هل أذعنت اسرائيل للنموذج الامريكي في العراق؟
الإعلام العبري

حرب غزة: الصورة إسرائيليا  


- وفقا لصحيفة معاريف 27 أكتوبر، فإن 49% من الاسرائيليين يؤيدون الاجتياح البري مقابل 65% في الاسبوع الماضي. وتشكل مسألة سلامة الاسرى الاسرائيليين في غزة المتغير الاهم لهذا التراجع وفقا للاستطلاع الذي قامت به الصحيفة يوم 26 اكتوبر. 

ويبين الاستطلاع بخصوص ارجاء الاجتياح البري فإن 49% مع الارجاء و22% لا رأي لهم وفقط 29% يؤيدون الاجتياح فورا. تشير التقديرات الاسرائيلية الى ان التراجع في نسبة تأييد الاجتياح البري يعيد الى انعدام الثقة الواسع بين المجتمع وقيادته السياسية، وأن ترددها بشأن الحسم في قرار الاجتياح غير مفهوم جماهيريا ولم يحدث ان تحدث رئيس الوزراء نتنياهو الى جمهوره بصراحة ليوضح التخبطات التي تدور حول اتخاذ قرار. بالإمكان عزو التراجع في منسوب المؤيدين للاجتياح يعود الى تراجع منسوب الانتقام وانشغال الناس أكثر فأكثر في الضرر الهائل الذي يلحق كل مرافق الحياة والنزوح الداخلي لمائتي ألف اسرائيلي من الشمال والجنوب، وكذلك للثمن الاقتصادي الهائل وغير المسبوق.

- معظم الانتقادات الحادة بصدد التردد باتخاذ قرار الاجتياح، تأتي من جانب قيادات عسكرية وامنية سابقة، وهناك تلميحات من هيئة اركان الجيش كما عبر عنها رئيسها هرتسي هليفي في مؤتمر الصحفي حول جهوزية الجيش التامة للقيام بالاجتياح. عنوان هذه الانتقادات هو رئيس الوزراء نتنياهو ولدرجة اتهامه بأنه غير أهل لقيادة حكومة الحرب والدعوة الموجهة الى غانتس وايزنكوت للانسحاب من حكومة الحرب قبل ان يفوت الاوان، كما كتب في هآرتس يائير غولان نائب رئيس الاركان السابق وعضو الكنيست عن حزب ميرتس سابقا. بينما يتفق الجنرال الشهير بريك مع نتنياهو ويشير بالتوقف عن الغزو البري والاستعاضة عنه بأدوات اخرى، وقد انضم اليه في الايام الاخيرة الاعلامي اليميني ونجم كرة القدم السابق بركوفيتش، والذي أكد على اولوية مسألة الاسرى الاسرائيليين وسلامتهم، وعدد الخسائر الاضافية في حال الاجتياح، داعيا الى إطلاق سراح الاف الاسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال في حال كان الامر سيضمن عودة الاسرى الاسرائيليين، وكذا وفي ذات السياق ما أكده الجنرال السابق اهرون فاركاش.  

- يوم الجمعة 27 اكتوبر مساء، عقد الناطق باسم الجيش الجنرال هجاري مؤتمرين صحفيين واحد بالإنجليزية للإعلام الغربي والراي العام العالمي يطرح فيه الرواية الاسرائيلية القائلة بوجود مقرات اركان قيادة حركة حماس تحت الارض تحت مستشفى الشفاء في غزة، وعمليا تبرير لإمكانية استهداف مشافي قطاع غزة في مرحلة لاحقة باعتباره استهدافا لحماس، وفي مؤتمر الصحفي بالعبرية تحدث عن قيام الجيش بأعنف الضربات وأشدها قوة من الجو والبحر معا. اما رسالته بشأن الاسرى الاسرائيليين والتي رددها الاعلام فهي تقول بإمكانية توجيه قوة تدميرية غير مسبوقة دون المس بالأسرى الاسرائيليين، بل لتشكيل ضغط نوعي على حماس للتنازل عنهم كورقة مساومة وفقا لأقواله.  

- الرسائل السياسية للمستوى السياسي، من ناحية، تتماشى مع الجنرالات الامريكيين، والذين يتدخلون مباشرة بالقرار الاسرائيلي، بالتنازل عن الاجتياح البري والاستعاضة عنه بالنمط الامريكي في الفالوجة والموصل، اي احداث الدمار الشامل من الجو لدرجة الابادة والقيام بعمليات اجتياح بري وخروج دون احتلال المنطقة. لكنها أيضا تحمل رسالة، بان الجيش لديه خيارات تتيح له الاجتياح دون تعريض سلامة الاسرى الاسرائيليين للخطر، مع تأكيد الكثير من الخبراء بالشأن بأنه لا ضمان لذلك بتاتا..

- في تغريده للقناة 13 نقلت اقوال وزير الامن غالنت في مؤتمره الصحفي 26/10: "الهدف هو الانتصار. نقوم بكل شيء من اجل إعادة المخطوفين. قواتنا جاهزة للاجتياح البري، وهو سيبدأ حين تنضج الظروف" . اما الوزير في حكومة الحرب بيني غانتس اكد، ان الحرب ستكون طويلة وفيها ثمن وخسائر، وانها "قد تتحول الى حدث متعدد الجبهات" وأضاف بتفهمه للموقف الامريكي والاحتياجات الامريكية في الارجاء لضمان مصالحها الحيوية اقليما، وفي رؤيتها بوجود نقاط ضعف في الخطة الاسرائيلية وفقا للإعلام الاسرائيلي ولنيو يورك تايمز.

- يبدو من التصريحات المختلفة أن اسرائيل باتت قاب قوسين او ادنى في حسم التفاوت بين موقفي المستويين السياسي والعسكري، خاصة وان الولايات المتحدة قد رتبت امورها اقليميا خاصة وانها قامت بعمليتين مؤخرا ، واحدة كانت التصدي للصواريخ التي اطلقت من اليمن واسقاطها، والثاني الضربة التي وجهتها حسب تصريحاتها لمنشأتين في سوريا تخدمان الحرس الثوري الايراني. مع التقدير بأن الولايات المتحدة وكذا إيران غير معنيتين بالحرب المباشرة الشاملة. لكن بتقدير اسرائيل فقد باتت الولايات المتحدة على جهوزية عالية لحماية مصالحها وقواتها بعد تعرضها لخسائر في الايام الاخيرة.

- من اللافت ان الجيش والى جانبه القيادات العسكرية السابقة وليس جميعها هم المعنيون بالاجتياح البري، وقد يكون ذلك لكونهم مع جهاز الامن العام الشاباك المتهمين المباشرين بإخفاق 7 اكتوبر، بينما يبدو نتنياهو هو الذي تردد واعترض على ذلك، ليصبح الصوت العسكري هو الاعلى في توازنات القوى.

- من اللافت ايضا ان القصف التدميري الهائل لغزة تزامن مع تقدم في المفاوضات بشأن التوصل الى عقد صفقة أسرى لحالات انسانية مقابل ادخال المساعدات على ان تتلوها صفقة اوسع لاحقا، وان تكون هدنة لا يزال الخلاف على مداها. وهو سلوك مألوف بأن القصف الهائل قد يسبق اما اجتياحا، او يسبق هدنة اولية او صفقة، فقبل كل الصفقات وتفاهمات التهدئة يبلغ التصعيد ذروة نوعية. وهذا ما ستوضحه الايام القادمة.

- من اللافت ايضا ان المجتمع الاسرائيلي جاهز لصفقة تبادل أسرى واسعة وشاملة، كما ان حالة الطوارئ تتيح اتخاذ قرار بهذا الصدد دون مواجهة المحددات القانونية والاجرائية التي وضعتها اسرائيل لنفسها بعد صفقة وفاء الاحرار (شاليط) 2012.

//مركز تقدم للسياسات

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023