المستشفى المعمداني: تاريخ من تقديم الرعاية الطبية إلى محرقة مروعة

د. زهرة خدرج

كاتبة صحفية وناشطة فلسطينية

المستشفى المعمداني

بحسب موسوعة ويكيبيديا، فقد تأسس المستشفى المعمداني في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي تحديداً عام 1882م في حي الزيتون في قطاع غزة. وكان يتبع للكنيسة الأسقفية الأنجليكانية في القدس، وهو من أقدم مستشفيات غزة، 

وكان المستشفى الوحيد بالمنطقة ما بين يافا وبورسعيد، وقدَّم الرعاية الصحية لسكان المناطق القريبة من قطاع غزة. 

تحيط به كنيسة القديس برفيريوس ومسجد الشمعة ومقبرة الشيخ شعبان.

عام1919 تعرض المستشفى للنهب والسرقة والتدمير في الحرب العالمية الأولى، ما أدى إلى إعادة بنائه وأُعطي اسماً جديداً وهو:" المستشفى الأهلي العربي".

قررت البعثة التبشيرية الإنجيلية التابعة لإنجلترا إقفال المستشفى مع انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، ولكن البعثة المعمدانية، تسلمت المشفى وإدارته، بعد خضوع قطاع غزة للحكم المصري.

وبعد الاحتلال الصهيوني لقطاع غزة عام 1967 استمر المشفى في العمل في تقديم خدمات الرعاية الصحية للمرضى، وطُور أيضاً، وأُضيف إليه طابق ثاني، ضم بين جنباته مختبراً لتدريب الطلاب على المهارات المخبرية لتأهيلهم ليصبحوا فنيي مختبر بعد اجتياز التدريبات والاختبارات المطلوبة. 

كما أسس المستشفى أول وحدة علاج طبيعي في قطاع غزة، وأسس مدرسة للتمريض أيضاً.

عام 1976 قطعت وكالة غوث اللاجئين المساعدات المالية عن المستشفى وأقسامه، فتراجع عمله وقل عدد مراجعيه من المرضى وعدد موظفيه، إلا أن تولت الجمعية المتحدة الفلسطينية بأميركا تمويله، فعاد لتقديم خدماته واستقبال مرضاه كسابق عهده.

ومع مرور الوقت تطور المستشفى، حتى أصبح مؤسسة صحية متكاملة يحتوي على أقسام مختلفة، ويقدم أنواعاً مختلفة من الرعاية الطبية لمرضاه.

في 17 أكتوبر من هذا العام 2023، في اليوم الحادي عشر من معركة طوفان الأقصى، ارتكبت الكيان الصهيوني مجزرة تطهير عرقي في المستشفى المعمداني، بحق المدنيين الذين التجأوا لساحات المشفى هرباً من القصف المتواصل والكثيف الذي طال بيوت المدنيين والمؤسسات والشوارع وبيوت العبادة وحتى المدارس التي التجأوا إليها.

كان صوت القذيفة التي أُلقيت من الطيران الحربي الصهيوني الذي كان يحلق في السماء في تلك اللحظة مرتفعاً جداً، وتميزت بقوة تدميرية عالية أدت إلى اشتعال حريق ضخم في أجزاء من المستشفى، تسبب بتدمير جزء كبير منه، وقتل المئات من المدنيين المتواجدين فيه بطريقة بشعة جداً، حيث تفحمت أجساد كثير منهموغابت ملامحهم، وتفتتوا إلى أشلاء مفصولة الرأس ومندلقة الأحشاء، ما جعل من مهمة تحديد هويات الضحايا مهمة غاية في الصعوبة بل تكاد تكون مستحيلة خاصة في ظل الوضع الكارثي الذي يمر به قطاع غزة وانقطاع الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء والغذاء، وكان أكثر الضحايا من الأطفال والنساء وكبار السن.

سيل الضحايا ونوعية الإصابات كان فوق قدرات الطواقم الطبية وطواقم وسيارات الإسعاف، ما حدا بالأطباء إلى إجراء العمليات الجراحية على الأرض وفي الممرات ووصل الحال إلى إجراء عمليات جراحية لبعضهم بلا تخدير!

وكانت هذه الغارة هي الثانية على المستشفى، فقبل يومين فقط استهدفه الطيران الحربي الصهيوني ما تسبب بإصابة كوادر طبية تعمل فيه، كما تعرضت بعض أقسامه للتخريب جراء الغارة الأولى.

صدرت إدانات عن بلدان ومنظمات دولية كثيرة أدانت مجزرة المستشفى المعمداني، وخرجت مظاهرات منددة بهذه المحرقة البشعة في كثير من دول العالم، وفي الضفة الغربية جابت المسيرات والمظاهرات الرافضة للعدوان على غزة ومنددة بهذه الجريمة القذرة شوارع القرى والمدن.

وتعتبر هذه المجزرة جريمة حرب، يجب أن يُحاسب عليها الاحتلال، فهي تُشكل انتهاك صارخ لأحكام القانون الدولي.

منذ اللحظة الأولى للجريمة حاول الاحتلال التهرب من المسؤولية التي ستلحق به نتيجة ارتكابها، فأنكر ارتكابه لها، وادَّعى أن صواريخ المقاومة وتحديداً الجهاد الإسلامي هي التي تسببت بالمجزرة، وهو ما يناقض الواقع، فقد شوهد الطيران الحربي الصهيوني بحسب شهود عيان يقصف المشفى، كما أن صوت القذيفة المرتفع جداً وقدرتها التدميرية الهائلة دفعت بصحيفة وول ستريت الأمريكية إلى القول: " إن القنبله التي تم القاءها على مستشفى المعمداني من نوع MK-84 الامريكيه"، وبحسب وكالة الأنباء الروسية "سبوتنيك" فورد فيها أن الخبير العسكري الروسي أليكسي ليونكوف قال:" تسجيلات مختلفة من قطاع غزة تظهر أن الضربة على المستشفى المعمداني كانت على الأرجح نتيجة قنبلة من نوع "جي بي يو-31  جدام" أمريكية الصنع، كما يتضح من قوة الانفجار والصوت المميز لسقوطها ، وفي مقارنة للقطات تظهر فيها تشابه في صوت القنبلة من طراز "جدام" وصوت القنبلة التي أصابت المستشفى بغزة الليلة الماضية" .

وبرغم من ارتكاب الاحتلال لهذه المجزرة البشعة إلا أنه تابع في الليلة ذاتها قصف المدنيين في شتى أرجاء القطاع، وهو ما تبرره الإدارة الأمريكية لدولة الاحتلال بأنه دفاع عن النفس، وهو ما تجيزه للاحتلال وتحرمه على غيره.


د. زهرة خدرج

كاتبة وروائية وناشطة فلسطينية

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023