إقالة المحافظين: بداية الإصلاح أم بداية حرب الخلافة؟

القناة الـ12
الدكتور ميخائيل ميلشتاين
ترجمة حضارات


يوم الخميس، اتخذ أبو مازن إحدى الخطوات الدرامية -والمحيرة في نفس الوقت- التي اتخذها في السنوات الأخيرة.
دون سابق إنذار، أعلن إقالة 12 محافظاً، 8 محافظين من الضفة الغربية و 4 محافظين من قطاع غزة.

 وأثارت هذه الخطوة غير المفهومة خطابًا سياسيًا وعامًا وعبر الإنترنت حيًا في النظام الفلسطيني، وترافقه موجة من الشائعات والتكهنات حول أسباب الإقالات، وهل كان أبو مازن هو من اتخذ قرارًا بشأنها، أم جهات معنية قريبة منه.

وتظهر علامات الاستفهام، من بين أمور أخرى، على خلفية حقيقة أن بعض المحافظين، وخاصة في الضفة الغربية (محافظي غزة الذين ليس لديهم نفوذ فعلي وهم مجرد تعيينات رمزية) لديهم الكثير من الخبرة الإدارية والأمنية وبعضهم يحظى بشعبية في بعض مراكز الضفة الغربية.


بالإضافة إلى ذلك، تثار تساؤلات حول سبب الحاجة إلى مثل هذا الإجراء الشامل في الأيام التي تظهر فيها السلطة ضعفًا عميقًا، عندما يكون من غير الواضح ما إذا كان هناك أي أفراد يمكنهم شغل منصب أولئك الذين تم فصلهم.


علاوة على ذلك، وُجهت انتقادات حادة بسبب عدم إبلاغ المحافظين بالخطوة وعدم تلقيهم تفسيراً لها (وهو نمط شائع في معظم الأنظمة في العالم العربي)، مما دفع أبو مازن إلى التلين والإعلان قليلاً. أنه سيعقد "حدث تقديري" للمسؤولين "المتقاعدين".


الرواية الواقعية والتي تبدو متفائلة التي يحاول حاشية أبو مازن تسويقها في الخارج وفي الداخل هي أن هذه خطوة أولى في إطار عملية التعافي الداخلي التي تهدف إلى تعزيز السلطة وقد تتجسد قريبًا في تغيير الحكومة.  


رد فعل الجمهور على هذا المنطق ساخر (ورصين)، بحجة أنها لعبة "كراسي موسيقية" ستُلعب بين المقربين من أبو مازن، دون "حقن دماء جديدة"، خاصة من جيل الشباب الذين هم غير ممثل في عملية صنع القرار الوطني.

 هذا في الواقع محاكاة للنموذج الشائع في الأردن للتغييرات المتكررة للحكومات في محاولة لتقديم مظهر تجميلي للتعافي الداخلي.

الخطاب الشبكي عاصف حول التفسير بأن أبو مازن ليس هو من يمسك أوتار الإقالات بل المقربون منه، وأن التحرك برمته جاء كجزء من اشتعال صراع الخلافة نحو "اليوم التالي" لعباس.


وفي هذا السياق، تم التأكيد على أن معظم المحافظين المخلوعين هم من مقربي جبريل الرجوب، وهو مرشح رئيسي لخلافة الرايس، والذي سبق أن شغل مناصب عليا في الجهاز الأمني ، وأن من تسبب في ذلك. وان اللذان اقترحا الاقالات هما حسين الشيخ وزير الشؤون المدنية وماجد فرج، رئيس جهاز المخابرات الفلسطيني.

وعززت تغريدة نشرها نجل فرج الليلة الماضية، والتي يتوقع بموجبها ارتفاع رؤوس جديدة مكان من تمت إزالتهم، الشكوك حول دوافع الإقالة.

أما بالنسبة لـ"إسرائيل" - المقربون منها (بما في ذلك في الحكومة) الذين يتوقون إلى تقوية السلطة الفلسطينية، يجب أن يتعاملوا مع عزل المحافظين بحذر شديد.

ومن خلال التفسير المتفائل ظاهرياً للسير نحو الانتعاش، هناك توترات داخلية حادة يمكن التغلب عليها وتنذر بضعف السلطة بدلاً من تقويتها، ولا يمكن أن تتغير صورة ومكانة الحكومة في رام الله إلا نتيجة تحركات غير رمزية مثل القضاء على الفساد والمحسوبية التي تشغلها واندماج واسع للقطاعات الاجتماعية، ولا سيما جيل الشباب في القيادة الفلسطينية.

هذه مشاكل أساسية قد تندلع في اليوم التالي لأبو مازن وتولد "الربيع الفلسطيني" الذي لم يحدث حتى الآن.

إن الافتقار إلى الوضوح الاستراتيجي الذي تقيم فيه الحكومة الفلسطينية، فضلاً عن الواقع الأمني الصعب الذي كان قائماً في السلطة الفلسطينية خلال العامين الماضيين والضعف المتزايد للسلطة الفلسطينية، يجب أن يدفع "إسرائيل" إلى إجراء مناقشة متعمقة بشأن السياسة بعيدة المدى التي لا وجود لها حاليا بشأن القضية الفلسطينية.

في هذا السياق، من الضروري أن ندرك أن المبادرات الاقتصادية التي تركز عليها "إسرائيل" حاليًا ليست أكثر من "إسعافات أولية" لن توفر حلاً جوهريًا لخطر الاندماج الزاحف بين الضفة الغربية، وأن أي انفراج بين "إسرائيل" والسعودية مع "تخطي" النقاش حول القضية الفلسطينية ليس رصيدا استراتيجيًا، ولكنه ضار متعدد الأبعاد.


جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023