصائل والمجتمع والمنظومة السياسية.

- تدفيع تل أبيب ثمن جرائم المستوطنين يزيد الضغط على على الحكومة الصهيونية لمراجعة حساباتها.

وتبقى لغة المواجهة والقوة هي الضامن الأكبر لتحقيق الأمن الفلسطيني وردع المستوطنين وصولاً إلى طردهم من الضفة المحتلة، وتكمن المثالية في التكامل المقاوم بما سبق من نقاط ليمكن استثمار البطولات ومراكمتها حتى تحقيق الأهداف.



جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023