"الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطَّلع عليه الناس"، ذلك قول محمد صلى الله عليه وسلم في معرض تعرفيه للإثم، إذن الإثم شيء مخزٍ ومخجل يكره الإنسان أن يعلم به الناس، لأنه أمر تأباه الفطرة السليمة وتنفر منه النفس الزكية.
حكومة الدبيبة مارست الإثم الوطني من خلال وزيرة الخارجية المنقوش، وأُريدَ لهذا الإثم -ككل إثم- أن يمارس في الخفاء، وألًّا يَطَّلع عليه الناس لشدة العار والخزي والذل الذي يصاحبه إذا ما أُعلن أو كُشف ستره، ولكن أتت رياح الشعب الليبي العظيم بما لا تشتهي سفينة الدبيبة وهي تجري صوب ميناء التطبيع المدنس الذي سبق لبعض السفن العربية أن رست فيه.
وكانت رياح الشعب الليبي عاتية، فأغرقت سفينة التطبيع تمامًا، فحاولت حكومة الدبيبة عبثاً تدارك آثار جريمتها فأقالت الوزيرة المنقوش ثم هرّبتها إلى تركيا، وقام الدبيبة نفسه بزيارة استعراضية بلهاء لمقر السفارة الفلسطينية ليُعبِّر عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني، ولكن لا أظن تلك المحاولات البائسة للتغطية على الإثم الذي ظهر للعلن قد تجدي نفعاً؛ فرَدَّة فعل الشعب الليبي فاقت كل التوقعات، وكانت بمثابة انتفاضة ضد العار الذي لحق بسمعة شعب عانى بسبب الاحتلال والاضطهاد لعقود، وربما كان من أسباب الغضبة الهائلة التي عبر عنها الشعب الليبي أن اللقاء الآثم الذي تم بين المنقوش ووزير خارجية الاحتلال كوهين كان بوساطة إيطالية -أجل وساطة إيطالية-، وكأن الدبيبة قد فقد بصيرة العمل السياسي والدبلوماسي تماماً، فلم يجد سوى البلد الاستعماري الذي أذاق الشعب الليبي علقم ومرارة الاستعمار بممارسة أبشع الجرائم ومرارة الاستعمار بحق الشعب الليبي، التي لم يكن أقلها اعتقال الشعب الليبي كاملاً في معسكرات محاطة بالأسلاك الشائكة ثم تتويج جرائمه بإعدام عمر المختار بطل المقاومة الليبية، ولشدة عمى بصيرة الدبيبة جعل من المستعمر السابق وسيطاً للقاء المحتل الحالي للأرض العربية الذي لا تقل جرائمه بشاعة عن جرائم المستعمر الإيطالي، فكان إثم حكومة الدبيبة مركباً.
كان يظن الدبيبة أن الإثم الوطني الذي يمارسه في الخفاء -أملاً في تثبيت حكمه برضى السيد الأمريكي- سيبقى مخفياً إلى حين ظروف موائمة ليعلن إثمه كما سبقه زعماء آخرون فقدوا بصيرة العمل الوطني لصالح عمى التطبيع الذي لم يجلب لهم سوى التبعية المذلة وغياب الإرادة الوطنية الحرة، ولكن تشاء إرادة الله أن يكشف الاحتلال عن هذا اللقاء من قبل بعض أغرار السياسة من حكومة الاحتلال تباهياً بالإنجاز؛ الأمر الذي دفع نتنياهو إلى وصفهم بالصبية، وما لحق ذلك من غضب شديد من قبل الإدارة الأمريكية التي تسعى جاهدة لتمرير عملية التطبيع دونما ضجة، ومحاولة ممارسته خلسة في غفلة من الشعوب المغلوبة على أمرها.
ما قام به الشعب الليبي هو التصرف الطبيعي للشعوب العربية الحرة، التي لو أتيح لأي شعب عربي أن يعبر عن مشاعره وتوجهاته فإن ردة فعله لن تكون أقل من ردة فعل الشعب الليبي الذي خرج في مظاهرات عارمة، واقتحم مبنى وزارة الخارجية الليبية، وكذلك مبنى رئاسة الوزراء مطالباً بمحاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة الوطنية، فكل الشعوب العربية تنظر إلى الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين على أنه عار يجب محوه، ولكن الحكومات المطيعة التي صادرت حرية الشعوب وحكمتها بالحديد والنار منعت شعوبها من التعبير عن مشاعرها كما عبر عنها الشعب الليبي الذي لا يزال يملك حريته التي انتزعها بعد عقود من حكم دكتاتوري قمعي، وأظنه يأبى أن يساوم عليها مرة أخرى.
هبّة الشعب الليبي تعطي كل زعيم ذي بصيرة عبرة بأن ممارسة إثم التطبيع في الخفاء عواقبه وخيمة من قبل الشعوب، وممارسته في العلن ستكون عواقبه أشد وأنكى، فإذا صمتت الشعوب مكرهة حينًا فإنها لا شك ستنفجر يومًا في وجه الإثمين، وسيكون مصير كل مطبع مثل مصير المنقوش، التي نُقِش اسمها في قائمة العار.
30/08/2023م