طوفان الأقصى ... الموقف في اليوم الحادي عشر : 17/10/2023  الساعة: 09:00

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

طوفان الأقصى ... الموقف اليوم

ي : 17 10 2023  س : 0900

أولاً : الموقف

لليوم الحادي عشر على التوالي لا يزال الموقف اليومي لمجريات معركة " طوفان الأقصى " يراوح مكانة؛ فالقصف المعادي على قطاع غزة لم يتوقف ، واستهداف المدنيين الآمنين في بيوتهم ما يزال على حاله ، فقد طاول قصف العدو معظم أحياء شمال غزة ؛ شماله وجنوبه وشرقه وغربه ، إلّا أن التركيز ما زال على منطقة شمال غرب القطاع وشرقه ، كما طال القصف المعادي مناطق وسط القطاع ، وجنوبه حيث رفح ومعبرها الذي لم يسلم من القصف الصهيوني المعادي ، وفي هذا السياق فقد أعلن العدو أنه  هاجم ما لا يقل عن 200 هدف ادعى أنها تابعة لـ " حماس " . 

كما بقي العدو يعزز قدراته في غلاف غزة ، ويحشد ما يستطيع منها في مناطق شمال القطاع حيث " ياد مردخاي " و موقع " يفتاح " الكتائبي ، وفي الشرق حيث " مفساليم " . 

كما عاود العدو تكرار مجازره في حق كثير من عوائل القطاع ، وفي مختلف مدنه ومخيماته ، من الشمال وحتى الجنوب . 

ولم تسلم الطواقم الطبية من القصف البري والجوي والبحري المعادي . 

هذا وقد بدى لافتاً الانخراط الأمريكي في هذه الحرب ؛ فلم يكتف بعمل جسر جوي لتعويض ما ينفد من مخزون العدو من مختلف أنواع الذخائر وأعيرتها ؛ وفرضه ـ الأمريكي ـ على " نتنياهو " تشكل حكومة طوارئ وطنية ، وإرسال وزراء خارجتيه ودفاعية إلى الكيان المؤقت في زيارات تأييد وتضامن ، بل وصل الأمر إلى المشاركة الأمريكية في هذه الحرب لحد حضور وزير خارجيتها الذي عاد ووصل إلى فلسطين المحتلة أمس ، ومشاركته في اجتماع حكومة الطوارئ المصغرة التي تشرف وتدير المعارك ضد أهلنا وناسنا في قطاع غزة .

 كما بقيت الحالة الإنسانية في مختلف جغرافيات القطاع على ما هي عليه ، فقد خرجت كثير من المشافي عن الخدمة ، ويعاني الناس من شح في الماء والكهرباء والغذاء. 

هذا وقد عاود الناطق الرسمي باسم جيش الاحتلال الحديث عن عدد قتلاه وأسراه من الجنود في هذه المعركة ، والذي بلغ عددهم حتى كتابة هذا الموقف إلى 291 قتيلاً و 199 أسيراً . 

أما عن المقاومة ونشاطاتها في الـ 24 ساعة الماضية ؛ فقد أدامت ـ المقاومة ـ قصفها للعدو في غلاف غزة ، حيث حشد قواته وانتشارها ، وإلى العمق الفلسطيني ، حيث قصفت ـ س : 11:15 ـ " تل الربيع " بأول رشقه صاروخية في الـ 24 ساعة الماضية ، كما تكرر قصفها مرات عدة ، كما قصف مطار " تل الربيع " و" عسقلان " ، ولم تُسجل بالأمس أي عملية احتكاك قريب للمقاومة مع العدو ، أو تسلل خلف خطوطه . 

كما عادت المقاومة الإسلامية في لبنان " حزب الله " استهدافها للوجود المعادي في شمال فلسطين ، بعد أن قامت أول أمس باستهداف وسائل الجمع الفني العسكري في بعض مقاطع السياج الحدودي ، وعاد " حزب الله " أمس فاستهدف دبابة عسكرية للعدو في منطقة " الظهيرة " ، الأمر الذي رد عليه العدو باطلاق قذائف مدفعيته على محيط تلك البلدة الجنوبية ، مما جر قصفاً من قبل " حزب الله " على مواقع العدو في " مسكاف عام " و " خربة المنارة " و " ريشا " و " رامية " ، كما أفيد عن إطلاق صلية صاروخية من جنوب لبنان، أفادت الأنباء أنها لم تصل إلى أهدافها المحددة. 

كما بقي عدد شهدائنا وجرحانا في قطاع غزة في تزايد ؛ فقد شارف عدد الشهداء على تخطي الـ 3000 شهيد ، أما الجرحى فقد ناهزوا الـ 10000 ، فضلا عن ضحايا القصف الذين ما زالوا تحت أنقاض بيوتهم . وقد خرج الناطق باسم كتائب " عز الدين القسام " في بيان متلفز ، ذكر فيه أن الحركة لديها ما لا يقل عن 200 أسير ، قتل منهم 22 أسير من جراء قصف العدو للقطاع ، كما أنه ذكر أن لدى " حماس " أسرى من جنسيات أجنبية لم تسمح ظروف المعركة أثناء اشتعالها من التحقق من جنسياتهم ، مشيراً إلى أن هؤلاء الأسرى هم ضيوفٌ لدى الحركة ستعمل على تأمينهم وتزويدهم بمقومات الحياة ، إلى أن يتوفر ظرف أمني مناسب يطلق فيه سراحهم . 

فيما يخص الضفة الغربية ، ومدنها وقراها ، فقد بقي العدو يفرض حالة من الحصار على أغلب مناطقها ، مقتحماً بعض مدنها ومخيماته ـ عقبة جبر ـ ، معتقلاً  شباباً من القرى والمدن ، تاركاً لقطعان مستوطنيه حرية الحركة والاحتكاك بالسكان والمواطنين ، مهجراً بعض سكان القرى ـ منطقة الأغوار ـ فارضاً على الجميع حالة من التضييق ، حال بينهم وبين القيام بأعمال من شأنها التخفيف الفعلي عن جبهة غزة ، الأمر ـ التضييق ـ الذي بقي يمارسه العدو على أهلنا في مناطق الثمانية والأربعين ؛ حائلاً بينهم وبين المشاركة المؤثرة المفضية إلى التخفيف عن جبهة غزة والحرب الدائرة فيها . 

هذا وقد بقيت مظاهرات الدعم والتأييد تجوب مختلف عواصم العالم العربي والإسلامي ، وبعض المدن الغربية . 

كما بقيت الجهود السياسية منصبة على تأمين ممرات آمنة لدخول المساعدات الإنسانية إلى سكان القطاع ، الأمر الذي لم يتم بشكل منتظم وعبر بوابة " رفح " الحدودية مع مصر حتى كتابة هذا الموقف ، إلا أن اللافت خروج وزير خارجية إيران الوزير " عبداللهيان " بتصريح مساء أمس قال فيه : " أن بقاء الوضع في قطاع غزة على ما هو عليه ، قد يدفع محور المقاومة للقيام بعمل وقائي " غير مفصح عن طبيعة هذا العمل أو الجهة التي ستقوم به. 

كما صرح نائب رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإيراني بأن دخول ( إسرائيل ) البري إلى قطاع غزة هو خط أحمر . كما ذُكر أن الجنرال " مايكل كوريلا " قائد المنطقة الوسطى الأمريكية سيصل هذا اليوم إلى الكيان المؤقت ، حيث سيزور الجبهة الشمالية للاطلاع عن كثب على الأوضاع فيها ، كما صرح مسؤولٌ في وزارة الدفاع الأمريكية بأن حكومته سوف تقوم بوضع قوات عسكرية في حالة تأهب لنشرها في المنطقة لمنع تفاقم الأوضاع ، وتمدد الأحداث إلى خارج مربعها الأصلي ـ غزة ـ ومنعاً لخروج الموقف العسكري في المنطقة عن السيطرة ، كما صرح الرئيس الأمريكي " جون بايدن " بأن إعادة احتلال غزة يعد خطأ فادحاً ، ولكن الدخول لها لابد منه . 

أما عن أهم مجريات الموقف وسماته ذات الدلالة في الـ 24 ساعة الماضية فيمكن ذكر الآتي : 

  1. بقاء قصف العدو لمختلف مناطق قطاع غزة ، خاصة الشمالية الشرقية ، والشمالية الغربية . 
  2. بقاء قصف المقاومة لمختلف مواقع العدو وحشد قواته في غلاف غزة ، وكذلك العمق الفلسطيني المحتل . 
  3. الساعة 1115 قصف " تل الربيع " أول رشقة صاروخية في اليوم الفائت ، الأمر الذي تكرر خمس مرات . 
  4. 1205 قصف المقاومة لمغتصبة " كفار عزة " حيث حشد لقوات العدو ، الأمر الذي عاد وتكرر مرة ثانية الساعة 1405. 
  5. الساعة 1410 قصف " عسقلان " بصلية صاروخيه ، الأمر الذي عاد وتكرر في نفس اليوم . 
  6. الساعة 1349 قصف المقاومة الفلسطينية " بئر السبع " بصلية صاروخية . 
  7. الساعة 1715 استهداف دبابة من نوع " مركافا " بصاروخ موجه من قبل مقاتلي " حزب الله " في منطقة " الظهيرة " الجنوبية . 
  8. الساعة 2010 قصف المقاومة في غزة لمدينة " تل الربيع " . 

ثانياً : التحليل والتقدير

لا يزال العدو في حالة من عدم الاطمئنان للعمل البري المأخوذ قراره ، والمحشودة قدراته ، والمؤمن الغطاء الدولي له ؛ الأمر الذي يرجع إلى تهيب المستوى السياسي من عدم قدرة هذا العمل على تأمين الأهداف المطلوبة ، مع ما سيجره من نتائج وخاسر بشرية ومادية في القوات المهاجمة أو ما يعرف بـ " قوات الواجب " ، كما أن مثل هذا العمل ليس كفيلاً بالقضاء على " حماس " وقدراتها بشكل يخرجها من قائمة التهديدات التي تواجه هذا العدو ، كما أن القيادة العسكرية المنوط بها القيام بهذه المهمة غير مستعدة إلى الآن لتحمل أكلاف بشرية ستُسأل عنها بعد انتهاء المعركة ، في وقت ينظر لها ـ للمؤسسة العسكرية ـ المجتمع الإسرائيلي على أنه قد أخفقت في مهمة تأمين ( الدولة ) ومواطنيها ، لذلك فهي ـ قيادة المؤسسة العسكرية ـ تريد القيام بالمهمة المنوطة بها بأقل الخسائر ، وأسرع الأوقات ، دون الغرق في وحل العمل البري المحفوف بكثير من المخاطر ، لذلك تستعيض عنه إلى الآن بالنار المدمرة ، علّها ـ النار ـ تمهد لها ساحة العمل ، وتقلل من منسوب الخطر فيها ، مركزة حشد قواتها في أمكان ـ شمال وشرق قطاع غزة ـ حيث يشر مكان الحشد إلى القيادة العسكري للعدو تعتقد أنه أفضل الأماكن وأسهلها للتحرك في أي عمل بري يُفرض عليها تنفيذه بعد أخذ قراره السياسي ـ وقد أخذ ـ وتأمين غطائه الخارجي بالذات الأمريكي ـ وقد أمن ـ .كما يشر استمرار قيادة المقاومة بإصدار أوامر إطلاق النار وصليات الصواريخ على مختلف مناطق عمل العدو ـ القريبة حيث حشد القدرات ، والبعيدة حيث مركز القرار ـ يشر هذا الأمر إلى أن المقاومة ما زالت تحتفظ بقدرات قتالية واحتياط استراتيجي بشري ومادي ، ووسائط القيادة والسيطرة ، مما يمكنها من إدامة المعركة والسيطرة على الموقف بشكل مناسب ومريح وغير ضاغط على صانع القرار وآخذه . 

لذلك فإننا أمام هذا الموقف وتلك المعطيات نعتقد : 

  1. أن العدو سيواصل قصفه التدميري على مختلف مناطق قطاع غزة ، على أن يكون تشديد القصف على المناطق الشمالية الغربية والشرقية أحد قرائن بدء العمل البري المنوي القيام به ، المأخوذ قراره . 
  2. أن المقاومة في غزة ستديم اشتباكها بالنار مع هذا العدو في منطقة العمليات ، وفي العمق الفلسطيني المحتل . 
  3. أن العمل البري في حال بدئه ، لن يكون اجتياحاً برياً شاملاً لكل مناطق قطاع غزة ، وإنما الهدف منه اقتطاع بعض المناطق الجغرافية في شمال القطاع أو شرقه ، على أن تكون هذه مناطق ذات قيمة استراتيجية ، تؤثر على الموقف القتالي لصالح العدو ، بحيث يستطيع أن يُصرّف هذا الموقف لصالحه في المفاوضات السياسية بعد انتهاء المعركة . الأمر الذي يتطلب من قوى المقاومة في قطاع غزة تحديد ـ وهي قادرة على ذلك ـ أي جغرافيات القطاع هي التي تمنح العدو ميزة فضلى في القتال ، وشكل مناورته للوصول إلى هذه الجغرافيات واتجاهاتها ـ المناورة ـ ، فتعمل على منع نجاح عمله وتحقيق أهدافه ؛ عبر ضرب تنظيمه القتالي قبل إنجازه ، ومنعه من الاستقرار والراحة في مناطق حشد وتعبئة القوات ، فضلاً عن ضرب خطوط إمداده ومواصلاته بين منطقة العمليات ومؤخرة القوات ، وقواعد انطلاقها والسيطرة عليها . 
  4. أن المناوشات على الجبهة الشمالية سوف تبقى على ما هي عليه ، بين فعل ورد فعل ، بين صب( للزيت) على النار من قبل " حزب الله " ليزيد من انخراطه في العمل القتالي وتجميد قوات العدو في هذه الجبهة ومنعه من نقل النظامي منها نحو الجنوب ، وبين صب ( للماء ) من قبل العدو لإطفاء ما يشعله الحزب من نيران تؤذي العدو ، وتحرمه حرية الحركة والمناورة . 
  5. و لا نعتقد أن العمل الوقائي الذي ذكره وزير الخارجية الإيراني سوف يؤدي إلى فتح جبهات قتال كاملة العيار مع هذا العدو ، لعدم توفر الظروف الداخلية والإقليمية والدولية لمثل هذا العمل ، لذلك إن كان لهذا العمل ـ العمل الوقائي ـ أن يتم فنعتقد أنه سيكون عمل مركز على بعض قواعد العدو التي يستخدمها في ضرب قطاع غزة وتخرج منها أعمل آذت " حزب الله " في الماضي أو الحاضر في سوريا وفي غيرها من الأماكن ، الأمر الذي سيُبرر على أنه فعل انتقامي لإجراء عدائي ، تستفيد منه المقاومة في قطاع غزة ، ويحد من حرية عمل العدو ،  وتدفع حلفائه للضغط عليه ليعيد حساباته . 


كان هذا الموقف وتحليليه وتقديره في الـ 24 ساعة المنصرمة . والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون . 

عبد الله أمين 

17 10 2023 


جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023