معهد القدس للاستراتيجية والأمن
البروفيسور افرايم عنبار
ترجمة حضارات
يمكن أيضًا التعلم من حالات الفشل، لقد ارتكزت اتفاقيات أوسلو، على افتراض أن هناك تغييراً جوهرياً في موقف الحركة الوطنية الفلسطينية تجاه "إسرائيل".
لقد خدعنا، وحتى يومنا هذا لم يتم تلبية مطلب الاعتراف بـ"إسرائيل" كدولة قومية للشعب اليهودي، كما لم يتم قبول طلب الوصول إلى "نهاية المطالبات".
أي أنه لا بد من الاستنتاج بأن الحركة الوطنية الفلسطينية بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، والتي تتحداها حماس، ليست ناضجة للتوصل إلى تسوية تاريخية مع الحركة الصهيونية، وقد يتخذ الصراع في المستقبل المنظور أشكالاً مختلفة من العنف.
وفي الواقع، ووفقاً لاستطلاعات الرأي العام بين الفلسطينيين، فإن استخدام القوة ضد اليهود يحظى بتأييد كبير.
وحتى لو سئم جزء من الشعب الفلسطيني الصراع ويريد السلام والازدهار، فإن ثمن الدماء في الصراع مع "إسرائيل"، لا يخفف من أيدي الجماعات الموالية لمفهوم معارضة الكيان الصهيوني.
وكجزء من عملية أوسلو، تم نقل الأراضي إلى السيطرة الحصرية للفلسطينيين، ومع ذلك، فإن السلطة الفلسطينية التي نشأت في أعقاب اتفاقيات أوسلو تواجه صعوبة في العمل كدولة.
إن أهم ما يميز الدولة هو احتكار استخدام القوة، فقدت حكومة رام الله السيطرة على قطاع غزة لصالح ميليشيا مسلحة منافسة، حماس، في عام 2007.
ومؤخراً فقدت السلطة الفلسطينية السيطرة على شمال الضفة الغربية، وأصبحت مخيمات اللاجئين معاقل للتنظيمات المسلحة التي لا تستمع للحكومة المركزية، إن الافتقار إلى القدرة على الحفاظ على احتكار استخدام القوة هو السمة المميزة للعديد من الكيانات العربية.
لبنان وليبيا والعراق وسوريا واليمن هي دول بالاسم فقط، لأن الحكومة المركزية تفتقر إلى القدرة على التعامل مع الجماعات المسلحة.
وهذه الظاهرة لا تبشر بالخير بالنسبة للثقافة السياسية السائدة في المنطقة، ولإمكانية التوصل إلى علاقات سلمية مستقرة مع جيراننا.
ويؤدي التعليقان السابقان إلى الاستنتاج المؤسف، بأن المنطقة التي توجد فيها دولة "إسرائيل" لا تشبه على الإطلاق مناطق أخرى من العالم يسود فيها السلام بين الدول، ولا يشكل استخدام القوة بديلاً يتبادر إلى الذهن لحل الصراعات بين الجيران.
وخلافاً لمناطق السلام (أميركا الشمالية على سبيل المثال)، فإن استخدام القوة في الشرق الأوسط يشكل بديلاً في أدوات الكيانات السياسية، لذلك، تحتاج "إسرائيل" إلى استيعاب الحقيقة غير المريحة المتمثلة، في أن الشعب اليهودي سيضطر إلى العيش على سيفه لفترة طويلة قادمة.
تشير هذه الحقيقة إلى الحاجة الأمنية، لمواصلة السيطرة العسكرية على كامل أرض "إسرائيل" من النهر إلى البحر، ولا يمكن لدولة "إسرائيل" أن تتحمل خسارة السيطرة على هذا الفضاء.
أي أن "إسرائيل" ستواصل مراقبة المنطقة التي يعيش فيها العديد من الفلسطينيين، ليس أمام "إسرائيل" خيار سوى أن تشرح لنفسها وللعالم، أن الفلسطينيين معادون لدولة "إسرائيل" وأن هناك مجموعات داخلها تعمل بعنف ضد الدولة اليهودية.
علاوة على ذلك، فإن النظام السياسي الفلسطيني غير قادر على منع المقاومة ضد "إسرائيل"، حتى لو أراد ذلك.
وطالما لم يحدث تغيير في نظام التعليم الفلسطيني، الذي يدرس محتوى معاد للسامية ومعادي لـ"إسرائيل"، وطالما ظلت السلطة الفلسطينية تدفع رواتبا للمقاومين وطالما ظلت أبواقها تبث رسائل معادية للسامية فلن يكون هناك سلام.
إن ما يسمى الاحتلال، سيظل هو السمة المميزة للعلاقات بين "إسرائيل" والفلسطينيين.
اليوم هناك إجماع وطني في "إسرائيل" على أن هذه المحاولة لحل الصراع مع الفلسطينيين قد باءت بالفشل، علاوة على ذلك، فإن الاعتقاد بأنه من المستحيل حل الصراع المستمر منذ أكثر من مائة وخمسين عاما، هو أمر معروف لدى الجميع في "إسرائيل".
إن السياسة الإسرائيلية في إدارة الصراع هي السياسة الافتراضية لعملية أوسلو، وتتغلغل هذه الرؤية أيضاً في المجتمع الدولي، وتتطلب هذه السياسة تقليل الاحتكاك مع الفلسطينيين.
ويتعين على "إسرائيل" أن تستخدم قوتها العسكرية بحذر، ومن الضروري بطبيعة الحال توجيه الاستيطان اليهودي إلى الأماكن التي توجد فيها فائدة أمنية فقط، مثل المناطق المحيطة بالقدس ووادي الأردن.
ومن العار أن تتطلب عملية التعلم إراقة دماء الإسرائيليين، في البداية أطلق عليهم مؤيدو محاولة التوصل إلى تفاهم مع الفلسطينيين لقب "ضحايا السلام".
وبمرور الوقت، أصبح من الواضح أن الضحايا كانوا نتيجة المقاومة الفلسطينية، بدافع الكراهية الشديدة للدولة اليهودية.
ربما لم يكن هناك خيار سوى التحرر من حلم جميل ولكن غير واقعي فقط عن طريق سفك الدم اليهودي، ومن الواضح أن الأمم تتعلم ببطء.
ولكن الفشل يوضح أنه على الرغم من أن القضية الفلسطينية لم يتم حلها، فمن الواضح اليوم أن الصراع بين "إسرائيل" والفلسطينيين لا يؤدي إلى عدم الاستقرار في بقية السلطة الفلسطينية، لقد تبين أن الافتراض بأن للفلسطينيين حق النقض على علاقات الدول العربية مع "إسرائيل" غير صحيح.
وللأسف فإن الشرق الاوسط مليئ بالصراعات والمشاكل الاجتماعية والسياسية التي ليس لليهود أي جزء منها، علاوة على ذلك، فإن القضية الفلسطينية لا تمنع الدول العربية من الحفاظ على علاقات دبلوماسية عامة وعلاقات متبادلة المنفعة مع "إسرائيل".
لقد تجرأت مصر على إثبات ذلك بالفعل في عام 1979، واتفاقيات إبراهيم لعام 2020 تشهد على ذلك بقوة أكبر.
ومع ذلك، لا ينبغي لـ"إسرائيل" أن تقع في وهم أن قبول "إسرائيل" في الدوائر المتنامية في العالم العربي، هو عملية ذات اتجاه واحد.
لا تزال القضية الفلسطينية تتردد في أروقة المباني الحكومية، وفي الفصول الدراسية في المؤسسات التعليمية في العالم العربي.
وفي ظل ظروف معينة، يمكن أن تجد "إسرائيل" نفسها معزولة ومهددة من قبل الدول العربية مرة أخرى، لذلك، يجب أن نستمر في الاستثمار في الجيش الإسرائيلي القوي، وهو الضمان لأمن البلاد ومواطنيها.