الفقر يدمر صحة سكان قطاع غزة

منتدى التفكير الإقليمي
جنات يوسف
ترجمة حضارات



جنات يوسف صحفية وكاتبة تعيش في قطاع غزة. 
تكتب تحت اسم مستعار في فريق أوفيك من معهد فان لير ومنتدى التفكير الإقليمي.
​​​​​​​

من الطبيعي أن يكون فقدان الصحة هو النتيجة الأولى للفقر. وقد يسبب الفقر إهمالاً صحياً مما قد يؤدي إلى تدهور الصحة تدريجياً.

إن سكان غزة فقراء، وهم يزدادون فقراً يوماً بعد عام. إن الفقر المدقع الذي يعاني منه سكان غزة يزيد من تعرضهم للأمراض بطرق مختلفة. أدناه سنراجع بعض هذه الحالات.


مواد التنظيف الخطرة في الإنتاج المنزلي

عبير خالد، امرأة في الأربعينيات من عمرها، لم تتردد في بدء عمل تجاري من المنزل للحصول على بعض المال. الضغط المالي على عبير كبير لأنها أم لعائلة كبيرة وزوجها غير قادر على الحصول على عمل.

قررت عبير إنتاج مواد التنظيف بطرق بسيطة، دون معايير صحية ودون إشراف وزارة الصحة، وبيع المنتجات لجيرانها الفقراء بأسعار منخفضة وبالتالي كسب المال.

وتقول عبير إنها شاهدت دورة قصيرة حول إنتاج مواد التنظيف، ثم بدأت بصناعتها في المنزل. وهذا يسبب ضرراً على صحتها - فمثلاً تحتاج المكونات إلى ساعتين متواصلتين من الخلط.

وفوق ذلك فإن المكونات النشطة تنشر روائح كريهة ومضرة تضر رئتيها وتسبب لها السعال إلى حد الاختناق تقريباً.

وتحدثنا مع الدكتور أمجد عبد العزيز خبير الأمراض الجلدية والتناسلية حول الأمر، وأكد أن أي شخص يمكنه إنتاج مواد التنظيف إذا توفرت لديه المواد الأولية اللازمة، وأهمها المادة المعروفة باللغة العربية بـ " ata" - واسمه العلمي هو الإيثانولمين - المادة الفعالة في مواد التنظيف.

والمواد الإضافية اللازمة للإنتاج هي مادة تعرف باللغة العربية بـ "اللبس"، بالإضافة إلى الأصباغ والعطور والمواد الحافظة وملح الطبخ - وهي مادة ضرورية لعملية الإنتاج.

تنتج الشركات المصنعة المحلية مواد سائلة لتنظيف الأرضيات والأيدي والملابس، لكنها لا تأخذ في الاعتبار الأضرار الصحية الناجمة عناستخدامها دون معايير فريدة.

وبالفعل يتم امتصاص بعض هذه المواد في الجسم وتزيد فرصة الإصابة بسرطان البروستاتا وسرطان المثانة لدى الرجال.

وبحسب المسوحات الإحصائية فإن نسبة الإصابة بهذه الأنواع من السرطان ارتفعت بشكل ملحوظ في قطاع غزة، وذلك بسبب احتواء مواد التنظيف على مواد خطرة، مثل حمض الهيدروكلوريك والصودا الكاوية وحامض الكبريتيك والكلور، هذا بالإضافة إلى أضرار هذه المواد على البشرة.

مكعبات شوربة الدجاج بدل اللحم

إن تناول اللحوم في منزل غزة، بجميع أنواعها، أمر نادر الحدوث. ويستغل سكان غزة فرصة عيد الأضحى لمدة عام لتخزين كميات كبيرة من اللحوم، لكنها تنفد بسرعة كبيرة.

يعتمد طعام سكان غزة، الذي ينتمي إلى قلب المطبخ الشرقي، على اللحوم، لذلك تستبدل ربات البيوت في غزة استخدام اللحوم بمكعبات أو مساحيق حساء الدجاج. ويستخدمونها في تحضير أنواع الحساء المختلفة، ويضيفونها كمنكهات لمختلف الأطباق التي من المفترض أن تحتوي على اللحوم.

ولا يكاد يوجد بيت في غزة يخلو من هذه المكعبات. وهي بأنواعها المختلفة تباع في الأسواق بكميات كبيرة، بعضها ينتج محلياً وبعضها مستورد.

ويقول خبير التغذية الدكتور يحيى قسام، إن مكعبات شوربة الدجاج التيم استخدامها أحيانا حتى بعد سحقها، ضارة جدًا بالصحة، وهو في الواقع حساء أو مرقة مجففة على شكل مكعب وزنه 15 ملغم، وتحضر المكعبات أيضاً من الخضار المجففة ومرق اللحم أو الدجاج، وتحتوي إلى جانب الملح والبهارات أيضاً على نسبة قليلة من ملونات الطعام.

والضرر الحقيقي يكمن في الغلوتامات أحادية الصوديوم، التي تسبب ارتفاع ضغط الدم، وكذلك في استخدام زيت بذرة القطن، والذي بدوره هو السبب الرئيسي لأمراض القلب والشرايين في جميع أنحاء العالم.



عصائر صناعية محلية الصنع

وفي المناسبات الخاصة والأعياد، تزين العصائر الصناعية موائد الضيوف في غزة، لأن الأسر الغزية لا تملك القدرة المالية على تقديم المشروبات الغزية الحقيقية والعصائر الطبيعية لضيوفها.

أم محمد، ربة منزل في الخمسينيات من عمرها، تحتفظ في منزلها بوعاء سعة لتر ونصف من العصير المركز، تستخدمه عندما يأتي الضيوف إلى منزلها أو عندما تكون هناك مناسبة احتفالية حيث جرت العادة على توزيع العصائر والحلويات على الجيران - على سبيل المثال، عندما ينجح أحد أبنائها في الامتحانات المدرسية.

يتم تحضير العصير الاصطناعي من كمية كبيرة من السكر والمنكهات وألوان الطعام التي تضاف إلى الماء المغلي، تضاف المواد الحافظة إلى المحلول، ويعبأ في زجاجات وحاويات بلاستيكية.

وبما أن سكبه في البلاستيك وهو ساخن، فهو مضر جداً بالصحة، كما يؤكد خبير الطب البديل إيهاب موسى.

وأشار موسى أيضاً إلى أن هذه العصائر يتم إنتاجها بطرق بدائية في المنازل الخاصة، ويشتريها الفقراء من السكان نظراً لرخص سعرها وإمكانية صنع العصير منها بكميات كبيرة  كوب صغير من المركز يكفي  لما يقرب من لتر من العصير وربما أكثر، بسبب نسبة السكر العالية في هذا المركز وما يحتويه من نكهات ولونه الجذاب، فهو محبوب بشكل خاص من قبل الأطفال.
 ويؤكد موسى أن هذه المركزات تعرض الصحة للخطر من عدة جوانب: فهي تسبب السمنة وأمراض الكلى لدى البالغين والشباب.

الفشل الكلوي هو المرض الأكثر شيوعًا في فلسطين. وفي قطاع غزة على وجه الخصوص، هناك ارتفاع كبير في نسبة المرضى الذين يعانون من أمراض الكلى والفشل الكلوي، وخاصة بين المرضى الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم المزمن.

ويبدو أن الوضع في قطاع غزة الواقع تحت الحصار الإسرائيلي منذ عام 2006، لم يتغير، وفي هذا العام، تم تسجيل معدل فقر غير مسبوق مرة أخرى في قطاع غزة.

يضاف إلى ذلك الانخفاض في أجور العمال، الذي بقي دون المتوسط ​​العام؛ مما يزيد من تفاقم الوضع الاقتصادي والصحي لسكان قطاع غزة، ويدفعهم إلى ابتكار أساليب معيشية تلحق الضرر بهم، ظناً منهم أن هذه أساليب تساعدهم على التغلب على ظروفهم المعيشية الصعبة.

يشار إلى أن معدل الفقر في القطاع تجاوز الـ 80% نهاية عام 2022، كما أن متوسط ​​معدل الدخل اليومي أقل من دولار أمريكي واحد، حتى وفق التقديرات الأكثر تفاؤلاً.



جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023