بقلم/ وليد الهودلي
زيادة على ما أوردته في المقال السابق، والذي جاء تحت عنوان "مياهنا في خطر"، حيث علّقت سبب الأزمة الخانقة التي تشهدها الضفة الغربية، على جريمة الاحتلال القائمة في مياهنا على الاحتلال أوّلا، ثم على إدارة توزيع المياه ثانيا، ثم على ثقافة المجتمع ومستوى الوعي في ترشيد الاستهلاك والمحافظة عليها ثالثا، والذي دعاني للعودة والكتابة في ذات الموضوع أنّي قرأت خبرا عن المهندس عبد الرحمن التميمي، مفاده أن دولة الاحتلال قد افتتحت أربع محطات جديدة لتحلية مياه البحر، وتحتاج إلى من تسوّق له هذه المياه.
والفلسطينيين بعد الضغط عليهم وتخفيض حصّتهم من مياههم، هم الزبون المفضّل لهذه المياه المحلّاة، وهذا هو دأب الاستعمار أن يفتح أسواق من استعمرهم لبضائعه، ولكن لم يبلغ أحد هذه الدرجة من الخسّة والنذالة أن يجعل من المياه سلعة، أن يسرق مياه من استعمرهم ثم يفتح أسواقهم لمياه البحر بعد أن يقرأ عليها تعويذاته الاحتلالية الحاقدة.
والمطلوب هو التحرّك الفوري في الضغط على الاحتلال وفضيحته عالميا على ما يفعله في مياهنا، وإدارة توزيع المياه فيما هو متاح بين أيدينا وتخفيض نسبة الفاقد، وكذلك العمل الدؤوب على ثقافة مجتمعنا في كيفية التعامل مع المياه بطريقة رشيدة.
أمّا الأولى، فكم نحن مقصّرون على المستويين الرسمي والشعبي، الاحتلال يسرق مياهنا بصورة جشعة ويبيعنا إيّاها بالسعر الذي يريد والكميّة التي يريد، سحب مياه بحيرة طبريا إلى النقب فأحالها إلى أرض خضراء والضفة الغربية تموت عطشا، ومنعنا من حفر الابار التي توصلنا لمياهنا حيث وفرة المياه في الخزان الجوفي الواقع تحت الضفة الغربيّة، فهو متفرّد تماما بعيدا عمّا سموه باللجنة الفلسطينية الإسرائيلية المشتركة بخصوص المياه، والتي لم تجتمع الا مرّة واحدة بعد تشكيلها، وبعيدا عن متطلّب موافقة الإدارة المدنية على أيّ مشروع مياه، وكذلك متطلّب موافقة شركة مكروت الإسرائيلية، لم ولن توافق هذه الجهات الثلاث، إذ يستحيل الأمر، هم يتصرفون بالمياه بطريقة متفرّدة ودون إعطاء أيّ اعتبار للفلسطينيين واحتياجاتهم الضرورية والمتزايدة للمياه، كنتيجة طبيعية للزيادة السكانية.
والأدهى والأمرّ أننا لا نحرّك ساكنا، نقف مكتوفي الأيدي تماما، أمام هذه السيطرة الجشعة والتفرّدة في مياهنا.
فالمطلوب حراك رسمي إعلامي وقانون يصل إلى الساحة الدولية، في مطالبة جادّة بحقوقنا المائية كاملة ووقف هذا العدوان المستمرّ على مياهنا، بل والمطالبة بتعويضات على ما سرق من مياهنا طيلة خمس وسبعين سنة، ولهذا لا بدّ من الاستعانة بخبراء في القانون الدولي واتفاقيات المياه العالمية، فهل يجوز لمحتلّ أن يحرم الشعب المحتلّ من مياهه؟ وماذا يترتّب على ذلك، والحال قائم على هذا السطو المنظّم منذ قامت هذه الدولة؟.
وكذلك لا بدّ من حراك الشارع الفلسطيني وهو المكتوي مباشرة من هذه السياسة الغاشمة، وهنا يبرز دور المؤسسات التي تقدّم خدمات المياه بأن لا تتهرّب من مسئوليّاتها بالاكتفاء برمي الكرة في ملعب الاحتلال، إذ مطلوب منها الإدارة الصحيحة في توزيع المياه المتاحة ونشر ثقافة ترشيد الاستهلاك، وذلك جنبا إلى جنب مع تحريك الشارع سياسيا للمطالبة بحقوقه المائية، لدينا حوالي خمس وعشرين مؤسسة مياه تقدم خدمات توزيع المياه في الضفة وقطاع غزّة، ماذا تفعل على صعيد الدفع باتجاه حراك الشارع والضغط سياسيا على حكومة الاحتلال، للافراج عن كميّات تكفي للاحتياجات الفلسطينية للشرب والزراعة، (إذ أن المتاح للفلسطينين للشرب دون تحقيق كفايتهم، لماذا هم يحصلون على المياه للشرب والزراعة والصناعة؟).
ويتفلسف البعض ويقول أن قضيّة المياه إنسانيّة وليست سياسية، يا سلام علينا ونحن ننظر لها بعيدا عن الاحتلال وسياسته العدوانية المكشوفة دون أيّ غبش، بل هي سياسيّة بامتياز، والمطلوب هو العمل بكل السبل لتحريرها من سياسة الاحتلال الطاغية، بل الخطير في الموضوع أن نقف صامتين مع بعض تصريحات الشجب والاستنكار دون الفعل السياسي والقانوني والإعلامي، المطلوب بحق وصدق بعيدا عن تصريحات إسقاط الواجب.