بن غفير والحرب على الأسرى... النتائج والتداعيات

محمد صبحة

كاتب وباحث

بقلم: محمد صبحة



منذ اللحظة الأولى التي أراد فيها الإرهابي المتطرف بن غفير دخول معترك السياسة كان موضوع الأسرى حاضرًا في ذهنه، هو حاقد على كل ما هو غير يهودي، وحقده على الفلسطيني أشد، وحقده على المقاومين من أبناء هذا الشعب لا يفوقه حقد. والأسرى أبرز شريحة في هذه الفئة، ولعلها الأضعف من حيث الإمكانات وحرية الحركة والفعل.


عندما أعلن هذا المتطرف دعايته الانتخابية كان التضييق على الأسرى عنوانًا حاضرًا وبقوة، فأطلق وعودًا كثيرة منها إقرار قانون الإعدام بحق الأسرى الذين شاركوا في عمليات المقاومة، ومنها سحب منجزات الأسرى التي حققوها بعرقهم وجوعهم ودمائهم، وإعادتهم إلى "العصر الحجري" ليعيشوا ظروفًا لا تصلح للعيش الآدمي.


حقق بن جفير وحزبه انتصارًا في الانتخابات مكنه من التفاوض بقوة ليصبح جزءًا من الائتلاف الحاكم، فكان على رأس اشتراطاته لقبول التحالف أن يحصل على وعد بتقديم قانون إعدام الأسرى لإقراره في الكنيست. ثم حافظ على ذات الهدف والبوصلة موجهة خلال التفاوض لتوزيع الحقائب لكي يحصل على الوزارة التي تتابع ملف الأسرى، وقد كان. ثم مارس ذات الدور منذ الشهر الأول لتسلمه حقيبة "الأمن القومي" فبدأ بالعمل على سحب منجزات الأسرى تباعًا، فألغى المخابز التي كانت لدى الأسرى، وضيق عليهم في ساعات الاستحمام، وسعى إلى جعل علاج الأسنان على حساب الأسرى وبأضيق نطاق، وقدم قانون إلغاء الإفراج المبكر، وحاول أن يقلص زيارات ذوي الأسرى إلى مرة كل شهرين، وما زال يتفنن في استخراج الأفكار التي تضيق الخناق على الأسرى وتحقق رغباته التي يمكن تلخيصها في اثنتين: الدعاية والظهور الإعلامي، وإشباع حقده النابع من قناعاته العقدية المتجذرة في فكره وسلوكه.


ماذا حقق بن غفير من خلال حربه للأسرى...


لا شك أن بن غفير رغم رعونته في اتخاذ القرارات إلا أنه يسير في موضوع الأسرى نحو أهداف محددة، وإن كنت أعتقد أنه لا يملك خطة تفصيلية تحقق هذه الأهداف ضمن أفضل طريقة وأقل تكلفة، ورعونته تظهر في محاولته الوصول إلى الأهداف الاتي وضعها نصب عينيه.


حتى اللحظة لم يحقق بن غفير الكثير من النتائج التي كان يرجوها لأسباب نذكرها لاحقًا، إلا أن ذلك لا يعني أنه لم يحقق شيئًا، فالمتتبع لشؤون الأسرى يدرك أن واقعهم المعيشي تراجع بنسبة ما بعد تسلم بن غفير منصبه، ويمكن أن نقول أن واقعهم تراجع في بعض المنجزات التي تم سحبها جزئيًا أو كليًا، رغم أن ما تم سحبه محدود جدًا بفضل صمود الأسرى، إلا أن مصلحة السجون ضيقت عليهم في البنود التي ذكرناها سابقًا وبقدر لا يمس جوهر حياتهم اليومية إن وقف الأمر عند هذا الحد.



لكنه ربما أنجز توتيرًا في واقع الأسرى ونزع استقرارهم. من يعيش تجربة الأسر يدرك أن الأسير يرنو إلى الاستقرار، فهو يوفر له الهدوء والأمن النسبي، ويوفر له الأجواء الملائمة لتحقيق المزيد من المنجزات على الصعيد الشخصي والثقافي، وفي الوقت الذي تتوتر الأجواء وتبدأ الخطوات النضالية فإن مجمل البرامج الإدارية والثقافية تتعطل جزئيًا أو كليًا.

أما على صعيده الشخصي فقد حقق بن غفير زوبعة إعلامية حوله، وهي الأجواء التي يحبها ويجد نفسه بها، إلا أن هذه الزوبعة لم تخدم حزبه ولا حتى شخصه على المستوى الانتخابي، واستطلاعات الرأي توضح ذلك، وطريقة التعامل معه في الائتلاف الحكومي تشير إلى أنهم يتعاملون معه كإنسان طائش لا يمكن الاعتماد عليه أو الوثوق بحكمته.


التداعيات...


وإن حقق بن غفير بعض النجاحات المحدودة التي ذكرنا، إلا أن حجم الإخفاق فاق ذلك بكثير، ولعل شكل الإخفاق الأبرز هو: عدم قدرته على تحقيق الأهداف التي وضعها واضطراره إلى التراجع مرة بعد مرة أمام صمود الأسرى ووقفة الشعب الفلسطيني من خلفه. لكن الشكل الآخر من إخفاقه هو التداعيات السلبية التي عاد بها مع كل محاولة، تداعيات على دولته وعلى الواقع المحيط بشكل عام.



فقد اندفع بن غفير في حربه للأسرى دون مراعاة لظروف أو أحداث أو تداعيات، ودون اختيار التوقيت الأنسب أو الطريقة المثلى، وبغض النظر عن المآلات وما يمكن أن تصل النتائج، مما اضطره إلى التراجع الذي ذكرناه، ومما اضطر رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو إلى التدخل مرة بعد مرة لينقذ الأمر ولينزله عن الشجرة وليمنع الأحداث من الانزلاق إلى المجهول. ولو ترك بن غفير وقراراته دون تدخل لبلغت الأمور مبلغًا شديدًا على كيانه وربما على المنطقة عمومًا.



هل انكسر بن غفير... وهل انتهت معارك الأسرى؟



لم ينكسر بن غفير بعد، ولمّا تنتهي معارك الأسرى، ولعل مرحلة ما بعد أعياد يهود تكون أقسى على إخواننا الأسرى. سيبقى بن غفير يقدم مشروعًا تلو الآخر، ويحاول أن يخنق الأسرى، فالأيام القادمة حبلى بالتطورات.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023