شهد قطاع غزة، يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول، ليلة هي الأعنف منذ بدء العدوان العسكري الذي أعقب عملية طوفان الأقصى، التي أطلقتها كتائب القسام في مستوطنات غلاف غزة، وسط انقطاعٍ تام للاتصالات والإنترنت وقصف جوي وبحري ومدفعي لم يهدأ حتى ساعات الفجر.
إثر ذلك، نشر حساب جيش الاحتلال، وحسابات صهيوينة رسمية أخرى، منها حساب أفيخاي أدرعي، مقطع فيديو مدته 40 ثانية مع ادعاء أنه لقوات برية للجيش الصهيوني في نشاط عسكري داخل قطاع غزة، رغم أنّ مراسل التلفزيون العربي في غزة، قال صباح اليوم إنه كان في مخيم البريج على بُعد قرابة 2 كيلومترًا من الحدود الشمالية للقطاع، ولم يكن هناك علامات على اقتحام بري.
فحص "مسبار" مقطع الفيديو الذي نشرته الحسابات الرسمية الصهيونية، ولم يجد فيه ما يدل على أنه من قطاع غزة. وبخلاف ذلك، وجد عددًا من العلامات التي تشير إلى أنه من التحضيرات العسكرية التي تجريها قوات الجيش الصهيوني البرية في منطقة ناحال أوفيد في عسقلان.
في الثواني الأولى من المقطع، يظهر مشهد نهاري لعشرات الدبابات التي تصطف في ساحة رملية، وفي خلفية المشهد تظهر مجموعة أشجار وخلفها طريق سريع فيه عددٌ من أعمدة الإنارة ويافطة طولية بيضاء تظهر في الأفق، بالإضافة إلى عمودي كهرباء في أقصى يسار المشهد.
بحث مسبار على طول طريق صلاح الدين الذي يصل شمالي قطاع غزة بحاجز بيت حانون (معبر إيريز)، المدخل الرئيسي للقطاع من الجهة الشمالية، بحثًا عن العلامات الجغرافية المُميِّزة المُلاحَظة أعلاه، لكن لم يعثر على أي منها.
وبمراقبة المنطقة المحيطة لحدود غزة الشمالية عبر خرائط جوجل، والتوجه خلف المعبر شمالًا نحو المستوطنات الإسرائيلية. عثر مسبار على ساحة ترابية بجانب طريق سريع يفصلها عنه كتل شجرية، تشبه تلك الظاهرة في المقطع، في منطقة قرب عسقلان مقابل مقبرة مفكعيم، على بعد قرابة 12 كيلومترًا من حدود قطاع غزة.
وباستخدام ميزة المنظور من الشارع التي توفرها خدمة "غوغل إيرث" لصور الأقمار الصناعية، عثر مسبار على أعمدة الإنارة التي يظهر عدد منها في المقطع، بالإضافة لعمودي الكهرباء، وحتى اليافطة الطولية البيضاء.
للتثبت من صحة ذلك، وبالأخذ بعين الاعتبار أن صور الأقمار الاصطناعية تكون قديمة في بعض الأحيان ولا تتحدّث باستمرار، بحث مسبار عن صورة حديثة للموقع نفسه.
وبالفعل، عثر على صورة جوية للموقع التقطها قمر "بيلييدس" الصناعي التابع لشركة إيرباص الهولندية للملاحة والطيران، يوم 21 أكتوبر، وفيها تظهر عشرات الدبابات والآليات العسكرية الثقلية مصطفةً في ذات الساحة الترابية، وفي التموضع نفسه بالنسبة للطريق السريع وكتل الأشجار التي تظهر فيه في الفيديو الذي نشره الجيش الإسرائيلي.
تكوّن المقطع الذي نشره الجيش الصهيوني من مشاهد أخرى متفرقة ليلية بجانب المشهد الموصوف أعلاه، لكن دقتها كانت منخفضة جدًا مما يصعب تحديد موقعها الجغرافي.
لكن في أحد المشاهد، عند الثانية 19 من المقطع، يظهر رتل من الدبابات وهي تسير وعلى يمينها كتلة من البيوت البلاستيكية، يبلغ عدد الظاهر منها 13 بيتًا. بالبحث عن مظهر مشابه في أراضي قطاع غزة، لم يعثر مسبار على كتلة من البيوت البلاستيكية بذات الحجم، بل هناك كتلة واحدة فقط مكونة من تسعة بيوت بلاستيكية طولية على بعد قرابة 800 مترًا من الحدود.
على الجانب الآخر، عثر مسبار، قبالة موقع الساحة الترابية المشار إليه أعلاه في عسقلان، على عدة كتل من البيوت البلاستيكية، واحدة منها تقع قبالة طريق ترابي، وتتكون من 13 بيتًا بلاستيكيًا بالتحديد. كما يظهر، بحسب صورة الموقع عبر الأقمار الصناعية طريقًا فرعيًا نحو اليمين بين كتلتين من الأشجار، ذاته الذي يسلكه رتل الدبابات في المقطع المتداول، قبالة البيوت البلاستيكية.
وعليه، ربما يكون الجيش الصهيوني، والحسابات الناطقة باسمه، نشروا المقطع كنوع من التغطية على أنباء الصعوبات التي تواجهها العملية البرية شمالي قطاع غزة، خصوصًا في ظل الضغط الشعبي الذي تتعرض له قيادات الجيش والحكومة حيال العملية، وفي ظل استمرار وجود الأسرى الصهاينة لدى المقاومة في غزة.
الكاتب: فراس دالاتي/ مسبار