لحظة صراحة.. الضفة المحزنة المبكية

د. زهرة خدرج

كاتبة صحفية وناشطة فلسطينية

أرجو أن تعذروني على ما سأقول:

وضع الضفة محزن مبكي وليس غزة.. 

رغم مصاب غزة ودمائها النازفة وأوجاعها وفجائعها.. رغم ذلك، غزة ما تزال بخير.. لأن غزة ما تزال تحمل البندقية وتطلق القذائف والصواريخ وتقاتل.. غزة عملت بأمر الله، وأعدَّت من قبل وهي الآن تقف على خط النار تجاهد؛ لذا هي بخير.. من ارتقى فهو شهيد عند ربه.. ووريت جثته التراب أم لم توارى.. له عند ربه جنات ونهر.. والأبنية المدمرة ستعيد بناءها أيدي أبناءها البررة، وغزة ستعود أفضل مما كانت عليه.



أما الضفة.. فلهف قلبي على الضفة المحتلة.. التي ترى من انتهاك الحرمات والأذى الكثير، ورغم ذلك تصمت وتحاول أن تتوارى عن الأنظار، تصمت لعل العدو الفاجر يبتعد عنها ويتعداها.. ولكن، أنى لهذا العدو الذي لا يُتقن صنعة سوى القتل والتدمير وانتهاك الحرمات أن يبتعد عنها ويتعداها؟ 



لنكون صريحين مع أنفسنا.. هل الموت بالقذائف المتفجرة أو قذائف الفسفور الأبيض أو تحت الأبنية المنهارة يليق بغزة وحدها؟ غزة تعرف مسبقاً كيف ستكون ردة فعل هذا العدو الفاجر الذي تعرفه جيداً وخبرت سلوكياته وحفظتها عن ظهر قلب.. ورغم ذلك أفاضت عليه الطوفان، دون تردد.. ومن أفاض الطوفان لا بد وأنه أعدَّ مراكبه مسبقاً ويعرف كيف ينجو من الغرق.



إذن.. لماذا لا يفكر أبناء الضفة بالسير على خطى غزة في تطوير وسائلهم ومهاراتهم القتالية؟ وأعتقد أن الطبيعة الجغرافية للضفة أفضل حالاً من غزة، ففي الضفة تضاريس طبيعية تساعد المقاوم على العمل والاختفاء.



حال غزة قبل الحسم كان كحال الضفة الآن، ولكن غزة لم تركن للراحة، بل مضى أبطالها يعملون ويطورون ويبذلون الجهود ليل نهار، كان هناك مواجهات أم لم تكن، لأنهم لا يعملون لهذه اللحظة فقط.. بل لمواجهة قادمة ستكون حاسمة بل ربما تكون الملحمة الأخيرة؛ وهذا بالضبط السر وراء ما نراه في غزة الآن.



عندما تدافع الضفة وتناصر غزة، فإنها تدافع عن نفسها ومستقبلها ومستقبل فلسطين.. 



لماذا لا يقوم في الضفة عمل جماهيري عام، يشارك فيه الجميع صغاراً كباراً؟ لماذا لا نرى كل يوم مسيرات ومظاهرات داخل المدن تطوف الشوارع العامة وتعبر عن رفضها لهولوكوست غزة؟ لماذا لا يخرج أهل الضفة إلى الشوارع يطالبوا العالم بالتدخل لحماية غزة؟ لماذا لا ينصبوا الخيام في الميادين ويرابطوا فيها طوال الوقت تعبيراً عن رفضهم ما يجري؟



منذ النكبة، لم تمر علينا مرحلة عصيبة كهذه التي نعيشها الآن.. العمل مطلوب من كل واحد منا..

علينا ألا ننتظر من العرب نصرة غزة ونحن أهل الضفة نعيش حياة شبه طبيعية، لا ننتفض لأجلها..



شباب الضفة.. أُسدها الميامين.. لم نخبركم يوماً هكذا.. ماذا جرى لكم؟ غزة تستنصركم.. وتستصرخكم.. ألا تجيبون نداءها وتلبون صرخاتها؟



جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023