كيف غيّرت المقاومة معادلة الصراع للأبد؟

مروان سمور

باحث سياسي أردني

إلى اليوم لم يفقْ الاحتلال الإسرائيلي من حالة الصدمة التي يعيشها، إثر عملية "طوفان الأقصى"، يوم 7 أكتوبر 2023، بعدما تعرَّض بشكل مفاجئ لهجمات متتابعة من قِبل مقاتلي المقاومة الفلسطينية؛ حيث تكبَّد الاحتلال خسائر هائلة بالأرواح والمعدات، علاوة على أسر المقاومة أعداداً كبيرة من جنوده ومواطنيه، ومُني بخسائر اقتصادية باهظة.



في المقابل، أعلن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو قرار الحرب- إثر تفويض من مجلس الوزراء الأمني المصغر- وبدْءَ عملية "السيوف الحديدية". وعلى إثر ذلك شنَّ الاحتلال غارات همجية وإجرامية مكثفة وعنيفة على مناطق غزة بأكملها، ما أسفر عن سقوط شهداء وتدمير هائل لمنازل المدنيين وبشكل متوحش.



إن عملية "طوفان الأقصى" كانت حدثاً مفاجئاً للاحتلال، رغم أن هجوماً بهذا الحجم ربما قد تطلَّب أشهراً من الإعداد والتجهيز من المقاومة، ما أوضح مدى الفشل الذريع داخل المؤسسات الأمنية، نتيجة بقاء تلك الأجهزة في حالة من الذهول والتخبط إلى اليوم.



وهذا يُبرز أكثر مدى الارتباك والتخبط داخل الاحتلال الإسرائيلي بشكل عام، وهو ما أثر على تأخره في الاستجابة والرد السريع على عملية المقاومة. فالخسائر المعلنة من جهة الاحتلال هائلة للغاية، ومازالت في ازدياد، إذ لم يسبق للاحتلال الإسرائيلي أن تكبّد كل هذه الخسائر في حروب، منذ حرب أكتوبر 1973.



فخلال حرب أكتوبر 1973 توفرت لدى إسرائيل معلومات بالحشد المقابل، ولكن خطأها كان في التقدير، بينما في هذه الحرب لم تكن لديها أية معلومات، وتفاجأت بما حدث.



في الحقيقة، نجحت المقاومة في أن تنسف أسطورة جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يُقهر. وأثبتت أن هذه القوة الإقليمية في المنطقة لا يعول عليها، فقد انهارت أمام بضع مئات من المقاتلين. وهذا ما دفع رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو للإعلان عن قرار الحرب ورفع سقف الأهداف إلى القضاء على المقاومة بسرعة، لعله يستطيع الخروج من ورطته الاستراتيجية والتاريخية تلك. 



لكن يبدو ذلك شبه مستحيل نسبياً؛ إذ سبق وحاول جيشه إنجاز شيء كهذا خلال العقدين الماضيين، ولكنه باء بالفشل. بالإضافة لذلك، مازالت مشاهد يوم ٧ أكتوبر في وعيه إلى الآن، فقد شاهد جنده مذعورين عندما كانوا في قواعدهم المحصنة، حينما اقتحم مقاتلو المقاومة بأسلحتهم الفردية البسيطة، فيما كان سكان مستوطنات غلاف غزة يفرون مرعوبين إلى خارجها، وهو ما يسبب حالةً من الذعر داخل الاحتلال بالكامل.



بالتوازي مع ذلك، لم تكتفِ الولايات المتحدة الأمريكية بالدعم المادي واللوجيستي، بل تُحرك حاملات طائراتها نحو المنطقة، في محاولة لرفع معنويات جيش الاحتلال الإسرائيلي المنهارة. وهو ما يؤكد على مدى الانهيار على مستويات عدة في داخل الاحتلال، فما كانت لِتتحرك لولا إدراكها التام أن جيش الاحتلال بات عاجزاً ولم يستطع أن يستوعب الصدمة بعد، فسارعت واشنطن بهذا الحشد السريع، لإرسال رسالة قوية لإيران وحلفائها بالتزام الحياد.



لقد غيّرت المقاومة قواعد الاشتباك، وأربكت الجميع في المنطقة، ما يدل على عمل وجهد عظيمين عما حدث بالحروب السابقة، حيث نرى المقاومة اليوم قد غيّرت من تكتيكاتها وأساليبها، فقد تحوّل نهجها من رشقات صاروخية على عدة بلدات ومدن، والتزامها حالة الدفاع، وعدم اقتحام قواتها خارج غزة، إلى الهجوم والتحييد الكامل للمنظومات الدفاعية للاحتلال على الحدود مع غزة، ومن ثم اقتحام المستوطنات. 



بالإضافة إلى أنها تدير اللعبة العسكرية والإعلامية والسياسية باقتدار، وبمنتهى الاحترافية. فهي مَن حدَّدت توقيت المعركة، ما وضع التحدي الأكبر على الاحتلال في عدد الأسرى الإسرائيليين الكبير لدى المقاومة، وهذا ما يوضح الهستيريا في القصف الحالي على جميع القطاع، حيث لا يملك الاحتلال الإسرائيلي أوراقاً للضغط على المقاومة للمساومة بها، وهو ما يُبشر بإمكانية اضطراره للإذعان لشروط المقاومة، حيث إن سياسة تكبيد المدنيين المزيد من الأرواح للضغط على المقاومة غير مضمونة العواقب.



في الواقع، الأزمة الحالية تجاوزت كونها حلقةً من حلقات الصدام المتكرر بين المقاومة والاحتلال، فقد تغيرت قواعد الاشتباك بين الاحتلال والمقاومة، وتراجعت التحالفات الإقليمية ومسارات التطبيع إلى نقطة الصفر. في مقابل ذلك، مازالت الفرصة قائمة لإيران لفتح جبهة ثالثة على الاحتلال من الشمال، وهو ما قد يحول مسار الحرب بالكامل. 



الخلاصة أن عملية "طوفان الأقصى" قد غيّرت معادلة الصراع للأبد، وقضت على أسطورة جيش الاحتلال الذي لا يُقهر. وأثبتت سوء وتأخر قراءات الجميع على الساحة الدولية، بما فيهم الاحتلال، للمتغيرات الجديدة. فلقد دمرت المقاومة هيبة ومكانة الاحتلال الأمنية التي كانت تعول عليها دول التطبيع.



لذا لا أحد يستطيع التنبؤ كيف سيتطور المشهد؟ لكننا أمام حرب قد تطورت بالفعل، وهي في طريقها لقلب كل موازين الشرق الأوسط لتعيد تركيبه من جديد.



إن ما جرى يوم ٧ أكتوبر الماضي، كان علامة فارقة في تاريخ هذه المنطقة، ونقطة تحول مفصلية في طريق الصراع نحو التحرر.



جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023