الأسماء الحركيّة التي مُنحت للملك حسين تدل على متانة العلاقة مع "إسرائيل" عشية الحرب

هآرتس

عوفر أديرت

ترجمة حضارات


في 25 أيلول 1973، قبل أيام قليلة من اندلاع حرب يوم الغفران (حرب أكتوبر)، جرى اللقاء الشهير بين الملك الأردني، حسين، ورئيسة الحكومة غولدا مئير، في منشأة تابعة لجهاز "الموساد" قرب تل أبيب.

عُقد ذاك اللقاء في أعقاب طلب عاجل من الملك الذي أراد أن يقدّم لـ"إسرائيل"، معلومات استخبارية محدَّثة حول نوايا سورية لشن حرب من أجل إعادة احتلال هضبة الجولان، التي كانت "إسرائيل" قد احتلتها في حرب الأيام الستة. موضوع تنظيم هذا اللقاء كان قد كُشف النقاب عنه قبل عشرات السنين، ثم جرى الكشف لاحقاً عن نص الحديث الذي جرى خلاله.

والآن، بمرور 50 سنة على حرب يوم الغفران، أضاف أرشيف الدولة وثيقة أخرى إلى المجموعة، ونشر ما كُتب عن هذا اللقاء في يوميات ديوان رئيس الحكومة، والتي أدار التدوين فيها آنذاك إيلي مزراحي.

في دفتر اليوميات، يُذكر حسين بلقب "ليفت" أحد الأسماء الحركية التي استخدمتها "إسرائيل"، لتمويه هويته الحقيقية في الوثائق المتعلقة به.

"روى ليفت خلال المحادثة أنهم قد علموا، من مصدر على أعلى درجات الحساسية، أن جميع التحضيرات والتخطيطات بشأن العملية السورية قد استُكملت، وأن الوحدات قد احتلت مواقعها منذ يومين.

وهذا يشمل سلاح الجو والصواريخ"، كما دوّن مزراحي في دفتر اليوميات في 25 أيلول 1973"، التحضيرات المذكورة كانت تجري تحت غطاء التدريبات، لكن وفقاً لمعلومات تم تلقيها قبل ذلك، فمن الواضح أن الحديث يدور عن مواقع انطلاق.

قالت الشخصية إنها لا تعلم ما هي دلالة ذلك، لكن تلك هي حقائق"، أضاف حسين مقتبِساً، ثم كتب فيما بعد إن "رئيسة الحكومة سألت هل من الممكن أن يشن السوريون هجوماً حتى بدون التعاون الكامل مع المصريين"، وعلى ذلك "أجابت الشخصية العربية"، بحسب أقوال مزراحي، "بأنها لا تعتقد أنهم سيتعاونون".

كان ذلك التحذير الثالث في غضون ثلاثة أشهر، الذي ينقله الأردنيون إلى "إسرائيل" عشية اندلاع الحرب، ولكن هذا التحذير أيضاً لم يقنع الحكومة بضرورة الاستعداد.

وكما كتب بروفيسور أوري بار يوسف في كتابه الجديد، "انتعاش" (منشورات كنيرت)، فإن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، إيلي زعيرا، تعامل باستهتار مع أقوال الملك، وقال إن "المعلومة قصيرة وغير كاملة"، ونقل قسم الأبحاث في "أمان" لصنّاع القرار إن المعلومات التي قدمها حسين، لا تتضمن أي جديد وليس بالإمكان اعتبارها تحذيراً من عملية.

تم كشف النقاب تماماً عن كل مفكّرة مدير ديوان رئيس الحكومة، التي كانت أجزاء منها قد نُشرت في السابق، وذلك ضمن مجموعة كبيرة من المواد الأرشيفية، تملك نحو 3,500 ملف تحتوي على مئات آلاف الصفحات، يقوم أرشيف الدولة بنشرها الآن على موقعه على الشبكة. وتوثق هذه الوثائق الأحداث قبل، خلال وبعد الحرب على الساحة السياسية، العسكرية، الدولية، الجماهيرية والمدنية.

بدءاً باتخاذ القرارات، مروراً بالقتال على الجبهات المختلفة، الاتصالات السياسية مع مصر وسوريا بوساطة الدول العظمى وانتهاءً باتفاقيات فصل القوات في العام 1974.

وتُنشر في المجموعة، ضمن ما يُنشر، بروتوكولات المداولات الحكومية والمشاورات السياسية ـ الأمنية، إلى جانب نحو ألف صورة من الحرب ونحو 750 تسجيلاً صوتياً وشريطاً مُصوّراً، سجّلها وصوّرها صحفيون وجنود، وفيها توثيق للحرب، بالصوت والحركة.

تقرير لرون بن يشاي من الميدان

قالت أمينة أرشيف الدولة، روتي أبراموفيتش، إن هذا "هو الكشف الأكبر الذي يقوم به أرشيف الدولة، منذ تأسيسه"، لكنّ جزءاً كبيراً من المواد ذات القيمة العالية التي تُنشر ضمن المجموعة الجديدة، بما في ذلك البروتوكولات، التسجيلات والأشرطة المصورة، كان أرشيف الدولة قد كشف عنها في السابق وعرضها على موقعه على الشبكة، وكذلك ضمن تقارير ومقالات وكتب، في العام 2010 وفي العام 2013 وكذلك في السنوات الأخيرة.

ولهذا السبب، ليست ثمة كشوفات مثيرة أو تجديدات بحثية هامة في المجموعات الجديدة، من شأنها تغيير ما هو معروف في الأبحاث المتوفرة حول الحرب، ومع ذلك، بين مئات آلاف الصفحات تختبئ، أيضاً، بعض المعلومات الجديدة التي من شأنها تحديد (من حدّة) وتعميق بعض القضايا البحثية العينية، إلى جانب ذلك، من شأن تركيز جميع هذه المواد في مكان واحد وإتاحتها أمام الجمهور الواسع بشكل مقروء أن يتيحا التعمق في دراسة الحرب من زوايا مختلفة.

يتبين من دفاتر يوميات مزراحي، على سبيل المثال، أن جولدا مئير أرسلت إلى الملك حسين برقية يوم 5 تشرين الأول، قبل اندلاع الحرب بيوم واحد، بروفيسور أوري بار يوسف، كبير الباحثين في هذه الحرب، قال لصحيفة "هآرتس" إن هذه معلومة هامة تدل على مستوى التنسيق بين "إسرائيل" والأردن.

وتظهر المعلومة حول هذه البرقية في دفتر اليوميات بتاريخ 6 تشرين الأول في الساعة 10:05 صباحاً، قبل ساعات معدودة من نشوب الحرب، العميد يسرائيل ليئور، السكرتير العسكري لرئيسة الحكومة، أبلغ مئير آنذاك بأنّ "ثمة تأكيداً من 'ليفت' (الملك حسين) على استلام البرقية من يوم 5 تشرين الأول، لكن لا تعقيب على سؤال رئيسة الحكومة في ختام برقيتها المذكورة".

كان قد كُشف النقاب عن هذه الوثيقة من قبل، إلا أن الرقابة كانت قد حذفت منها كلمة "ليفت" آنذاك، الآن فقط، مع الكشف عنها، يمكننا أن نفهم أن الحديث كان يجري عن برقية أُرسلت إلى الملك حسين، ومع ذلك، لا يتضمن دفتر اليوميات تفاصيل حول مضمون البرقية وما ورد في نهايتها. ولكن، بالإمكان التخمين بأنها كانت تتعلق بطلب غولدا مئير، بأنه إذا ما نشبت الحرب فعلى الملك حسين الالتزام بما تم الاتفاق عليه مع "إسرائيل"، وعدم الانضمام إلى الجيوش العربية.

في الوثائق التي نُشرت اليوم ثمة الكثير من الصفحات التي لا تزال الرقابة تحظر الكشف عنها ونشرها، لأسباب تتعلق بأمن الدولة، علاقاتها الخارجية أو حماية حقوق الخصوصية الفردية، بعض هذه الصفحات قد يُنشر بعد 40 سنة فقط، بمرور 90 عاماً على اندلاع الحرب.

هكذا، على سبيل المثال، تشير يوميات مزراحي إلى أن "إسرائيل" ربما تكون قد أرسلت إلى الملك حسين برقيات إضافية أخرى، في وقت لاحق من الحرب أيضاً، إلا أن المعلومات بشأن ذلك لا تزال خاضعة للرقابة.

وتشير وثائق أخرى في المجموعة إلى أنه إلى جانب لقب "ليفت"، الذي استخدمته "إسرائيل" لوصف الملك حسين في الوثائق السرية، فقد أُلصق للملك الأردني لقب آخر هو "ينوكا" (أي، الطفل الرضيع، بالآراميّة) وذلك على خلفية تتويجه ملكاً قبل أن يبلغ السابعة عشرة من عمره.

يظهر هذا اللقب في برقية أرسلها المدير العام لديوان رئيس الوزراء، مردخاي جزيت، إلى سفير "إسرائيل" في واشنطن، سمحا دينيتس، في حزيران 1973، قبل بضعة أشهر من اندلاع الحرب.

"بشأن ينوكا أيضاً"، ورد في مستهل البرقية التي قبل فيها إن حسين عبّر عن خشيته من دخول جيوش عربية أجنبية، إلى داخل مناطق المملكة، وتنضم هذه الوثيقة إلى معلومات أخرى نقلها الملك حسين خلال لقاءات سابقة أجراها مع غولدا مئير، وروى فيها عن ضغوط تُمارَس عليه للانخراط في الحرب ضد "إسرائيل".

وتنضم هذه المجموعة من الوثائق إلى مجموعتين أرشيفيتين كبيرتين، كانتا قد نُشرتا على الشبكة العنكبوتية خلال الأشهر الأخيرة، الأولى من أرشيف الجيش الإسرائيلي، والثانية من جمعية مركز حرب يوم الغفران.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023