( القصّة على طريقة كليلة ودمنة)
في عالم انتشرت فيه الضباع البشعة، ذات الانياب القذرة والرائحة النتنة، انتشت وعلت وتغطرست ونجحت في لبس قناع الأسد، دلّست وكذبت وخادعت فترة طويلة من زمان طال فيه غياب الأسد، زمان تكاثرت فيه الخراف والارانب والفئران والدجاج والحمير والبقر، واعتادت الضباع في هذا الزمان السطوة والافتراس والغطرسة، فلا ريب فالكلّ يخاف ويهاب ويحسب ألف حساب لأنياب الضباع المفترسة.
في هذا الزمان قسّمت الضباع مناطق نفوذها الشاسعة ليسهل حكمها والسيطرة على ثرواتها إلى دول وممالك، ووضعت على كلّ واحدة منها آمرا وناهيا بأمرها مع طبقة فاسدة مستفيدة تستأثر بالعلف على حساب بقيّة الغنم، وعملت لهذا العالم هيئة الأمم ومجلسا لضياع الأمن والأخلاق والقيم، واختارت من الضباع الكاسرة المتوحّشة مجموعة كلّ منها لها حق النقض "الفيتو" على أن ترعى وتحافظ على مصالح الضباع وبقاء حال العالم على هذا الانقسام، قسمة ضيزى بين دول الضباع آكلة اللحوم ودول الانعام آكلة العشب وفتات الأمم وبلفظ آخر دول مستحمرة بكسر الميم ودول مستحمَرة بفتح الميم.
وكان لا بدّ عند المنطقة الجغرافيّة التي تسمّى من قديم الزمان ملتقى الحضارات، وحتى لا تنهض في يوم من الأيام فتستعيد سابق مجدها وتظهر للناس أسدها، كان لا بدّ من مزرعة للضباع ذات الانياب الحادّة والاشكال البشعة والرائحة النتنة (وبالمناسبة ترأسهم أنتنهم رائحة وأكثرهم وقاحة وصلفا وأبشعهم خلقا وخلقة)، هذه المزرعة لا تعرف إلا العدوان والافتراس والتوحّش وارتكاب أشد المجازر والمذابح شناعة في العالم أجمع.
وفي يوم من الأيام وحيث تزاحم الظلام وسط أدغال اللئام وفي منطقة صغيرة تسمّى غزّة ظهر الأسد، عبس وبسر بعد أن رأى الضباع وما فعلوه في بني الاستضعاف والخور والاستحمار، جمّع الأسود وأعدّ لهم خطّة استرجاع العدل ووضع حدّ لبني الضباع وما فعلت من فظائع في عالم الحيوان والشجر والحجر، وفي يوم السابع من أكتوبر لسنة الفين وثلاث وعشرين حيث ثملت الضباع وانتفخت بطونها من لحوم ضحاياها التي استسلمت لأقدارها بعد ان ضاعت أحوالها وأرزاقها، في صبيحة هذا اليوم كان العبور الكبير لحصون الضباع، أعملت فيها الأسود قتلا وأسرا، ولقّنتها درسا لا تنساه أبدا، كان لا بدّ من هذه الضربة الكبيرة كي تستعيد بقية الأمم النائمة بوصلتها وكيف تعرف من هو عدوّها وكي تعرّف بقيّة الأمم حقيقة هذه الضباع وما فعلته من جرائم ومجازر وتطهيرعرقيّ منذ نشأة حكمها، وما زالت مصرّة عليه من جرائم وآثام واختلال للميزان العالمي لحقوق الحيوان.
وكانت نتيجة لهذه الضربة القاصمة أن تداعت كلّ ضباع الأرض، جاءت كلّها بقضّها وقضيضها وحديدها لتقف مع مزرعة الضباع الصغيرة التي ما زُرعت إلا في ظلّ غياب الأسود واختلال الموازين لصالح الضباع والتوحّش والافتراس.
ودارت معركة طاحنة بين الأسود القليلة من جهة وبين الضباع التي تكاثرت عليهم من كلّ صوب وحدب، المزارع المجاورة انتبهت لفعل الضباع ولم ينطل عليها أكذوباتها اللعينة، صارت تتململ وتظهر احتجاجها وتفكّر مليّا في اليوم الذي يأتي للانقضاض على الضباع المسيطرة عليها، وتسلّطت الضباع في هذه المعركة على أشبال الأسود التي لم يكن لها مخالب وكانت في عمرها المبكّر غضّة طرية فهانت على أنياب الضباع، افترست منها كثيرا وسالت دماؤها غزيرة بين أنياب الضباع مما أغضب الجماهير المستضعفة في كلّ أنحاء العالم وخرجت متظاهرة محتجّة على هذا الأفعال الشنيعة، ولكنّ الأسود حافظت على أخلاق الأسود فلم تستبح دماء الفراعل (صغارالضباع) وحافظت على أخلاقيات المعركة.
واستمرّت المعركة، الأسود تقتل وتأسر الضباع المتوحّشة بينما الضباع تفتك في الاشبال الصغيرة، وتحرّك العالم انتصارا للحقّ والعدالة، وكان كلّما اجتمع مجلس ضباع الامن والأخلاق والقيم لوقف قتل أشبال الأسود وتوحّش الضباع وقتل القيم الحيوانية، جاء كبير الضباع رافعا يده بالفيتو ومبطلا لكل قرار فيه خير للمستضعفين ومصلحة الأمم.
واستأسدت الأسود بكامل قوّتها واستضبعت الضباع بكلّ ما أوتيت أنيابها من قوّة وساندتها كلّ ضباع العالم التي ناصرتها ودعمتها ووقفت معها بالباع والذراع. وكان لحركة الجماهير في كلّ مزارع العالم الأثر الكبير على خط سير المعركة إذ ثبت أن جماهير العالم تنحاز إلى الأسود وتكره الضباع وطباعها السيئة، وبدأت الحيوانات بكل أشكالها تصحو لما كانت عليه من ذلّ وهوان، وبدأت تتساءل لم فرضت الضباع عليها كلّ هذا الهوان؟ ولم سكتت كلّ هذا الزمان؟ لم قبلت بهذا الاستحمار؟ وبدأت أمام ما فعلته أسود غزّة تتحرّر من الاستحمار وراحت تستعيد طبائع الأسود وتتحرّر من طبائع العبيد والحيوانات الأليفة الودودة التي لا حول لها ولا قوّة، بدأت مخالبها تتحرّك وتخرج من أكمامها، وبدى لها أنياب ولكنها لا تشبه أنياب الضباع اللئيمة بل أنياب الأسود الجميلة.
وانتصرت أسود غزّة وكان للضباع أن تتراجع وتتخزبل ليس على مستوى هذه المزرعة الصغيرة بل على مستوى العالم أجمع، لأن طبائع الأسود العظيمة علت وانتصرت على طبائع الضباع اللئيمة، وانتشرت دروس وعبر هذه المعركة في كلّ بقاع الارض انتشار النار في الهشيم، وثبت الأسود على الضباع في كلّ أنحاء المعمورة، انحازت اليها الجماهير المسحوقة وارتفعت راية الحق وحقوق الحيوان عاليا، أُعيد تشكيل مجلس الامن بعيدا عن ازدواجية المعايير بل على أسس الحق والعدل أمام قانون واحد تتساوى أمامه كل حقوق الحيوانات والأمم على قدم وساق.