في قبر يوسف نحن نحفر قبرنا

هآرتس

كوبي نيف



من منكم أو من أسلافكم سمع، أو درس، أو تمنى، أو ناح، أو صلى، أو تمتم على "قبر يوسف"، باعتباره مكاناً مهماً ومقدساً لليهود؟ لقد تم ذكر حائط البراق، والحرم الإبراهيمي، وقبر راحيل دائماً كأماكن مقدسة ومهمة، وهذا كل شيء.


"قبر يوسف" كمكان مقدس هو من اختراع طائفة المستوطنين المجانين الذين استولوا عام 1982 على قبر شيخ يدعى يوسف دويكات على مشارف نابلس، والذي كان يستخدم منذ مئات السنين كمكان لصلاة المسلمين، وأعلنوا أنه "قبر يوسف" (لنا. الصديق) وأنشؤوا هناك مدرسة دينية وأسموها "لا زال يوسف حي"، والتي نالت -لسبب ما- اعتراف الدولة.

ومنذ اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987، حظيت هذه المدرسة الدينية أيضاً بأمن عسكري، وأصبحت عملياً قاعدة للجيش الإسرائيلي وفي قلبها مدرسة دينية.


هذه المدرسة الدينية، "لا زال يوسف حي"، الواقعة اليوم في مستوطنة يتسهار المجاورة، كانت ولا تزال العلامة اليمينية الأكثر تطرفا للطائفة الصهيونية الدينية المتعصبة، وكان يرأسها الحاخام يتسحاق غينزبورغ، محرر كتاب "طوبى للرجل" الذي يبرر ويشيد بالمجزرة التي ارتكبها باروخ غولدشتاين في الحرم الإبراهيمي، و الذي ذكر في أحد كتبه أيضاً أنه "لا يحق للعربي أن يعيش في أرض إسرائيل".


و على هذا المكان الوهمي، الذي يقطر بالجنون، أصرت الحكومة الإسرائيلية، بقيادة إسحق رابين، في إطار "اتفاقيات أوسلو"، على الاحتفاظ به كجيب إسرائيلي داخل الأراضي التي تم تسليمها للسيطرة الفلسطينية الكاملة.

لماذا؟ ففي نهاية المطاف، المكان يفتقر إلى أي قيمة أو أهمية دينية أو أمنية، فلماذا أصر "اليسار" على الحفاظ على "قبر يوسف" والمدرسة اليمينية المتطرفة المجنونة التي استقرت هناك، كمنطقة إسرائيلية داخل الأراضي الفلسطينية، في حين كان ينبغي أن يكون واضحاً لكل ربع - أحمق أن هذا سيؤدي حتماً إلى إراقة الدماء المستمرة في المستقبل؟

و نتساءل لماذا وافق الفلسطينيون على ذلك؟ لأنهم هكذا كانوا يعتزمون تدميرنا، كما يقولون لنا، أو أنهم اعتقدوا بسذاجة أن إسرائيل تريد السلام حقاً؟

على أية حال، التنبؤ الذي متوقعا للغاية، والذي لسبب ما لم يفكر فيه أحد -أو ربما كان يقصد ذلك بالفعل- لقد تحقق بالكامل، ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم، للمرة الأخيرة قبل بضعة أيام فقط قُتل وجرح الناس دفاعاً عن هذا المكان، عن هذا الغباء الهائل، وهذا العمل المجنون، مئات من الجنود والمدنيين الإسرائيليين والفلسطينيين، وبالطبع هذه ليست النهاية.

فقط بعد حوالي 20 عاماً من الغباء القاتل الرهيب، وفي نوبة مؤقتة من المنطق السليم، قامت الحكومة الإسرائيلية بإخلاء المجمع الديني والقوة العسكرية التي كانت متواجدة هناك طوال الوقت، وعلى الرغم من ذلك، تم الاتفاق مع الفلسطينيون على زيارة شهرية منتظمة، يشارك فيها بشكل رئيسي المختلون من المستوطنين وأتباعهم الشاذين، الحاخام بيرلاند، بثلاث كتائب، أي لواء كامل من الجيش الإسرائيلي، يؤمنون الزيارة، التي يتمثل هدفها الهامشي في عبادة وثنية، وهدفها الرئيسي، باستخدام لغة بن غفير - سموتريتش، "هو أن نظهر للعرب من هو السيد هنا، في كل إسرائيل".


وفي هذه الطقوس الشهرية المجنونة والقاتلة، يشارك أيضاً كبار المسؤولين الحكوميين الإسرائيليين بانتظام، وهذه قائمة جزئية – الوزراء وأعضاء الكنيست شلومو كارعي، عيديت سيلمان، بوعز بسموت، عوزي ديان، عميحاي شيكلي، نيسيم فاتوري (الليكود)، ألموج كوهين، ليمور سون هار ميليخ (عوتسما يهوديت) والعديد من الآخرين أيضاً مثل كبار ضباط الجيش اللواء آفي بيلوت والمقدمين شمعون سيسو وروعي تسويغ، وكذلك مفوض الشرطة كوبي شبتاي بحضرته ونفسه وقوته.


وهذا يعني أن الطقوس الشهرية المجنونة في "قبر يوسف"، والتي يؤمنها لواء كامل من الجيش الإسرائيلي، والتي يشارك فيها كبار الضباط بالزي العسكري ووزراء الحكومة وأعضاء الكنيست، ليست في الحقيقة، كما أخطأت وكتبت أعلاه، طقوس وثنية وهمية هامشية لمجموعة من المجانين، إنها طقوس وثنية غير ضرورية هاذية، مصحوبة بإراقة دماء، معظمها من الفلسطينيين ولكن أيضاً من اليهود، والتي تحافظ عليها وتقدسها دولة إسرائيل الرسمية، بما فيهم أنتم.

وليس هذا فحسب، بل لم يقف أحد في دولة إسرائيل، لا وزيراً ولا ضابطاً، لا في عهده ولا بعد تقاعده، ويقول لنفسه ولشعبه: "لعل هذا يكفي من سفك الدماء بلا داع؟ لماذا لا ننقل "قبر يوسف" هذا إلى السيطرة الكاملة للفلسطينيين، دون زيارات وأحاديث من اليهود، و ننتهي من هذه المشكلة القاتلة التي جلبناها على أنفسنا؟"؛ ففي نهاية المطاف، عاش اليهود لمدة ألفي عام بدون قبر يوسف، وقبر مردخاي اليهودي الموجود في إيران، ولا يستطيع اليهود الإسرائيليون المساكين زيارته على الإطلاق، وماذا في ذلك؟ لماذا نقتل ونموت من أجل لا شيء ولا شيء، فقط لنظهر للعرب أننا أسياد؟

وأيضاً الذي يدعي القيادة، بيني غانتس، عندما سُئل عما يجب فعله مع زيارات "قبر يوسف"، قال إنها ليست مسألة سياسية، بل مسألة تكتيكية محلية، تخضع للقرار الاستخباراتي والعملياتي لفرقة الضفة ولواء "السامرة" بداخلها؛ لذا فإن أولئك الذين يعتقدون أن "البديل" سوف يظهر هنا، نقول له لا.

إن الاحتفالات الدموية الشهرية حول "قبر يوسف"، سواء أدفن هناك شيخ ما، أو في الواقع يوسفنا بقميصه المخطط، ليست سوى عرض واحد، وخاصة واهم، للمشكلة الوجودية الأساسية لدولة إسرائيل، والتي بدل القيام في تأمين حياتنا هنا في المستقبل، فهي تتعامل مع ماضينا وتقوم بتأمينه، وذلك أيضا ظاهريًا فقط، وتقدس الموت بدلاً من الحياة.

نحن نقدس كل تل أو ظل في "أرض إسرائيل" ونَقتل ونُقتل عليه ("لكننا نقتلهم أكثر!") في حين أن الهدف الكبير، ما تم على نطاق صغير في "قبر يوسف"، هو طرد الفلسطينيين وإقامة دولة يهودية وثنية، الأمر الذي ستضمن لنا الحرب والدماء والموت لسنوات قادمة.

لذلك، عندما نرقص نحن -قادتنا ووزرائنا وضباطنا وأغبيائنا- في "قبر يوسف" الفلسطيني، بينما يطلق جنودنا النار خارجه على الفلسطينيين ويطلقون النار علينا -فقط لإثبات، إذا جاز التعبير، أن "أرض إسرائيل ملك لشعب إسرائيل"- فإننا بذلك نحفر قبورنا بأنفسنا.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023