سباق التسلح النووي... الخطر الكامن وراء الاتفاق مع السعودية

القناة الـ12
عاموس جلعاد
ترجمة حضارات



في إطار الاتفاق الذي يجري تشكيله بين الولايات المتحدة والسعودية و"إسرائيل"، يسعى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للحصول من الولايات المتحدة على تصريح لتطوير دورة كاملة لإنتاج الوقود النووي في أراضي المملكة.  

المعنى الرئيسي لذلك، هو وضع البنية التحتية لتطوير البرنامج النووي العسكري السعودي في المستقبل.

 والنتيجة الأخرى قد تكون سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، والذي سيشمل في المقام الأول إيران ومصر وتركيا.

فضلاً عن ذلك فإن موافقة "إسرائيل" على تخصيب اليورانيوم في المملكة العربية السعودية سوف تشكل في واقع الأمر إلغاء لمبدأ رئيس الوزراء بيغن، والذي يقضي بأن تعمل "إسرائيل" على منع أي دولة في الشرق الأوسط من تطوير أو امتلاك الأسلحة النووية.


 إن هذه التطورات سوف تخلف عواقب سلبية على الاستقرار في الشرق الأوسط، وعلى صورة "إسرائيل" في القوة والردع، وعلى النظام العالمي لمنع الانتشار النووي.


المخطط السعودي والرد على إيران


يعد تطوير القدرات في المجال النووي ركيزة أساسية لرؤية ولي العهد لتحويل المملكة العربية السعودية إلى قوة عالمية، مستفيدة من التدخلات الأمنية الأمريكية وإمكانية الحصول على الأسلحة النووية.

في الواقع، يهدف بن سلمان إلى خلق وضع لا تتخلف فيه السعودية عن إيران في السباق للحصول على قدرات نووية عسكرية.

وقد تم التعبير عن هذا الرأي في تصريحاته العلنية بأنه "إذا طورت إيران قنبلة نووية، فإن المملكة العربية السعودية ستحذو حذوها".

ومن العلامات المريبة التي تشير إلى أن هذا طموح طويل الأمد لإنشاء برنامج نووي عسكري، نجده في حقيقة مفادها أنه ليس من المنطقي اقتصادياً إنشاء بنية تحتية لتخصيب اليورانيوم وتجنب الخيار الأبسط المتمثل في شراء اليورانيوم المخصب، خاصة في ظل ضعف قدرات السعودية في المجال النووي، فإن علامات الاستفهام تتعلق بكميات رواسب اليورانيوم الموجودة في المملكة وطالما أنها لا تمتلك أكثر من عشرة مفاعلات.

 كما سيتم التأكيد على أن السعودية رفضت حتى الآن التوقيع على اتفاقية التفتيش الكامل العادية و"البروتوكول الإضافي" للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما يعني تشديد رقابة الوكالة على أنشطتها في المجال النووي.

وينبغي أن يضاف إلى ذلك المنشورات المتعلقة بالعلاقات بين المملكة العربية السعودية وباكستان في المجال النووي.

الادعاء المركزي الذي تم تداوله هو أن المملكة العربية السعودية لديها بدائل أخرى غير الولايات المتحدة لإنشاء دائرة للوقود النووي، وفي الواقع فإن هذا الإدعاء غير صحيح.

ولم توفر القوى النووية، وفي المقام الأول الولايات المتحدة وروسيا والصين، إمكانية الوصول وقدرات التخصيب إلى بلدان أخرى.

 والولايات المتحدة، صاحبة النظرة الأكثر صرامة، وفقا لسياسة "المعيار الذهبي"، تحظر أنشطة تخصيب اليورانيوم وفصل الوقود المشعع، كشرط لبيع مفاعلات الطاقة.

وذلك كما حدث، على سبيل المثال، في الاتفاقيات التي وقعتها الولايات المتحدة مع الإمارات العربية المتحدة (2009) وكوريا الجنوبية (2015)، بل إن الأخيرة التزمت في وقت سابق في اتفاقياتها مع الولايات المتحدة بالامتناع عن القيام بأنشطة تتعلق بالتخصيب والفصل.

وبالمثل، فإن روسيا مخلصة لسياسة منع نقل قدرات التخصيب، وهو ما يتجلى في نشاطها لإنشاء مفاعلات الطاقة في إيران وتركيا ومصر، وذلك بموجب عقود خاصة، مما يعني أن روسيا نفسها مسؤولة عن إمداد المفاعلات بالوقود النووي ونقل الوقود المشعع إلى روسيا.

والاستثناءات في العقود الأخيرة هي باكستان وكوريا الشمالية، اللتان باعت سرا قدرات نووية عسكرية لإيران وسوريا وليبيا، كما يجب على "إسرائيل" أن تضغط من أجل خيارات أخرى..

يتعلق أحد الأسئلة الرئيسية بدرجة استقرار النظام السعودي وأمن المنشآت النووية في أراضي المملكة.

هذا، خاصة في ضوء دروس الماضي بعد انهيار نظام الشاه في إيران وصعود جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر قبل نحو عقد من الزمن.

في سيناريو الانقلاب والأزمة الداخلية العميقة، سيتم الوفاء بجميع الالتزامات التي ستتعهد بها المملكة العربية السعودية، بما في ذلك، على سبيل المثال، الاستعداد لإنشاء مصنع خارج الحدود الإقليمية في أراضي المملكة تحت السيطرة الأمريكية والإشراف الدقيق من قبل الولايات المتحدة. الوكالة الدولية للطاقة الذرية لن يكون لها أي تأثير.

وهذا يعني أنه بعد أن يهدأ غبار صفقة التطبيع، قد تجد "إسرائيل" نفسها في واقع مليء بالمخاطر الاستراتيجية.

ونظراً لذلك، يجب على "إسرائيل" أن تعارض أي إمكانية لإنشاء دائرة كاملة للوقود النووي في المملكة العربية السعودية. علاوة على ذلك، هناك نماذج مختلفة يمكن للسعودية استخدامها للحصول على اليورانيوم المخصب للاستخدامات المدنية، دون القيام بالتخصيب على أراضيها.

على سبيل المثال، ملكية سعودية جزئية لمصنع تخصيب خارج المملكة، في الولايات المتحدة أو دولة أوروبية أخرى، دون الوصول إلى التكنولوجيا.

 وهذا يشبه ملكية إيران الجزئية لمصنع لتخصيب اليورانيوم في فرنسا في عهد الشاه. وثمة خيار آخر يتمثل في شراء اليورانيوم المخصب من سوق الطاقة الدولية، كما تفعل إسبانيا أو فنلندا على سبيل المثال.

 وتجدر الإشارة إلى أنه في أي حال من الأحوال توجد صعوبات في الحصول على اليورانيوم المخصب لاستخدامه في الوقود النووي لمفاعلات الطاقة، فهناك بنك للوقود المخصب في كازاخستان تحت سيطرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. والنموذج الآخر المحتمل هو الاتفاقية الموقعة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية. 

 الاتفاق لا يغلق الباب أمام الأنشطة في دائرة الوقود، لكنه مشروط بالموافقة الأميركية. ومن ثم فإن المخاطر الكامنة في الاتفاقية منخفضة، وبالتالي يمكن أن تشكل الأساس لاتفاق مستقبلي.

خلاصة القول، تشكل اتفاقيات السلام والتطبيع بين "إسرائيل" والدول العربية لبنة مركزية في الأمن القومي لدولة "إسرائيل".

وسيكون لاتفاقية السلام مع المملكة العربية السعودية أيضًا آثار إيجابية بعيدة المدى على "إسرائيل". 
ومع ذلك، إذا تضمن هذا الاتفاق تطوير القدرات اللازمة لإنشاء دورة وقود كاملة في المملكة العربية السعودية، فإن المخاطر على إسرائيل والاستقرار الإقليمي ستكون كبيرة؛  لذلك، من الضروري منع السعودية من تطوير هذه القدرات الخطيرة. وأي خيار آخر يمكن أن يكون بكاءً لأجيال عديدة.


جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023