يسرائيل هيوم

البرفسور إيال سيزر

فشل "لقاء القمة" بين وزير الخارجية (لأربعة أشهر أخرى...) ونظيرته الليبية التي اضطرت للفرار بحياتها عقب اللقاء واللجوء خارج ليبيا، ستُنسى في الأيام المقبلة.

ففي نهاية المطاف، لدينا جميعا أشياء أكثر أهمية وأكثر واقعية للتعامل معها من تقرير عن اجتماع تافه تم تسريبه من قبل شخص لا يستطيع مساعدة نفسه واضطر، وفقاً لأفضل التقاليد الإسرائيلية، إلى "الركض وإخبار وسائل الإعلام".

لولا التسريب وما تبعه، لكان من المشكوك فيه أن نتذكر أنه لا تزال هناك دولة اسمها ليبيا ولها حكومة، رغم أنها لا تسيطر على معظم أراضي البلاد.

لسوء الحظ، لولا التسريب، فمن المشكوك فيه أيضاً ما إذا كنا قد تذكرنا أن لدى "إسرائيل" وزارة خارجية، والتي، كما تبين، لا تعمل إلا بشكل جزئي ومتعثر.

ربما يكون هناك سبب وجيه وراء إسناد إدارة العلاقات السرية بين دولة "إسرائيل" والدول العربية والإسلامية، وبعضها دول معادية، إلى أفراد الموساد الذين يقعون تحت مسؤولية مكتب رئيس الوزراء، يمكن الوثوق بها لإظهار ضبط النفس والحفاظ على السر.

ولكن بعيدًا عن الإحراج الذي سيمر بالتأكيد، وحتى أبعد من الضرر الذي سيلحق بصورة دولة "إسرائيل"، كشخص يعرض -في هذه الفوضى- حياة أولئك الذين هم على استعداد للتحدث معها والتعاون معها، بعض الأمور الضرورية الاستنتاجات تنبثق من الحادث.

لقد حان الوقت -بعد 75 عاماً من الاستقلال، وبعد أن أصبحت "إسرائيل" قوة إقليمية يلوح كل شيء على أبوابها، دولة واثقة من نفسها، قوية ومزدهرة، ولها علاقات متينة مع معظم دول العالم- أن نتوقف عن التصرف مثل الفقراء عند مدخل "سيدة التل" التي يضرب بها المثل، والتي يخجل منها كل من يقيم علاقات معها وينكر وجودها.

ما الذي كان صحيحاً في السنوات الأولى من وجود "إسرائيل"، عندما كنا نتودد بشدة إلى أي زعيم عربي أو مسؤول كبير كان على استعداد على الإطلاق لمقابلتنا أو تلقي رسائل منا عبر طرف ثالث، وعندما كنا على استعداد لتحمل إذلال إنكار العلاقات معنا، كما لو كنا دولة مصابة بالجذام ـ فإن هذا لا ينبغي أن يكون أسلوب عملنا اليوم، في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.

إذا كانت تلك المجموعة من الخرق التي لا قيمة لها، والتي تسمي نفسها حكومة ليبيا، والتي لا تحكم بلادها حقًا ولا تتمتع بالاعتراف والشرعية في جميع أنحاء العالم، لا تريد علاقات معنا أو تخجل منها - فليحترم نفسه، وليذهب للبحث عن أصدقائه في مكان آخر.

إن الليبيين سيستفيدون من وجود علاقات معنا أكثر من مصلحة "إسرائيل" في ربط نفسها بليبيا، وهي دولة ممزقة ومدمرة لا تزال غارقة في حرب أهلية دموية.

تستطيع "إسرائيل"، بل وينبغي لها، أن تحافظ على اتصالات سرية، حتى مع الدول المعادية، بشرط أن تخدم مصالحها السياسية والأمنية، لكن الاتصالات الدبلوماسية الرسمية والملزمة مسألة مختلفة تماماً.

لقد حان الوقت لكي نتوقف عن ملاحقة الآخرين ونعامل أنفسنا بقدر أكبر من الاحترام، ونطالب أيضًا محاورينا باحترامنا، خاصة وأن عملية السلام والتطبيع في علاقاتنا مع العالم العربي قد تجاوزت نقطة اللاعودة.

ففي نهاية المطاف، فإن أغلب الدول العربية، وبالتأكيد تلك التي تستحق لقب الدولة ـأي الدول العاملة التي تحكمها أنظمة مستقرة- كانت تقيم علاقات مع "إسرائيل" منذ فترة طويلة.

ولمن يحتاج إلى إثبات، هنا، في نفس وقت التعقيد الليبي، تم هبوط اضطراري في جدة، عاصمة المملكة العربية السعودية، لطائرة كان معظم ركابها مواطنين إسرائيليين.

وفي ليبيا، كان الغوغاء قد اقتحموا المطار بالفعل لمضايقة الإسرائيليين، ولكن في المملكة العربية السعودية تم استقبالهم بترحيب حار، وتم التعامل معهم بسرعة، وبشكل واقعي؛ لذا فإن جدة، وليس ليبيا، هي التي تحدد الاتجاه الذي يسير فيه العالم العربي في علاقاته مع "إسرائيل"، وكما ذكرنا، لم يعد من الممكن إيقاف هذه الرحلة.

ولعله في هذه المناسبة قد حان الوقت لإعادة تأهيل وزارة الخارجية وإعادتها إلى الأيام العظيمة التي عرفتها في السنوات الأولى لقيام الدولة، عندما كانت عاملاً مركزياً ورائداً في تشكيل علاقات "إسرائيل" الخارجية وعلاقاتها مع جيرانها العرب.