ثمن باهظ للتطبيع مع السعودية

موقع نيوز "1"
يوني بن مناحيم

ترجمة حضارات


انعقد هذا الأسبوع في الأمم المتحدة مؤتمر عربي أوروبي بمشاركة 50 دولة، دون مشاركة "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية، بحث إمكانية تجديد عملية السلام في الشرق الأوسط وإحياء حل الدولتين .



 وصرح وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان بعد المؤتمر أنه "لا توجد إمكانية لحل الصراع دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة".



وتعلم السعودية أن الثمن الذي تطلبه من "إسرائيل" للتطبيع معها هو ثمن باهظ لا تستطيع دفعه دون الإضرار بأمنها بشكل جدي.



لقد أظهر الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة بوضوح أن الفلسطينيين يحولون كل منطقة تنسحب منها "إسرائيل" إلى قاعدة للمقاومة ضدهم، وبالتالي فإن أي تسوية سياسية مع الفلسطينيين في الضفة الغربية تتطلب أن تقع المسؤولية الأمنية النهائية على عاتق "إسرائيل".



أما الدول التي وقعت حتى الآن على اتفاق تطبيع مع "إسرائيل" مثل الإمارات والمغرب والبحرين والسودان، فقد أبدت نهجًا براغماتيًا دون وضع هذا الشرط في وجه "إسرائيل"، وقد استفادت كثيرًا من عملية التطبيع مع "إسرائيل".



 كما يجب على الإدارة الأمريكية أن تغير نهجها تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وعدم طرح حل الدولتين باعتباره الحل الوحيد للصراع، فقد فشل اتفاق أوسلو، واليوم الشارع الفلسطيني لا يؤمن بحل الدولتين، وتشير استطلاعات الرأي العام الفلسطيني إلى أن غالبية الجمهور الفلسطيني لا يؤمن بهذه الطريقة ويؤيد الكفاح المسلح ضد "إسرائيل".



تريد الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية و"إسرائيل" التوصل إلى اتفاق ثلاثي ناجح، لكن شروط مثل هذا الاتفاق صعبة للغاية على كل من الطرفين، ولا تستطيع حكومة اليمين في "إسرائيل"، التي تعتمد على أغلبية قوية في البرلمان، أن تتوصل إلى اتفاق وتوقيع اتفاق يتناقض مع الوعود التي قدمتها لناخبيها، فالسعودية هي أم مبادرة السلام العربية منذ عام 2002 الداعية إلى الانسحاب الإسرائيلي إلى الخط 67 وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها شرقي القدس، وتعتقد إدارة بايدن من كل قلبها أن حل الدولتين هو الحل الواقعي الوحيد للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لذلك، من الصعب للغاية قلب الدائرة، ومن المستحيل مطالبة دولة "إسرائيل" بالموافقة على حل بالنسبة لها هو انتحار أمني.



وترى "إسرائيل" أن تحقيق السلام مع العالم العربي برمته دون اشتراطه بإقامة دولة فلسطينية مستقلة هو احتمال حقيقي، كما أنها مستعدة للعمل بكل قوتها لتعزيز السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية ومنع انهيارها.  



إن وجود سلطة فلسطينية قوية تحارب المقاومة بحزم هو في مصلحة جميع الأطراف، وإذا حدث ذلك، فإن ذلك سيزيد من فرص تحقيق تسوية سياسية بين "إسرائيل" والفلسطينيين، ولكن منذ إنشاء السلطة الفلسطينية في عام 1994، لقد ثبت أنها لا تحارب بشكل فعال المقاومة وضد التحريض، ومع مرور الوقت أصبحت فاسدة أيضاً.



إن السلطة الفلسطينية تشجع المقاومة من خلال دفع رواتب شهرية للمقاومين وتمكين التحريض ضد "إسرائيل" في نظامها التعليمي الرسمي ومن خلال وسائل الإعلام التابعة لها، السلطة الفلسطينية لا تريد تغيير أيديولوجيتها وتمسك بالعصا من كلا الطرفين، وقد توقف الجمهور الإسرائيلي إلى حد كبير عن الاعتقاد بأنه يريد السلام بالفعل، ونحن لسنا على استعداد للمخاطرة بإقامة دولة فلسطينية.



 جزء من مطالب السعودية الأمنية من الولايات المتحدة من أجل الموافقة على التطبيع مع "إسرائيل" يشكل خطورة على "إسرائيل".



ويجب ألا توافق "إسرائيل" على قيام السعودية بتخصيب اليورانيوم في مفاعلها المستقل على الأراضي السعودية، لأنها قد تستخدمه في المستقبل لإنتاج أسلحة نووية، ما يعرض "إسرائيل" للخطر ويفتح الباب أمام سباق تسلح نووي في المنطقة.



إن توريد أنظمة الأسلحة المتقدمة من الولايات المتحدة إلى المملكة العربية السعودية يضر أيضًا بالميزة النوعية التي تتمتع بها "إسرائيل" على الدول العربية.



 من حق المملكة العربية السعودية أن تدافع عن نفسها ضد التهديد الإيراني، لكن هذا لا يجب أن يكون على حساب أمن "إسرائيل".



ووفقًا لتقارير في الولايات المتحدة، فإن الحكومة والعائلة المالكة السعودية تناقشان تشكيل تحالف دفاعي على غرار الاتفاقيات الأمنية بين الولايات المتحدة وحلفائها اليابان وكوريا الجنوبية، وهذا هو الشيء الرئيسي بالنسبة للمملكة العربية السعودية، التي تريد اتفاقية أمنية قوية، وهذا سيردع إيران عن مهاجمتها، وهذا شأن أميركي داخلي، وأننا لا نضر بأمن "إسرائيل"، وهي تتفهم جيداً الاحتياجات الأمنية للسعودية لأن إيران تعمل أيضاً ضدها لتدميرها.



وهذا سبب آخر يجب على المملكة العربية السعودية أن تأخذه بعين الاعتبار، فهي و"إسرائيل" لديهما مصلحة مشتركة في الدفاع عن نفسيهما ضد العدوان الإيراني.



إن التوقع السعودي الأمريكي بأن يقوم رئيس الوزراء نتنياهو بحل الائتلاف الحالي وتشكيل ائتلاف جديد لتعزيز اتفاق التطبيع مع السعودية ليس واقعيًا، ولن يفعل نتنياهو ذلك وقد أوضح بالفعل منذ عام 1993 معارضته الحازمة لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.



الكرة في ملعب السعودية، و"إسرائيل" تريد بشدة اتفاق تطبيع معها، لكن ليس بأي ثمن، وبالتأكيد ليس بثمن باهظ يعرض أمنها للخطر.



يجب على المملكة العربية السعودية أن تأخذ في الاعتبار أولاً وقبل كل شيء اعتباراتها الأمنية، فاتفاق المصالحة مع إيران مؤقت طالما استمر الحكم الديني الشيعي المتطرف في إيران.



ويتعين عليها أن تقنع القيادة الفلسطينية بأن مصالحها الأمنية تأتي قبل المصالح الفلسطينية وأنها لا تستطيع إجبار "إسرائيل" على الموافقة على إقامة دولة فلسطينية.



لقد امتنع الرئيس بايدن، خلال فترة ولايته الحالية، عن التدخل بشكل مكثف في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهو يعرف ثمن الفشل، وهو الآن يفعل ذلك لتحقيق إنجاز سياسي في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية ومحاولة وإضعاف مكانة الصين في الشرق الأوسط، وهذا تحدٍ كبير قد يدفع ثمنه باهظاً.



ويتطلب الاتفاق الثلاثي بين الولايات المتحدة والسعودية و"إسرائيل" موافقة الكونغرس الأمريكي، الذي في غالبيته لا يؤمن بولي العهد السعودي محمد بن سلمان في كل ما يتعلق بحماية حقوق الإنسان والمصالح الأمريكية.



ولذلك، ليس من المستبعد أنه إذا واجه الرئيس بايدن صعوبات كبيرة في الحصول على الصفقة، فسيعمل على الحصول على صفقة جزئية سيحاول إكمالها مستقبلاً إذا تم انتخابه لولاية ثانية في البيت الأبيض.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023